علينا أن نتوقف بالاحترام والتحية والتقدير للإبداع الذى تمارسه الدبلوماسية الرئاسية بسياسات معتدلة ومتزنة تقوم على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل والتى جعلت مصر محور اهتمام الدول والقوى الفاعلة فى العالم.. فالجميع يخطب ود القاهرة.. هذه الدبلوماسية الفريدة لم تحقق فحسب أهدافًا سياسية واقتصادية ولكنها جسدت الدور والثقل المصرى.. فمن جدة إلى برلين وصربيا ثم فرنسا تحلق الطائرة الرئاسية فى آفاق رحبة.. من علاقات التعاون والشراكة الحية والفاعلة تخدم المصالح المصرية وتساهم فى إرساء الأمن والسلم الإقليمى والدولى وفق رؤى خلاقة ترسخ الحلول السياسية والدبلوماسية دون أن تتورط فى استقطاب أو معسكرات بعينها ولكن علاقات متوازنة مع الجميع لا تخلو من رؤية مصرية من أجل مصالحة دولية لإحلال الأمن والسلام والاستقرار وتسعى لإنهاء معاناة وأزمات وصراعات وتوترات العالم.
من جدة إلى برلين وبلجراد ثم باريس.. دبلوماسية الشموخ والشراكة
نجحت الدبلوماسية الرئاسية فى إحداث توازن عبقرى فى علاقات مصر الدولية وتعاملت بذكاء وثوابت لم تحد عنها مع المتناقضات الدولية وأصبح لديها علاقات وشراكات فريدة مع الجميع ترتكز على مبادئ لا تختلف ولا تتغير ولا تتورط فى الاستقطاب، وبدت التحركات المصرية على الساحة الدولية تتسم بخصوصية الاستقلال والأهداف.. تحقق أهدافها السياسية والاقتصادية وتؤكد على محورية الدور والثقل المصرى الإقليمى فى الحفاظ على السلام والأمن والاستقرار بالمنطقة وهو ما يعول عليه العالم الذى يبدى احتراماً وتقديراً كبيراً للدولة المصرية وقيادتها السياسية.
لم تكتف مصر على مدار ٨ سنوات كاملة بدوائر ومسارات السياسة المصرية التقليدية سواء العربية والإفريقية والإسلامية وإنما عملت على وصولها إلى أعلى درجة قوة ومتانة العلاقات التى تقوم على التعاون والشراكة والعمل المشترك لكنها فى نفس الوقت فتحت وعظمت من مسارات أخرى سواء على الصعيد الشرق متوسطي، أو الأوروبى مع الاحتفاظ بعلاقات شراكة قوية مع الأقطاب الكبرى فى العالم ولم تنظر الدولة المصرية إلى خلافات هذه القوى العميقة، ولكنها فى ذات الوقت حرصت على التوازن فى العلاقات مع كافة هذه القوي، مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، ولم تظهر يوماً فى الأفق ملامح انحياز مصر إلى تحالفات بعينها على حساب تحالفات أو معسكرات أخرى ولكنها باتت علاقات قوية وراسخة مع الجميع.
ما يهمنى أن الدبلوماسية الرئاسية المصرية حلقت فى آفاق جديدة وفتحت مسارات إضافية لتحركات القاهرة بغية تحقيق أهدافها ومصالحها الاقتصادية والسياسية والاستفادة قدر المستطاع من هذه العلاقات القوية فى مشروعها التنموى غير المسبوق للبناء والتقدم وتوطين التكنولوجيا المتقدمة وجذب الاستثمارات الأجنبية لاستغلال الفرص الثمينة فى ربوع البلاد المصرية والمشروعات القومية العملاقة والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس التى تمتلك عبقرية الجغرافيا والقرب من كافة الأسواق العالمية، ناهيك عن تيسيرات كثيرة، تمثل جذباً لكل الباحثين عن فرص استثمارية حقيقية.
إن دبلوماسية القمم والشراكات والعلاقات الدولية القوية لا تعكس فقط أهدافاً سياسية واقتصادية ولكنها أيضاً تستهدف تحقيق المصالح المشتركة فى دولة واعدة فى مجالات خلاقة مثل البنية التحتية والطاقة، والطاقة الجديدة والمتجددة ولديها قدرات وبنى تحتية من شأنها أن تسد رمق الباحثين عن مصادر نظيفة للطاقة، وإذا كانت الأهداف الاقتصادية والسياسية والأمنية أكثر وضوحاً إلا أن ثمة أهدافا أخرى حقيقية تكتنف جنبات القمم واللقاءات والشراكات بطبيعة الحال تعكس الدور والثقل المصري، والأهمية المحورية للقاهرة، فهناك حاجة شديدة للتعاون والتباحث والتنسيق المشترك مع مصر فى ملفات دقيقة فى ظرف عالمى شديد الحساسية تموج فيه المعطيات والمتغيرات والتحديات والأزمات الدولية الطاحنة والقاسية، بالإضافة إلى ملفات تشكل تهديداً مباشراً للجميع تستوجب التعاون والتنسيق مثل الإرهاب والتطرف والهجرة غير الشرعية، والحفاظ على الأمن والسلم الإقليمى والدولى وضمان أمن واستقرار الشرق الأوسط التى تشكل تحدياً كبيراً ينعكس على أمن واستقرار العالم.
مصر التى ترفع تغليب لغة الحوار والحلول السياسية والسلمية للنزاعات والصراعات وأبرزها الأزمة الروسية ــ الأوكرانية، من خلال المساعى الثنائية أو الإقليمية أو الدولية والعمل على إطفاء نيران النزاعات فى ظل انعكاسات شديدة الوطأة والقسوة على العالم وتهدد الأمن الغذائى للبشر، وأمن الطاقة وترفع من وتيرة الأزمات العالمية الاقتصادية من ارتفاع معدلات ومؤشرات التضخم وزيادة الأسعار وتعطل سلاسل الإمداد وارتفاع تكاليف الشحن وارتفاع لأسعار الطاقة والنفط وهو الأمر الذى بات يهدد العالم وفى القلب منه أوروبا ويزيد من تكاليف الحياة والمعيشة للشعوب.
مصر لا تتحرك على الساحة الدولية من أجل أهداف سياسية واقتصادية فحسب ولكن لديها تصورات وثوابت واطروحات للمساهمة فى استعادة الأمن والاستقرار للعالم.
يمكن القول إن ثمة أهدافا غزيرة تحققها الدبلوماسية الرئاسية سواء على مدار ٨ سنوات من العمل والانفتاح الدولى فى إطار الاحترام المتبادل وأيضاً فى تحليق الطائرة الرئاسية على مدار أكثر من أسبوع من جدة إلى برلين إلى بلجراد، وبالأمس إلى باريس حيث تعقد قمة مصرية ــ فرنسية فى قصر الإليزيه بين الرئيسين عبدالفتاح السيسي، والفرنسى إيمانويل ماكرون.
الزيارات الأربع للرئيس السيسى ما بين جدة فى السعودية حيث عقدت القمة «العربية ــ الأمريكية»، قمة الأمن والتنمية وشهدت حضوراً ومشاركة مصرية متوهجة، جسدت رؤية ومقاربة شاملة لأمن واستقرار وازدهار المنطقة صارحت بها مصر الجميع ووضع المسئولية على طاولة الجميع، ثم الاتجاه إلى برلين لحضور الرئاسة المشتركة مع ألمانيا لحوار بيترسبرج للتغير المناخى ثم لقاءات ثنائية مستمرة على كافة الأصعدة سواء مع الرئيس والمستشار الألمانى أو وزيرى الدفاع والخارجية الألمانيين أو لقاء كبرى الشركات الصناعية وممثلى قطاع المال والأعمال لعرض الفرص المصرية وتعزيز الشراكة مع ألمانيا وزيادة استثماراتها فى مصر.
وصلت الطائرة الرئاسية إلى العاصمة الصربية بلجراد وسط حفاوة رسمية وشعبية وتكريم رفيع المستوى للرئيس عبدالفتاح السيسي، وتعزيز العلاقات التاريخية بين البلدين والانفتاح فى كافة المجالات فى شراكة حقيقية تحقق مصالح الشعبين الصديقين ثم بالأمس وصل الرئيس السيسى إلى باريس لإجراء مباحثات مع الرئيس ماكرون فى ظل العلاقات القوية والتاريخية وغير المسبوقة بين القاهرة وباريس التى تجسد شراكة فى كافة المجالات وتحقيق أهداف ومصالح البلدين.
القمة المصرية ــ الفرنسية فى قصر الإليزية تناولت العديد من القضايا أبرزها تعزيز التعاون الثنائى بين البلدين فى كافة المجالات والقطاعات ودفع الشراكة الاستراتيجية إلى آفاق جديدة من العمل المشترك وجذب و تشجيع وزيادة الاستثمارات الفرنسية لمصر فى ظل النجاحات والمشروعات العملاقة، فى مجالات البنية التحتية والطاقة، والطاقة الجديدة والمتجددة ومناقشة تحديات وملفات وأزمات العالم سواء على المستوى الإقليمى أو الدولى وفى القلب منها الأزمة الروسية ــ الأوكرانية وسبل الحل وإنهاء النزاع وفق حلول سياسية وسلمية ترتكز على تغليب الحوار لإيقاف النزيف العالمى فى مجال الأمن الغذائى والطاقة وتجنب حدوث تطورات خطيرة للأزمة الراهنة.
ما بين القاهرة وباريس علاقات تاريخية، وصلت فى عهد الرئيس السيسى إلى أعلى درجات قوتها وارتقت إلى حد الشراكة الاستراتيجية سواء السياسية أو الاقتصادية والأمنية والعسكرية والعلمية والتعليمية والاستفادة من الخبرات والتكنولوجيا الفرنسية، والحقيقة أن فرنسا تولى القاهرة اهتماماً كبيراً فى ظل علاقات الانفتاح بين البلدين، وتشيد دوماً بحجم التطور غير المسبوقة فى مصر من إنجازات ومشروعات تنموية، وتؤكد محورية مصر فى دعم ركائز الأمن والاستقرار بالشرق الأوسط وشرق المتوسط.
قمة «السيسى ماكرون» جسدت التقدير المتبادل للزعيمين وعلاقات الشراكة بين البلدين، حيث تناولت القضايا ذات الاهتمام المشترك سواء على الصعيد الثنائى أو الإقليمى والدولى فى ظل التنسيق والتشاور المتواصل بين القاهرة وباريس، حيث توافق الزعيمان على أهمية إحياء عملية السلام والتأكيد على موقف مصر الثابت تجاه القضية الفلسطينية بالتوصل إلى حل شامل وعادل يضمن حقوق الشعب الفلسطينى وإقامة دولته المستقلة وفق المرجعيات الدولية ثم استعرض الرئيسان الأوضاع فى شرق المتوسط وليبيا وسوريا وتوافقا على أهمية تسوية تلك الأزمات من خلال حلول سياسية تحافظ على وحدة الأراضى الليبية والسورية وسلامة مؤسساتها الوطنية لتوفير الأساس الأمنى لمكافحة التنظيمات الإرهابية ومحاصرة عناصرها والحيلولة دون انتقالها إلى دول أخرى بالمنطقة، وقد أشاد الرئيس ماكرون بالجهود المصرية لدعم مساعى التوصل إلى حلول سياسية للأزمات القائمة.
تضمنت القمة المصرية ــ الفرنسية أيضاً الوضع الاقتصادى الدولى الصعب الناشئ عن الأزمة الاقتصادية على صعيد أمن الغذاء والطاقة على المستوى العالمى وهو ما يفرض على الفاعلين الدوليين التحلى بالمسئولية لإيجاد حلول وآليات عملية تخفف من تداعيات الأزمة على الدول الأكثر تضرراً، وتأكيد مصر أهمية المضى فى إيجاد حلول سلمية تفاوضية ودبلوماسية تسعى إليها كل الأطراف المعنية.
قمة باريس بين الرئيسين السيسى وماكرون تطرقت أيضاً إلى استعدادات مصر الجارية لاستضافة القمة العالمية للمناخ cop-27 فى نوفمبر القادم وتنسيق الجهود الدولية لتحقيق تقدم ملموس حول قضية التغير المناخى للخروج بنتائج إيجابية.
دبلوماسية القمم والشراكة والانفتاح على العالم بطبيعة الحال تجد الأهمية والمحورية لمصر وما لديها من فرص ودور وثقل ومكانة تحقق من خلالها مصالحها المشتركة مع أطراف المجتمع الدولى والقوى الفاعلة فى العالم وأيضاً تساهم فى الحفاظ على الأمن والسلم الإقليمى والدولى ومجابهة التحديات العالمية، ومساعى الوصول إلى حلول سياسية ودبلوماسية للأزمات الإقليمية والدولية.
الحقيقة أن الدبلوماسية الرئاسية تستحق الإعجاب والاحترام والتقدير لجهودها المتواصلة والمستمرة والتى لا تنقطع مرتكزة على الرؤى الخلاقة والمصداقية العالية والثقة بلا حدود فى القيادة المصرية التى تمارس السياسة من منظور أخلاقى لإحلال السلام والخير والأمن والاستقرار والتنمية لكافة شعوب الأرض.
وتأتى العلاقات المصرية ــ الدولية ثرية فى مضامينها وموضوعاتها وأهدافها، ولعل الدور المصرى البارز على الصعيد السياسى العالمي، وحالة التوهج المصرية فى طرح الرؤى والحلول ولعب الأدوار والتوازن العبقرى فى التواصل والانفتاح مع العالم، والتعاطى على أرضية الاحترام المتبادل دون التدخل فى القرار الوطني، أو التوجه المصرى فى إطار المصالح المشتركة مع الجميع، هو ما جعل الجميع يخطب ود مصر ومشاركتها والتعاون والتواصل معها على مختلف الدوائر القديمة التقليدية أو المتطورة أو المسارات والدوائر الجديدة التى بزغ نجمها فى عهد السيسى لتشكل ركائز إضافية للسياسات المصرية على الصعيد الدولي، فالحضور المصرى متوهج على الساحة الإقليمية الشرق أوسطية وفى شرق المتوسط وأوروبا، وأمريكا والصين وروسيا وناهيك عن العلاقات العربية التى رسخت وحدة الصف والعمل العربى المشترك وأيضاً استفادة مصر من حضورها على الصعيد الإفريقى بعلاقات حية وفاعلة ورائدة وتاريخية للقاهرة، وكذلك على الصعيد الإسلامي.
من هنا أدعو المحللين وخبراء السياسة للتوقف أمام «عبقرية» التوازن المصرى على صعيد السياسة والعلاقات الدولية وأدعو الهيئة العامة للاستعلامات لتوثيق هذا الملف بشكل خاص، وأيضاً زيارات ولقاءات الرئيس السيسى التى انطلقت قبل انعقاد قمة الأمن والتنمية بجدة وكلمة مصر فى القمة ثم زيارات الرئيس لألمانيا وصربيا وفرنسا بالأهداف والأرقام والرسائل والرؤى وحجم الجهد والإبداع الرئاسى فى تحقيق أهداف الدولة المصرية، ودور وثقل القاهرة فى الملفات والقضايا والأزمات الإقليمية والدولية، فى اعتقادى أنها سياسة جديرة أن تدرس لأنها حققت لمصر مكاسب وأهداف مهمة على كافة الأصعدة وحلت بديلاً لسياسات التشنج والعصبية، التى ترسخت خلال عقود ماضية.
توازن العلاقات المصرية على الصعيد الدولى هو أمر جدير بالاحترام والتقدير والتحية فلم تتورط مصر فى الاستقطاب أو الانحياز لمعسكرات، لذلك بقيت القاهرة محل اهتمام الجميع، ومحور أمن واستقرار سلام الشرق الأوسط وإفريقيا وشرق المتوسط، ولها دور فاعل على الصعيد الدولي.
تحيا مصر