الزيادة السكانية من أخطر التحديات التى تواجه الدولة المصرية سواء فى الأوقات الطبيعية، أو خلال تداعيات الأزمات العالمية التى تشكل عبئاً إضافياً وضغطاً قاسياً على الاقتصاد.. لذلك علينا أن نتصدى وبسرعة لهذه الآفة الخطيرة التى تلتهم جهوداً غير مسبوقة فى ظل أزمات كونية.. وذلك يستوجب تغيير ملامح ومكونات رؤيتنا للمواجهة، بإضافة أبعاد وتداعيات الأزمات العالمية، وآخرها الحرب الروسية - الأوكرانية، والابتعاد عن الأوتار والأنماط التقليدية فى المواجهة.. فليس هناك أفضل من المصارحة والمكاشفة مع المواطن، ووضع المشكلة أمامه، ووضعه أمام مسئولياته وتعريفه بكل أبعاد هذا التحدى الأخطر.
جهود الدولة المصرية لم تتوقف على مدار 8 سنوات من العمل المتواصل والبناء والتنمية وإنهاء أزمات تراكمت على مدار العقود الماضية، ونجاحات وإنجازات ومشروعات عملاقة من أجل تحسين معيشة المواطنين فى كل ربوع البلاد، وأولوية أولى لترسيخ الحياة الكريمة لكل المصريين فى القرى والنجوع، والإصرار على التوزيع العادل لعوائد التنمية.
الدولة المصرية خلية عمل، عمل وبناء وتنمية فى جميع المجالات والقطاعات، بهدف تغيير وجه الحياة إلى الأفضل، وتلبية احتياجات المواطن من خدمات وفرص عمل وسكن كريم وطرق ووسائل نقل عصرية، لكن السؤال المهم الذى أعيد طرحه وتكراره ماذا لو كان عدد سكان مصر أقل بنسبة 50% من تعدادها الحالي، والسؤال الثانى والمرتبط بالأول، ماذا لو لم تهاجمنا تداعيات الأزمات العالمية القاسية والطاحنة فى ظل وتيرة غير مسبوقة من العمل والإنجازات والنجاحات فى أزمنة قياسية وبأعلى المعايير والمواصفات، وفى ظل الإصلاحات الاقتصادية الشاملة التى نقلت الاقتصاد المصرى إلى آفاق ومرحلة جديدة من القدرة والفرص الواعدة، بطبيعة الحال كان الوضع والشعور بعوائد هذه النجاحات والإنجازات أفضل بكثير، سواء فى حال كان تعداد سكان مصر 50 مليوناً، أو لم تهب علينا عواصف الأزمات العالمية من «كورونا» إلى تداعيات الحرب الروسية ـ الأوكرانية.
لكن ماذا ينقصنا رغم أننا نمضى فى مسيرة التنمية والبناء والمشروعات العملاقة بوتيرة متسارعة ونحقق نجاحات كبيرة وأرقاماً ومؤشرات ونمواً لم يحدث منذ سنوات طويلة ونشهد تطوراً كبيراً فى كافة المجالات والقطاعات وأخذاً بأسباب العلم والتكنولوجيا والتقدم وتوطين هذه المجالات فى مصر والإصرار على تنفيذ الرؤية المصرية فى البناء بأعلى المعايير فكل الشواهد والواقع يشير إلى أن مصر فى السنوات الـ8 الأخيرة حققت نقلة تاريخية فى كل شىء، وهو ما يراه الصديق والشقيق ويحترمه ويقدره العالم.
أيضاً الجهود المصرية فى الداخل والخارج متسارعة ومتواترة ومتواصلة لا تتوقف وربما تفوق طاقة البشر، وعلاقات وشراكات استراتيجية مع دول العالم تحقق أهداف ومصالح الدولة المصرية بشكل واضح وملحوظ، لكن هناك حقيقة غائبة ليست على الدولة ولكن على الشعب، وقطاع كبير من مواطنيه وربما تكون هناك أسباب ومبررات أبرزها عدم الوعى بخطورة وكارثية الزيادة السكانية وكثرة الإنجاب، وتؤثر سلباً على المواطن نفسه سواء على مستوى معيشته وآماله وتطلعاته ومستقبله بل ومستقبل الأجيال القادمة.
قناعاتى الراسخة والتى لن أتوقف عن الإشارة إليها والتذكير بها هى قضية «الزيادة السكانية» وعدم التوازن أو التكافؤ بين موارد وقدرات الدولة وتعدادها أو نموها السكاني، وهو فى اعتقادى التحدى الأخطر الذى يواجه مصر وشعبها بالإضافة إلى الوعى الحقيقي، والنمو السكانى جزء مهم من بناء الوعى وأهمية هذه القضية أو التحدى الأخطر أراه فى اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسى والحديث عن هذا الأمر فى كل المناسبات واللقاءات، وأيضاً أراه واضحاً فى ظل تداعيات الأزمة العالمية وتفاقم الضغوط على الأسرة المصرية التى لم تنتبه إلى ضرورة وأهمية الاعتدال فى الإنجاب أو التنظيم أو إدراك طبيعة القدرة على الإنفاق أو تأثير كثرة الإنجاب على صحة المرأة وطاقتها وأيضاً مدى تعاسة وسعادة الرجل والأخطر تأثير ذلك على الأطفال أو الأبناء الذين يحتاجون عناية ورعاية خاصة لكنهم يدفعون إلى آتون الحياة القاسية والإهمال والتعاسة بسبب كثرتهم وعدم قدرة الأب والأم على توفير احتياجاتهم سواء النفسية أو المادية والصحية والتعليمية وتقديمهم للمجتمع بشكل أفضل.
من أهم القضايا التى تشغل الرئيس السيسى ويعتبرها تحدياً كبيراً يواجه الدولة المصرية ودائم الحديث عن تداعياتها وآثارها السلبية على عملية التنمية والازدهار وتحسن مستوى معيشة المواطن، لذلك الدولة بدأت فى مواجهة هذه الظاهرة لكن فى ظل التركيز لمجابهة تداعيات الأزمة العالمية وحماية المواطن منها وتوفير احتياجاته من السلع الأساسية تكاد تكون جهود المواجهة غير محسوسة خاصة على الصعيد الإعلامي.
فى لقاء تليفزيونى سأل المذيع ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان رغم أن السعودية دولة غنية بالنفط.. لماذا ترفع المملكة أسعار الطاقة والبنزين على المواطن؟ جاءت إجابة ولى العهد كاشفة، قال إن الدول يقاس غناها بتكافؤ مواردها مع تعدادها السكاني، وقال هذا كان يصلح عندما كان تعداد السعودية السكانى 9 ملايين نسمة أما الآن وفى ظل نفس معدلات إنتاج النفط اليومى فإنها فى عوائدها لا تتكافأ مع عدد سكانها، لذلك فإن جهود المملكة الآن تنصب على إيجاد منافذ وموارد أخرى للدخل والاقتصاد السعودي.
ما أريد أن أقوله إن النمو السكانى العشوائى يشكل تحدياً ضاغطاً على اقتصاد وحياة المواطن ومستوى معيشته ودخله حتى فى الدول الغنية، من هنا على الشعوب أن تدرك خطورة النمو السكانى المنفلت وغير المتكافئ مع موارد الدولة.
الغريب أن المواطن أحياناً يشكو ويتحامل على الدولة فى حال وجود أزمات أو صعوبات حياتية ومعيشية، أو شكاوى من خدمات وأزمات بعينها ولا يرجع الأسباب وراء ذلك إلا باتهام الدولة أو الحكومة بالتقصير وأنها لم تؤد واجبها.. فى حين أنه جزء أساسى من أسباب المشكلة والأزمة، وعدم إحساسه أو شعوره بالتغيير المطلوب فى حياته كناتج طبيعى للبناء والتنمية، فاختلال المعادلة بين قدرات وموارد الدولة، والنمو السكانى المنفلت هو وراء الصعوبات والضغوط التى تواجه المواطن.
الإسراف فى الإنجاب، وكثرة العيال أو النمو السكانى غير المحسوب بات أكثر خطورة من ذى قبل فى ظل تواتر الأزمات العالمية الطاحنة وتداعياتها القاسية على الاقتصادات العالمية، وما نتج عنها من مخاطر على الأمن الغذائى وأمن الطاقة وارتفاع غير طبيعى فى أسعار النفط والطاقة وهو ما أدى بطبيعة الحال إلى زيادة تكاليف إنتاج السلع والاحتياجات الأساسية، بالإضافة إلى تعطل سلاسل الإمداد والتوريد وارتفاع تكاليف الشحن وهو ما يشكل ضغطاً وحملاً إضافياً على اقتصادات العالم بصفة عامة والدول النامية أو الاقتصادات الناشئة بصفة خاصة، ولعل ما قاله الرئيس السيسى خلال المؤتمر الصحفى مع المستشار الألمانى أولاف شولتس إن الحكومة المصرية فى ظل تداعيات الأزمة العالمية لن تستطيع أن تقدم السلع والاحتياجات والخدمات للمواطن بتكلفتها العالمية لأن ذلك سيحدث نوعاً من عدم الاستقرار ويشكل ضغوطاً إضافية على المواطن لا يستطيع أن يتحملها.
من هنا.. فإن الخطاب الموجه لعملية الوعى لمجابهة تحدى النمو السكانى المنفلت أو كثرة الإنجاب لابد أن يتغير اتساقاً مع خطورة الظروف والتداعيات التى خلفتها الأزمة العالمية وهى معطيات مستمدة يجب الإشارة إليها مع التأثيرات السلبية القديمة والتقليدية للزيادة السكانية، فإذا كانت الدولة مضطرة الآن فى ظل وطأة أزمة عالمية أن تسابق الزمن لتوفير احتياجات المواطن من السلع الأساسية لـ100 مليون مواطن، فمن الأفضل أن يستقر هذا الرقم أو يتراجع، لأن المهمة ستكون أقل صعوبة، ومع ارتفاع الأسعار وتباطؤ الاقتصادات تشكل قضية الوعى بخطورة النمو السكانى غير المتكافئ مع موارد الدولة أمراً ضرورياً وحيوياً فى خطابات بناء الوعى تجاه النمو السكانى المنفلت، وعلى المواطن أن يدرك أبعاد خطورة كثرة الإنجاب، وإذا كنا نتحدث عن مبادرة «2 كفاية»، أو الحديث عن سن قرارات أو قوانين وإجراءات سواء كانت عن طريق اقتصار الدعم على إنجاب طفلين، فإن البعض أيضاً يتحدث أن إهمال الثالث سوف يخلق مشكلة يتحمل ثمنها الباهظ المجتمع نفسه فى ضم عناصر جديدة غير صالحة تحدث أزمات ومشاكل ذات أبعاد اجتماعية خطيرة، لذلك فإن الوعى والإدراك الذاتى والنوعى لدى المواطن ربما يكون الطريق الأفضل وبالتالى ضرورة مخاطبة المواطن بأوتار إقناعية ملموسة على أرض الواقع أو آثار وأزمات تنعكس عليه هو شخصياً نتيجة عدم التزامه بضبط إيقاع الإنجاب، وإن كنت أنا على المستوى الشخصى أريد الجمع بين الأمرين أى الإجراءات والقرارات مع بناء الوعى وفق رؤية وخطاب جديد يشمل تداعيات الأزمات العالمية الخطيرة وتوعية الشعب بأبعادها فى ظل قدرة الدولة التى لا تنام من أجل التخفيف عن كواهل المواطنين وعدم تحميلهم بالشكل الموجود على مستوى العالم تداعيات الأزمات والحروب والصراعات والجوائح على الصعيد العالمي.
فى مصر، الوضع جدير بالاهتمام بشكل أكثر حيوية وفاعلية، حتى يستشعر المواطن ويعى خطورة النمو السكانى وانعكاساته على الوطن والشعب سواء من خلال خطاب مباشر يرتكز على كل المحاور السابقة داخلياً وخارجياً أو لقاءات مع الشباب فى مؤسسات العمل والجامعات ومراكز الشباب والأندية أو على الصعيد الإعلامى بإيلاء هذه القضية اهتماماً أكثر، وبمناقشات أكثر موضوعية وتأثيراً وإلماماً بكل أبعاد القضية، وإعلانياً وتوعوياً بالتخلى عن الأنماط القديمة، والتقليدية فى عصر التكنولوجيا.
ولا أدرى أين مواقع «السوشيال ميديا» من هذه القضية، فبدلاً من انشغالها بالهيافات والابتذال والإسفاف وتتبع عورات الناس والنميمة والشائعات والأكاذيب.. لماذا لا نشغلها برسائل توعوية وإعلامية عن خطورة الزيادة السكانية وآثارها وآلامها بطرح نماذج عملية وواقعية للوضع المأساوى لأسر تعانى ويلات كثرة الإنجاب، الحقيقة إن الوضع بالنسبة للنمو السكانى فى مصر لا يمكن السكوت عليه، ولا يجب أن يمضى بنفس الوتيرة فى ظل الأزمات الدولية المتعاقبة وجهود الدولة للتخفيف والحد منها.
مصر لديها حالة شديدة الصعوبة فيما يتعلق بالزيادة السكانية، فلدينا 2.5 مليون مولود سنوياً، و500 ألف حالة وفاة سنوياً وبطرح الرقمين فنحن أمام 2 مليون سنوياً تشكل تحدياً كبيراً فى ظل ما تتكبده الدولة فى فاتورة مواجهة الأزمات العالمية، وهذه المعاناة المؤلمة والـ2 مليون سنوياً بطبيعة الحال فى حاجة إلى صحة وتعليم وسكن ومستشفيات وفرص عمل وتغطية الاحتياجات من أمن غذائى وطاقة ووسائل نقل ناهيك عن تداعيات ثقافة الزحام والتكدس والاختناقات، وفى ظل تراجع قدرة الدول على توفير احتياجات شعوبها فى ظل الأزمة العالمية، ومع هذه الأرقام والنسب والمؤشرات المخيفة فإننا فى حاجة إلى أرقام مرعبة من المليارات لتوفير احتياجات 2 مليون نسمة سنوياً، وهل زادت قدرات الدولة ومواردها لتتكافأ مع هذا الرقم، رغم أن وتيرة العمل والبناء والتنمية فى الدولة تمضى بشكل غير مسبوق، وأخشى أن تأكل الزيادة السكانية عوائد التنمية ولا يشعر بها المواطن، وتحدث خللاً يستوجب دق ناقوس الخطر.
كثرة العيال لم تعد عزوة ولا رفاهية أو وجاهة، ولا تحمل أى رسائل أخرى غير الهم والغم وتبديد الصحة والعمر فى ظل تلاشى المفاهيم والموروثات القديمة، ففى هذا العصر، ولد واحد صالح ومؤهل ومتعلم وسليم صحياً وعقلياً وبدنياً «أبرك» من عشرة يستحوذ على اهتمام ورعاية الأسرة ومواردها فيشب عملاقاً صالحاً يواكب العصر ويدرك مفرداته ومتطلباته فالمهم النوعية وليس الكم، فهل من الأفضل أن أقدم للمجتمع شخصاً جاهلاً ومشوهاً وساخطاً غير سليم وغير سوى نفسياً، وغير مؤهل بدنياً وذهنياً وعلمياً أم أن أقدم للمجتمع مواطناً يصنع الفارق ويوفر تكلفة المعاناة الباهظة سواء على مستوى الأسرة أو المجتمع، «الحسبة» الصحيحة تشير إلى أن الاختيار الثانى هو الأفضل بكل المقاييس ولصالح الأسرة والمجتمع والدولة التى تستطيع أن تنفق على مواطنيها بشكل أكثر إيجابية لإكسابهم قدرات وتمتعهم بمواصفات صحية وعلمية ونفسية قياسية ونموذجية، لتسترد عوائد غزيرة من استثمارها فى البشر بالشكل الأفضل والأوسع والأكثر سخاء فما يوزع على شخص واحد، أفضل من أن يوزع على عشرة أو عشرين شخصاً.
حتى فى الزراعة، عندما تخف وتقل أعداد الشجر المتجاور ويكون بينها مساحات أفضل بكثير من ازدحام الشجر فى مساحات ضيقة، فالأقل ينمو ويثمر أكثر، لذلك يحرص الفلاح على تخفيف «كثافة الأشجار» لتنعم بالرعاية والسماد.
المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من الضعيف هذا ما قاله رسولنا الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم فالمؤمن الذى يتمتع بصحة جيدة وقوى البنيان وحاضر الذهن والعلم أفضل من المواطن الجاهل المريض الضعيف، لذلك علينا أن نفكر بشكل وطريقة مختلفة اتساقاً مع صحيح الدين فى ظل تأكيد علماء وأئمة الدين أنه لا خير من الاعتدال فى الإنجاب وأن التنظيم والتحديد أمر مشروع طالما أن كثرة الإنجاب تتعارض مع مصلحة وحياة وقوة وبناء الإنسان.
أشفق على الدولة المصرية فى ظل أمرين الزيادة السكانية، وتداعيات الأزمات العالمية وتحملها لفاتورة باهظة وإضافية سنوياً بالإضافة إلى الفاتورة الباهظة التى تتحملها للوفاء باحتياجات المواطن من السلع الأساسية وبتكلفة أقل من تكلفتها الحقيقية، فلك أن تتخيل أن الدولة تتحمل 157 مليوناً يومياً علىذ دعم «السولار» وهو بند واحد رغم الزيادة الأخيرة.. فكم من المليارات تتحملها الدولة فى دعم الكهرباء وبطاقات التموين وتكافل وكرامة ورغيف الخبز الذى يباع للمواطن حامل البطاقة التموينية بخمسة قروش فى حين أن تكلفته الحقيقية تصل إلى 75 قرشاً أو تزيد فهل نستيقظ من غفوتنا، ونسترد وعينا وندرك خطورة النمو السكانى المنفلت والعشوائى ومدى تكافؤ قدرات الدولة، حتى لا تتحول جهودنا غير المسبوقة إلى من يحرث فى الماء.
علينا أن نساعد الدولة، ونتصدى معها لمواجهة تحدياتنا وأزماتنا بالوعى بخطورة ما نقدم عليه من ثقافات ومفاهيم وسلوكيات وننظر إلى أحوال الدول المتقدمة التى لم يزد تعدادها السكانى منذ 50 أو 70 عاماً.