نجحت الدراما المصرية في تجسيد قضية حيوية ومهمة، من أشد القضايا الشائكة سواء على المستوى المحلي أو العالمي لما تحمله هذه القضية من أساس أخلاقي وتربوي وعلمي وثقافي على تكوين الشخصية.
قدمت لنا الدراما المصرية لأول مرة مسلسل عارضا لقضية محورية، ولم تكتف الدراما بالعرض فقط، بل قامت أيضا بتقديم حل لهذه القضية، مما دفعنا هذا بتقديم تحليل مبسط من ناحيتنا لهذا العمل الدرامي الرائع شكلاً وموضوعاً ومضموناً.
وجدنا مُنذ مشاهتنا للحلقة الأولى من مسلسل "دايما عامر" بطولة الأستاذ الفنان مصطفى شعبان والأستاذة الفنانة القديرة لبلبة، أنه مسلسل يدور حول مدرسة خاصة تنقسم إلى قسمين قسم ناشيونال وقسم إنترناشيونال، وكان لدى مديرة المدرسة (لبلبة) مشروع تهدف من خلاله إلى رفع مستوى شخصية الطالب والاهتمام بها على المستوى العلمي والنفسي من خلال الاستعانة بدكتور متخصص في الإدارة التربوية من الجامعة الأمريكية لتعيينه في وظيفة المشرف الاجتماعي؛ إلا انه يأتي وكيل المدرسة (الفنان صلاح عبدالله) بتقديم شخص آخر مشابه لاسم الدكتور الذي تريده مدرية المدرسة، وكان هذا الفعل من وكيل المدرسة لكي يهدم ويمنع فكرة مديرة المدرسة من التحقيق، وتصبح أمام صاحب المدرسة وأمام الوزارة غير قادرة على إدارة المدرسة، طمعاً منه في كرسي الإدارة لكي يكون مديرًا للمدرسة، ظنا منه أنه أحق فرد بهذا المنصب.
إلا أن مديرة المدرسة رغم علمها بأن هذا الشخص (مصطفى شعبان) ليس هو الدكتور المطلوب، كان قرارها الإبقاء عليه لطرده في الوقت المناسب، ولكن الواقع أن هذا الدكتور المزيف استطاع أن يثبت بجدارة وضعه من خلال حله للمشكلات التي ظهرت في المدرسة سواء للطلاب أو للإدارة بوجه عام مما دفعه إلى الاستمرار، إلا أن هذا المشرف المزيف قام بمقابلة الدكتور المقصود لهذه الوظيفة، وبمقابلته وتبادل الحديث معه قال الدكتور (مجسد الشخصية هو الفنان بيومي فؤاد) للفنان مصطفى شعبان إنه يملك الحلم، ولكن ينقصه علم، واستكمل حديثه قائلا: (حلو إنك تحاول تحل بس الأحلى إنك تعرف إزاي تحل). نقف هنا عند هذه النقطة المهمة وهي العلم، التخصص، أهل التخصص أولى بالعمل فيه، ولكن بالعلم المناسب له.
بعد أن علمنا الخطوط العريضة لقصة المسلسل، نأتي الآن إلى موضوعنا الأساسي وهو النقطة المحورية التي جذبت انتباهنا، وهي المشرف الاجتماعي بدرجة دكتوراة في الإدارة التربوية، ولكن دعونا نضع هذه الحلقات الدرامية جانبا، ونسأل أنفسنا السؤال المعتاد، ما الذي ينفص العملية التعليمية؟ يُجيب الغالبية بطلاقة شديدة وسريعة في آن واحد، ينقص التعليم الأدوات والمعامل ومدرسون متخصصون في التخصصات المختلفة للمواد الدراسية لتلاشي العجز الموجود في التخصص كذا وكذا، وإذا سألنا السؤال ذاته لأحد المُديرين لإحدى المدارس سيُجيب نفس الإجابة تقريباً أو يزيد عليها بعض الأدوات اللازمة للمعمل كذا وكذا.
إلا أن هذا المسلسل بحلقاته الثلاثين استطاع أن يكشف النقاب وأن يلفت أنظارنا إلى النقطة المحورية الحقيقية اللازمة لرفع مستوى التعليم، ألا وهي شخص تربوي متخصص في تربية النشء يستطيع أن يصل لهؤلاء الطلاب ويستمع إليهم ويستمعون إليه دون كلل أو ملل منفذين ما يقوله إليهم من نصائح وتوجيهات.
صحيح أن الأدوات والمعامل لازمة والتخصصات الدراسية الناقصة للتدريس متمثلة في المدرسين، ولكن كل هذا لا يفي ولا يحقق ما نرجو الوصول إليه من النجاح المنشود، دون الرجوع إلى كادر بشري تربوي ذي تخصص ودراسات لازمة لإسناد هذه المهمة الدقيقة وشديدة التعقيد إليه في آن واحد، وذلك لتيسير العملية التعلمية كما ينبغي أن تكون. وهنا تأتي الحاجة إلى مشرف اجتماعي بدرجة دكتوراة، في الإدارة التربوية ولديه أبحاث علمية راسخة في هذا المجال.
تمكنت الدراما من عرض المشكلة عرضًا دقيقًا، وإن كان فيه بعض الأحداث التي تتشابه مع الواقع تشابهًا قويًا، إلا أنها نجحت في نفس الوقت في تقديم حلول جوهرية وصحيحة من الناحية التربوية والعملية، أو كما نقول باللغة العلمية تقديم النظرية وتطبيقها.
أذكر انني أثناء مشاهدتي لهذا العمل الدرامي، وجدت فيه جميع المشكلات التي تواجه الكوادر التربوية بداية من مدرسي الفصول وحتى مدراء المدارس. ومع ظهور المشروع التي كانت تحلم به مُديرة المدرسة (الفنانة لبلبة) والمتمثل في دكتور في الإدارة التربوية وجدت في هذا المشروع المفتاح السحري لحل مشكلة التعليم عموماً في أي دولة وتحت أي ظروف وبأقل الإمكانيات.
والسؤل الآن، كيف يمكننا أن نضع حلا لهذا الواقع المتردي لمشكلة التعليم سواء على المستوى الحكومي، أو كما نطلق عليه في لغتنا الدارجة الحكومي، وأيضاً على المستوى الخاص بكل مستوياته؟
إجابتنا عن هذا السؤال، أو بمعنى أدق الحل الأمثل لهذه المشكلات التي تنُج وتُسيطر على التعليم في بلادنا الاستعانة بكوادر تربوية قادرة على إدارة دفة العملية التربوية إدارة علمية صحيحة وسليمة من الناحيتين النظرية والواقعية، ومقصدنا في هذا أي من الناحية العلمية القائمة على النظريات التربوية، وكيفية تطبيق هذه النظريات على أرض الواقع.
ولكن علينا الآن أن ندرك أن العملية التعليمية تتكون من أربعة أضلاع لا خامس لها وهي، القائم بالعملية التعلميية وهو المدرس، والإدارة المدرسية الرشيدة، والطالب، وولي الأمر، كل ضلع من هذه الأضلاع له دور لا يمكنه أن يتم كما ينبغي دون أن يكون تحت راعية وفكر رشيد.
فلنأتِ للضلع الأول وهو المدرس، لابد وكما نعلم أن يكون المدرس قادرًا أن يعزف على عقول أبنائنا أجمل سيمفونية، تحتوي على عصارة أخلاقية، وأكاديمية، وتربوية، وعلى حمل المعلومات من الناحية التخصصية وتوصيلها إلى الطلاب من ناحية أخرى، وعلينا أن نعلم أن التخصص العلمي وحده لا يكفي، ولا القدرة على الشرح وحده تكفي، فهي معادلة مكتملة الأطراف ولا يمكن الاعتماد على طرف دون الآخر.
أما الضلع الثاني وهو الإدارة المدرسية، وذكرنا آنفًا أن الإدارة المدرسية لابد وأن تكون رشيدة بمعنى أن تكون منتبهة أشد الانتباه للطلاب وتكون في يقظة تامة لمستوى الطلاب الأكاديمي والثقافي والأخلاقي.
أما الضلع الثالث والرابع وهو الطالب وولي الأمر، وهما مرتبطان ببعضهما البعض أشد الارتباط، وعلينا كأولياء أمور وتربويين أن نحرص كل الحرص على متابعة أبنائنا خارج المدرسة بشكل مكثف، وإعطاء الأبناء القدرة على حسن الاختيار، ولا أقول الاختيار فحسب، بل أقول حسن الاختيار وشتّان بين الأمرين؛ فإذا قلنا الاختيار وصمتنا فكأننا وضعنا أبناءنا على طريق طويل دون مرشد او دليل، أما إذا علمناهم حسن الاختيار سنكون لهم حسن الدليل والإرشاد.
أيها السادة، دعونا ننظر لأبنائنا بعين المستقبل، نحميهم من أنفسنا قبل أنفسهم، دعونا نأخذ بأديهم وسط هذا المجتمع العالمي السيئ والفاتن بمشكلات أخلاقية وتربوية قد تودي بأبنائنا نحو حافة الضياع.
علينا أن نعي جميعاً أن زرعنا اليوم في أبنائنا واستثمارنا فيهم، هو حرثنا غدًا، بمعنى أن ما نفعله مع أبنائنا اليوم هو درسهم غدًا لأبنائهم، أبناء اليوم هم أولياء أمور الغد.
أما عن التعليم ما قبل الجامعي هو الأساس التربوي اللازم إعداده بصورة سليمة سواء من الناحية الأخلاقية والأكاديمية والثقافية، مثله في ذلك مثل الأساس المعماري، كلما اشتد صلابته يستطيع أن يصمد أمام الزلازل والاهتزازات الأرضية المحتملة، كذلك التعليم ما قبل الجامعي كلما تمكنت المؤسسات التربوية وأولياء الأمور من الإعداد الأخلاقي والتربوي اللازمين، يستطيع الأبناء أن يصمدوا أمام هذا الواقع المتردي وسط السقطات الأخلاقية والثقافية.