كتب : خليل زيدان
تمر اليوم ذكرى رحيل الشاعر الغنائي مرسي جميل عزيز ، تاجر الفاكه والمقاول الذي تجاوزت أعماله الألف أغنية مابين العاطفية والدينية والوطنية حتى أطلق عليه لقب شاعر الألف أغنية .. وكالعادة سنطرح جوانب خفية في ذكراه لا يعرفها الكثير من الناس.
ولد مرسي جميل عزيز بمحافظة الشرقية بمدينة الزقازيق والتحق بكلية الحقوق ولم يكمل لظروف عائلية فعاد إلى الشرقية وعمل بتجارة الفاكهة والمقاولات ثم سافر إلى المنصورة وافتتح شادراً لتجارة الفاكهة وعاد إلى
الزقازيق مرة أخرى وقد امتهن كتابة الشعر الغنائي بجانب تجارته التي لم يتخل عنها ، ويحكي أنه لم يكن يتخيل أنه سيكون شاعراً غنائياً ، فقد كان في فترة صباه يجيد كتابة الشعر وقد أحب فتاة وبسبب الرقباء لم يكن يستطيع
رؤيتها فما كان منه إلا أنه بدأ يؤلف المواويل ويضع داخل كلماتها موعداً ويذهب قرب بيت محبوبته ويغني بنفسه الموال فتفهم المحبوبة تفاصيل الموعد من خلال أغنيته .. وأحب بعدها أحب فتاة من المنصورة كانت السبب في
تشجيعه على كتابة الشعر لأنها كانت تهوى الموسيقى ، وكانت إقامته الدائمة في الزقازيق ويسافر إلى القاهرة مرتين فقط في الأسبوع. لا شك أنه صانع النجوم وليس هو صنيعتهم .. نعم فلم تشتهر فايزة أحمد ولا
عبد العزيز محمود ولا عبد الحليم حافظ ولا غيرهم من نجوم الطرب إلا من خلال أشعاره .. والمقصود هنا أن هناك شعراء اشتهروا بعد أن غنى لهم المطربون ولكن شاعرنا مرسي جميل عزيز كان حريصاً على تبني المواهب
الجديدة وتقديم أشعاره لهم ، وحرص أيضاً ألا يطلق عليه الشاعر الذي شهره المطربون ، لذا كان يهرب من عمالقة الطرب ويقدم أعماله للمطربون الجدد وقد شهر عبد العزيز محمود بأول أغانيه التي ألفها له مرسي جميل وهي يا "
أسمر يا جميل" في فيلم "أسمر وجميل" وأيضاً هو أول من شهر المطرب محرم فؤاد حيث ألف له أغاني أول أفلامه "حسن ونعيمة" منها رمش عينه و"الحلوة داير شباكها" وأيضاً اعترفت صباح بأن أول أغانيها "مال الهوى يامه" هي التى شهرتها وكانت من كلمات مرسي جميل عزيز.
عن أعماله لعبد الحليم حافظ يذكر مرسي جميل أن الموسيقار الموجي هو أول من تبنى حليم وقد ذهب إليه يوماً مصطحباً حليم وطلب منه تأليف أغاني له وقد كان أيامها حليم مغموراً وانتهى اللقاء بوعد منه لكنه لم يكن قد سمع حليم
وذهب إليه الموجى مصطحباً عوده مرة أخرى ومعه حليم إلى الزقازيق وأسمعه حليم وهو يغني "ولد الهدى" لأم كلثوم فأعجب مرسي بصوت حليم وألف له أغنية "مالك ومالي يا ابو قلب خالي" في نفس الجلسة وكان الموجي
قد بدأ التلحين في نفس الجلسة وأنهاه في القاهرة ، وبعد فترة عرض عليه المخرج حلمي حليم أن يختار مطرباً لفيلم "أيامنا الحلوة" فرشح مرسي جميل عبد الحليم للقيام بالدور وقد ألف له كل أغاني الفيلم وهي "هي دي هي"
و"الحلو حياتي" و"يا قلبي خبي" و"ليه تشغل بالك" وحقق الفيلم نجاحاً ساحقاً بقصته المليودرامية وأغاني حليم التي شهرته ، وكانت تلك فقط هي البداية مع حليم ، حيث توالت بعد ذلك الأغاني التي قدمها له مرسي جميل وقد زادت حليم شهرة ة وكان مرسي جميل عزيز السبب في شهرة المطربة فايزة أحمد وهو من طلب من محمد حسن الشجاعي مدير الإذاعة أن يأتي بها من سوريا لتعمل بالإذاعة المصرية بعد أن سمعها بإذاعة الشرق الأدنى فقال له الشجاعي : وتعمل لها غنوة فقال مرسي جميل : أعمل لها اغنيتين ، بس هاتها .. وكتب لها أغنيتان وهما "أنا قلبي إليك ميال" و"قول يا عزول" وفي فيلم تمر حنة ألف لها أغنيتان زادوها شهرة وهما "يامه القمر ع الباب" و"قلبي عليك ياخي" ،
وهذا ما أثار غيظ الكاتب الصحفي والمؤلف الشاعر جليل البنداري ، فقد عرف عن البنداري مشاكسة لكثير من نجوم الفن ، فالبنداري هو كاتب الحوار لفيلم تمرحنة وهو أيضاً مؤلف أغنية "يا تمر حنة" التي شدت بها فايزة في الفيلم ، وبعد عرض الفيلم كانت أغاني مرسي جميل عزيز هي الأكثر ترديداً على ألسنة الناس في ذلك العصر فما كان من البنداري إلا أنه كتب مقالأ اتهم فيه مرسي جميل بسرقة 12 أغنية وأنه يعتمد على الأقتباس فرد عليه مرسي جميل عزيز بمقال وأرفق معه شيكاً بـ 500 جنيه يضعه في يد لجنة تحكيم من كبار الشعراء والأدباء ليفصلوا في الأمر وأن كان حقاً سارقاً أو مقتبساً فتضيع عليه النقود .. وبالفعل تم عقد لجنة تحكيم مكونة من د.على الراعي ود.لويس عوض والشاعر صلاح عبد الصبور ود.عبد القادر القط ود.محمد مندور في أول يناير عام 1961 وبعد التحقيق وفحص الأغاني تم تبرئة مرسي جميل عزيز من اتهام جليل البنداري له وصنف اتهام البندارى بأنه كان غيرة مهنية وتجني وسعياً وراء خبطة صحفية مثيرة.
وعن أعماله لأم كلثوم فيعترف مرسي جميل عزيز أنه تهرب منها مرتان ، مرة بعد أن طلبته ليؤلف لها أغنية ومرة أخرى بعد أن اشترط الموجي على كوكب الشرق أن يؤلف لها مرسي كلمات جديدة ، وقد أبلغه الموجي طلب أم كلثوم للمرة الثانية وبالفعل ألف عزيز مقطعاً وبدأ الموجي في التلحين لكنه هرب مرة أخرى ، فما كان من أم كلثوم إلا إن طلبته وجلست معه تستفسر عن سر هروبه ، فقال لها أخشى أن يقول الناس عنك أنك سبب شهرتي وقد كنت أنا من يشهر المواهب الصغيرة ، فطمأنته أنه بالفعل كبير مشهور بأعماله السابقة ولن يضره قربه منها ، وطلبت منه أن يولف لها أغنية فعرض عليها في نفس الجلسة ثلاثة أغانِ وقبلتها أم كلثوم كلها وبدأ معها بأغنية "سيرة الحب" ثم
"فات الميعاد" ثم ألف ليلة وليلة".
بقي أن نذكر أن مرسي جميل عزيز ألف الأغاني لـ 25 فيلماً بدأها بفيلم "" مبروك عليكي" عام 1949 واختتمها بفيلم "مولد يا دنيا" عام 1976 وأشهر هذه الأفلام "حكاية حب" و "أنا وبناتي" و"المرأة المجهولة" و"أحبك يا حسن" و"أدهم الشرقاوي" و"الشموع السوداء" و"يوم بلا غد" .