الجمعة 3 مايو 2024

ميلاد مؤلم لعراق جديد

مقالات31-7-2022 | 12:15

يستقبل العراق ذلك البلد الذي لم يعرف هدوءً واستقرارا منذ أن سقط في 2003، عاما هجريا وهو على شفا احتراب أهلي جديد وسط تجاذبات سياسية لا تكترث بأهل العراق الذين مزقتهم ويلات الصراع السياسي الدائر على أرضه نتيجة إصرارا فرقه السياسية على تبني سياسات جامدة لا تدرك خطورة أن تنتقل المعارك بين الأحزاب السياسية في القاعات المغلقة إلى الشارع.

إن اللعب بالنار الذي تمارسه القوى السياسية انتقل من قاعات مجلس النواب إلى الشارع بعد أن احتدم الصراع بين التيار الصدري والإطار التنسيقي حول المرشح لمنصب رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ويكاد هذا الصراع أن يتحول إلى معول يهدد مسار الشرعية القائمة في البلاد ويعود بها إلى ساحة احتراب أهلي يخسر الكل من تداعياته التي تعصف بأي بارقة أمل في مستقبل آمن ومستقر خاصة بعد أن انشغل الساسة باقتسام السلطة لتزيد معدلات الفقر والفساد والتي خلفت دمارا وأضرارا أكبر من تلك التي خلفتها طائرات الغزو وحلفائه.

إن العراق اليوم يستدعي تدخل الأجنبي مرة أخرى ويبدو أن البعض لم يستوعب دور الأجنبي وما يمكن أن يفعله فلم يكن يوما طرفا حريصا على مصلحة العراقيين وقد غاب عن كل أطراف العملية السياسية أن التمسك والتصلب السياسي القائم مرده إلى غياب الرغبة في كسر هذا الجمود من خلال تقديم تنازلات تعلي من مصلحة العراقيين وتحقن دماءه.

إن منطق إثبات الوجود عبر حشد الأنصار أو التجول بالسلاح في ضواحي بغداد لن يكون يوما سبيلا للتعامل مع الأزمات ولن يمهد الطريق إلا إلى مزيد من إراقة دماء الأبرياء عبر إثارة النعرات الطائفية أو العمل لصالح أجندات إقليمية غريبة عن ما يصلح أحوال العراق وأهله.

إن تخلية العراق من الأجندات الخارجية وخاصة إيران سيكون باهظ التكلفة إن خرج عن المسارات الطبيعية التي تحقق العدل لكل مكون للمشهد العراقي وإلا سيتحول العراق إلى يمن جديد تتصارع فيه أجندات إقليمية لاشك أن ثمنها سيكون مخصوما من مستقبله وهو ما بدا جليا في الاضطراب الجديد الذي انطلق عبر تسريبات نوري المالكي التي دفعت أنصار التيار الصدري لاقتحام مقر البرلمان بدلا من الدعوة إلى حوار مسئول يوصل الجميع إلى بر الأمان.

ولا بد أن يدرك قادة العراق ورموزه أن العراقيين اليوم قادرون على قلب السلطة وسحب البساط من تحت أقدام من ظنوا أن العراق بات مغنما يستأثرون به ويرفضون التعايش في انسجام يعبر بشكل حقيقي عن مكونات الشعب العراقي فلم يعد لديهم ما يخسرونه ولابد أن يخرج العراق من ورطة تحوله إلى ساحة صراع بين طوائفه وأن هذا محسوب على إيران وأن ذاك محسوب على أعدائها فلابد أن يرى العراق وسريعا صوتا معتدلا وقيادات تعمل لصالح أجندة يكون فيها مستقبل العراقيين هو الأولوية لا أن يبقى العراق ساحة لتصفية الخلافات الإقليمية .

من هنا يجب على الأطراف السياسية أن يتساءلوا حين يعلن فصيل كبير كالتيار الصدري وبالمناسبة كان صاحب أكبر كتلة نيابية في البرلمان قبل انسحابه ويصرخ أنصاره في الشارع "ايران بره بره" أن يلتفت الجميع لهذا النداء وأن يدرك كل من يقصده العراقيون بهذه النداءات أنه حان الوقت للتحرك والتحدث عن تركيبة سياسية جديدة ترضي العراقيين وتؤسس لسلطة مستقرة قادرة على إنهاء معاناة العراقيين وتدهور أحوالهم المعيشية.

إن استجابة الشارع العراقي وتحركه الغاضب يؤكدان بما لا يجع مجالا للشك أن الأمر بات أكبر من القدرة على المناورة أو المساومة وأننا أمام عتبات احتراب أهلي لا يقوى على تبعاته أو صده أو إيقاف آثاره أحد وهنا على الجميع أن يدرك مسئوليته أمام الله وأمام التاريخ إن قرر سياسيو العراق أن يتجاهلوا حركة الشارع أو يتعاملوا معها بأنها خروج على الشرعية وبمجرد أن يستشعر المؤثرون على الساحة أنهم مجرد وكلاء عن الشعب في السلطة ستكون البيئة مهيأة لتقديم التنازلات المطلوبة إن صحت وسلمت النوايا.

أطن أننا أمام مشهد النهاية لتركيبة حكمت العراق ولم تدرك زمانها ولم تتحرك بإخلاص حتى بات العداء معها ملء الأفواه في تحرك غاضب لاشك سيكون مؤلما إنسانيا لكنها لحظة ميلاد متعثرة ومخاض سيسفر عن عراق أبعد بمسافات بعيدة عن أجندات إقليمية أهلكت الحرث والنسل.

Dr.Randa
Dr.Radwa