صور انتشرت مؤخرا لساحة البرلمان العراقي وقد أصبحت محطة للباعة، ربما تعبيرا عن غضب شعبي أو احتجاجا على تأخر نوابه في إعلان تشكيل حكومة جديدة لبلدهم، بعد انتخابات انتهت منذ شهور دون حراك سياسي ونيابي يترجم نتائجها إلى واقع.
أصبحت الأمور في العراق بالغة التعقيد وخرجت عن كل التوقعات، وأصبح الوضع خارج السيطرة مع حالة فوضى تشهدها بغداد العاصمة بعد أن كانت عاصمة للثقافة ومنارة للعلم، والآتي أسوأ بعد تجاهل حل الخلافات بين الأطراف التي تحاول السيطرة على زمام الأمور بعد انتخابات أكتوبر الماضي.
الجميع في العراق يحاول السيطرة على السلطة دون الرجوع إلى الدستور والاعتراف بالآخر، وهذا سبب تدهور الأوضاع في البلد، ناهيك عن قوى خارجية التي تعمل لمصالحها على تصفية الحسابات الإقليمية والدولية وتجعل من أرض الفرات ساحة للحرب بالوكالة.
من المحتمل أن يشهد العراق صداما أكبر بين أطراف متنازعة في شوارع بغداد لا تنظر إلى المصالح العليا للبلد وإنما لمصالحها الطائفية والمذهبية الضيقة لتضر الجميع وتصنع الفرقة والشقاق.
يذكرني المشهد العراقي بأنفسنا صغارا فقد كنا نلعب كرة القدم ومن كان يملك الكرة هو الذي يتحكم بالملعب متى يقرر اللعب ومن يلعب ويوزع أماكن اللاعبين، وإياك أن تسجل هدفا في مرمى فريقه، واليوم كل الأطراف المتنافسة يظن بأن الكرة لديه ويقرر من يلعب دون الآخر ويهمل نتيجة الانتخابات ويعتبر الدستور غير موجود أو أنه يمارس لعب لا قوانين لها.
هناك اليوم من يدعى الوطنية وحماية المصلحة العليا للبلد ويدعو إلى حوارات من أجل الشعب، دون أن ينظر إلى الماضي القريب وسياساته الخاطئة التي أدت بالعراق إلى ما آل إليه الآن. يومها أنكروا الحوار والوحدة الوطنية ومصلحة البلد وأهملوا الدستور الذي هو أساس عراق ديمقراطي فيدرالي، وركضوا وراء السراب وبعض الامتيازات الشخصية والمصالح الطائفية الضيقة وتطبيق أجندات أجنبية.
اليوم بعد ما رأينا الأحداث في بغداد من الصعب التكهن بخروج العراق من هذا النفق المظلم بعد أن تنفس الشعب الصعداء بتحريره من حكم ديكتاتوري حكمه بالحديد، ولكن حلم شعب عانى الويلات والمصائب لم يحقق، بل ازدادت الأوضاع سوءا، فلا خدمات ولا استقرار ولا أمن، وفقط القتل والنهب الأخذ بالثأر.
إن خروج العراق من هذا المأزق لن يتم دون الالتزام بالدستور وحل الخلافات، وأظن أن دعوة رئيس إقليم كردستان الجميع للحوار ونبذ العنف والبدء بعمل وطني مشترك يخدم الشعب كله، تعني أن الكرد على خط المصلحة الوطنية العراقية، يدركون معنى بناء دولة المؤسسات و تأمين الخدمات الضرورية و العيش الكريم للمواطنين.
هم لا يريدون اتفاقيات يجف حبرها وتلقى أوراقها في سلة المهملات، بل يسعون إلى استقرار العراق ونشر التسامح والتعايش السلمي بين كافة مكوناته دون غدر أو مخالفة.
العراق بحاجة إلى الجميع دون تفرقة وإذا لم يعودوا إلى رشدهم فربما يصل الأمر إلى مالا يحمد عقباه.