الجمعة 26 ابريل 2024

كلمة لافروف.. وما هو قادم

مقالات3-8-2022 | 20:07

قبل أسبوع أنهى وزير خارجية روسيا سيرجى لافروف جولة إفريقية كان من ضمن محطاتها القاهرة وأتجه أيضا الى العاصمة الأثيوبية أديس أبابا وفى مقرالسفارة الروسية بأديس أبابا ألتقى لافروف بممثلى الأتحاد الأفريقى حيث مقر الأتحاد بالعاصمة الأثيوبية و ألقى كلمة أمام ممثلى الأتحاد.

وصفت وزارة الخارجية الروسية ماقاله وزير خارجيتها بأنه كلمة للأصدقاء الأفارقة لكن حجم ماقاله الوزير سيرجى لافروف من معلومات يخرج من نطاق الكلمة إلى مفهوم الرؤية الشارحة لأبعاد الأزمة المتعلقة بأوكرانيا ويفسر أيضا طبيعة الوضع الدولى الحالى والأهم فى اعتقادى أن هذه الكلمة أوضحت وبشكل غير مباشر حقيقة مأزق الولايات المتحدة فى أنها لا تريد الاعتراف بمجتمع دولى متعدد الأقطاب وأن هذا المجتمع خرج من حيز هيمنة القطب الواحد الأمريكى.

يقدم الوزير لافروف فى بداية محاضرته سبب الحملات غير المسبوقة من التهديدات والعقوبات والاتهامات التى يطلقها الغرب بقيادة الولايات المتحدة ضد روسيا ومن يقف بجانبها بسبب الأزمة الأوكرانية وأن كل هذه الحملات تجعلنا نتساءل حول طبيعة العالم الذى نريده «أننا نعيش  فترة مهمة في التاريخ، حيث يتعين علينا جميعًا أن نقرر نوع العالم الذي سنتركه لأبنائنا وأحفادنا أهو العالم الذي يستند إلى ميثاق الأمم المتحدة، الذي يؤكد على المساواة في السيادة بين الدول كمبدأ أساسي للمنظمة، أم العالم الذي يسود فيه البقاء للأقوى".

يفسر سيرجى لافروف نوعية هذا العالم الذى تسود فيه القوة دون ضوابط سوى المصلحة من خلال تاريخ الولايات المتحدة والغرب المتخم بكم كبير من التدخلات فى مصائر دول ذات سيادة « في الماضي القريب، اعتبر الزملاء الأمريكيون أن هناك تهديدًا لمصالحهم على بعد عشرات.الآلاف من الكيلومترات من ساحل الولايات المتحدة الأمريكية سواء كان ذلك في يوغوسلافيا عام 1999، أو العراق عام 2003، أو ليبيا عام 2011، وحالات أخرى كثيرة فبدأت العمليات العسكرية، دون أي تردد، ودون شرح لأي شيء لأي أحد، وغالبًا ما كان ذلك تحت ذرائع كاذبة.

لقد دمروا المدن، وقتلوا مئات الآلاف من المدنيين، تنتقل كلمة الوزير لافروف إلى مرحلة شرح أبعاد الأزمة الأوكرانية وتسلسلها التاريخى من خلال المعلومات التى يراها الجانب الروسى وهى الرؤية المحجوبة بشكل كبير بسبب آلة الدعاية الأمريكية التى تريد أن تفرض إدانة كاملة على روسيا فى هذه الأزمة رغم أن الولايات المتحدة لها اليد الطولى فى صناعتها، وحسب آلة الدعاية الأمريكية فالتصور السائد أو الذى تروج له أن هذه الأزمة اندلعت فجأة دون سابق إنذار بسبب قرار اتخذه الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، يوضح سيرجى لافروف من خلال المعلومات والتسلسل التاريخى جذور الأزمة ومن ورائها فهى تطورت على مدار عشر سنوات برعاية أمريكية مستمرة لحكام كييف المعادين لروسيا حتى وصلت إلى مرحلتها النهائية بسيطرة النازيين الجدد على الحكم فى كييف واتخاذهم قرار الانضمام إلى حلف الناتو مما يعنى أن الحلف أصبح على حدود روسيا «فقد تم اعتماد تشريع لإضفاء الشرعية على نظريات وممارسات النازيين الجدد ففي أوكرانيا انتشرت كتائب من النازيين الجدد ممن يستخدمون الصليب المعقوف وغيره من رموز فافن-إس إس والتي أصبحت أساسًا للقوات المسلحة الأوكرانية. ـ أصبحت ـ أوكرانيا دولة متطرفة، تمجد المتعاونين النازيين الذين أدانتهم محكمة نورمبرج، وكل هذا يحدث بتشجيع ضمني من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي (...) وحينما توجهنا بالسؤال للزملاء الغربيين عن السر وراء سحبهم أوكرانيا إلى الناتو علمًا بأنها منظمة معادية لروسيا قيل لنا ألا نقلق لأن ذلك لن يضر بأمننا.ثم كانت المحاولة الأخيرة في ديسمبر 2021. قيل لنا أولا، لن تكون هناك ضمانات أمنية ملزمة قانونًا، لأنها تنطبق فقط على أعضاء الناتو وثانيًا، إن العلاقات بين أوكرانيا والحلف لا علاقة لنا بها.. بهذا انتهى كل شيء».

 من خلال هذا التسلسل التاريخى والمفاوضات التى دارت بين روسيا والولايات المتحدة حول طبيعة وضع وموقف كييف من روسيا حسب معلومات الوزير لافروف فإن موسكو ظلت لآخر وقت تعمل على تجنب نشوب أزمة مع الولايات المتحدة الراعية لنظام الحكم فى كييف فآخر اتصال للحل بين موسكو وواشنطن كان فى ديسمبر 2021 واندلعت الأزمة الأوكرانية فى فبراير 2022 فمن الواضح أن موسكو استنفذت كل السبل للوصول إلى حل يضمن لها تأمين حدودها مع كييف التى تريد بأوامر أمريكية الالتحاق بالناتو أو كما قال لافروف.. بهذا انتهى كل شيء. 

أمام هذا الإصرار الأمريكى على تفعيل الأزمة الأوكرانية وتعريض الأمن القومى الروسى لخطر وجودى بضم كييف إلى حلف الناتو كان يجب على موسكو اتخاذ إجراء مضاد وسريع وهو مايوضحه الوزير لافروف «وقعنا اتفاقية للصداقة والتعاون والمساعدة المتبادلة مع جمهوريتى دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، وبناء على طلبهما، نقوم الآن بعملية عسكرية خاصة، تهدف إلى إنقاذ أرواح مواطني دونباس (دونيتسك ولوغانسك)، والقضاء على أي احتمال لاستخدام الأراضي الأوكرانية لتهديد الأمن الروسي». 

لم تكن الأزمة الأوكرانية أزمة منعزلة بل هى أزمة أفرزت العديد من الأزمات لتصيب المجتمع الدولى بحالة من الاضطراب الشديد ولعل على رأس هذه الأزمات ما أصاب سوق الغذاء العالمى فى الأسعار وتوفر المواد الغذائية الرئيسية، حسب آلة الدعاية الأمريكية ورؤية واشنطن فإن الأزمة فى أسواق الغذاء العالمية تتحملها روسيا بالكامل بسبب تداعيات عمليتها العسكرية فى أوكرانيا ولكن سيرجى لافروف يقدم تفسيرًا آخر لسبب الأزمة ويرجع تفاقمها للولايات المتحدة والغرب «إن المشكلات في أسواق الغذاء العالمية بدأت في المراحل الأولى من وباء فيروس كورونا، عندما قامت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى واليابان دون أي مبرر اقتصادي وفي محاولة منهم لمجابهة عواقب الوباء طباعة 8 تريليون دولار واستخدمت هذه البلدان تلك الأموال الوهمية لشراء المواد الغذائية وغيرها من السلع التي يعتقدون أنها ستكون ضرورية في حالة انتشار الوباء لفترة طويلة وإغلاق البلدان وقبل بضع سنوات، كانت هناك زيادة في أسعار الأسمدة بسبب سياسات التحول الأخضر المتهورة للدول الغربية». 

من هذا المنطلق الذى يقدمه الوزير لافروف وحسب معلوماته هو نجد أن السوق العالمية للغذاء تعرضت لحالة من الشح وارتفاع الأسعار نتيجة للسيطرة الغربية عليها بالاحتكار غير زيادة معدلات التضخم نتيجة لطباعة هذا الكم الهائل من الدولارات، ما يؤدى إلى مزيد من زيادة الأسعار فى سوق الغذاء العالمى، أما بالنسبة لسياسة التحول الأخضر والمقصود فى جزء كبير منها الأسمدة الطبيعية  غالية الثمن ولاتوجد حاليا قدرة إنتاجية مناسبة لإنتاج كميات اقتصادية منها فإن الحالة السريلانكية شاهدة على هذا التهور أو أفكار الحياد الأخضر أو التحول الأخضر التى يتبناها التيار المعولم المسيطر على الولايات المتحدة وفروعه فى العالم الغربى.

انساقت حكومة سيريلانكا وراء الحلم الأخضر وبتشجيع من المنظمات الدولية التى تخضع لسيطرة هذا التيار المعولم ومنعت الأسمدة المصنعة تمامًا وكانت النتيجة توقف شبه كامل لزراعة محصول الشاى المحصول الرئيسى فى البلاد والذى تصدره سيرلانكا وتعتمد عليه بشكل كامل فى توفير الدولارات من عائد التصدير وأمام توقف عوائد تصدير المحصول الرئيسى انفجرت الأزمة الاقتصادية السياسية فى سيريلانكا وتم الإطاحة بالحكومة بعد أعمال عنف.

يضع سيرجى لافروف من خلال رؤيته تصورًا للعالم الذى تريده الولايات المتحدة وطبيعة الأعداء الذين تصنعهم «لقد وصلنا إلى مرحلة تاريخية يتعين علينا عندها الاختيار هل يجب أن نستمر في السير مع هذا التيار الذي يحاول الغرب تنظيم حركته بينما يعلن بصراحة أن ما يجب أن يقود العالم ليس القانون الدولى وإنما بعض القواعد حتى أنهم توصلوا إلى تعبير النظام القائم على القواعد، عند تحليل سلوك الزملاء الغربيين على الساحة الدولية يتضح أن مثل هذه القواعد تختلف من حالة لأخرى، ولا توجد معايير موحدة أو مبادئ عامة باستثناء قاعدة واحدة إذا ما رغبت في شيء فعليكم الامتثال وإذا لم تفعلوا ذلك، فسوف تعاقبون».

الحقيقة أن ماوصفه الوزير لافروف لايبتعد عن الحقيقة فسياسة الكيل بمكيالين التى تتبعها الولايات المتحدة أو كما يقول هو القواعد تختلف من حالة إلى أخرى يلمسها الجميع خاصة فى منطقتنا العربية ويبدى لافروف قناعة قائمة على أن الغالبية العظمى من دول العالم لا تريد أن تعيش كما لو انها عادت إلى الحقبة الاستعمارية وتريد الدول الاستقلال والاعتماد على تاريخها وتقاليدها وهذا بالتأكيد حقيقة فمن يريد العودة إلى ظلمات واستغلال الحقبة الاستعمارية. فى إشارة مستقبلية هامة ناتجة عن الأزمة الأوكرانية وتتعلق بالنظام الاقتصادى الدولى المعتمد على الدولار فإن لافروف فى كلمته يؤكد أن الدولار تحول من أداة لإدارة الاقتصاد الدولى إلى أداة ضغط سياسى وهيمنة وعقاب فى يد الولايات المتحدة «هم الآن بصدد إطلاق عملية قانونية كاملة تمهيدًا لمصادرة الأموال الروسية.. من يدري إذا قامت دولة أخرى بـإزعاج الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة الأمريكية غدا أو بعدغد فقد يفعلان الأمر نفسه، بعبارة أخرى فإن الاعتماد على الدولار كأداة لدعم الاقتصاد العالمي ليس واعدًا بالمرة وبصراحة ليس من قبيل المصادفة أن عددًا متزايدًا من البلدان يتجه نحو استخدام العملات البديلة والتوسع في استخدام العملات الوطنية وهي عملية سوف تكتسب زخما».

بالنسبة لتصنيفات الأعداء والقوائم التى تعدها الولايات المتحدة فحسب لافروف تحتل روسيا حاليًا المرتبة الأولى ويتم تعريف الصين بوصفها مشكلة وجودية طويلة الأمد ويقدم سيرجى لافروف فى نهاية كلمته وصفًا دقيقًا لطبيعة العداء الأمريكى للصين وأسبابه «لقد ذكرت الهدف التالي الصين. وهذا مثال مثير للاهتمام لكيف يمارس الأمريكيون المنافسة العادلة، لقد طورت جمهورية الصين الشعبية الاقتصاد رقم واحد في العالم وهو أمر معترف به من قبل الجميع وحققت هذه النتائج من خلال العمل والتصرف وفقًا للقواعد الغربية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية وما إلى ذلك، تبنت بكين هذه المبادئ في تطوير اقتصادها وهزمت الغرب على أرضه في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار على أساس القواعد التي فرضتها الدول الغربية نفسها فماذا حدث بعد ذلك؟ قبل عامين، بدأ وزير الخزانة في الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من المسؤولين الآخرين في المجادلة بأنه من الضروري إصلاح مؤسسات نظام بريتون وودز ومنظمة التجارة العالمية، وأنه يجب على الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا القيام بذلك، دون السماح لأي أحد آخر بالمشاركة في تطوير قواعد جديدة. هذا يوضح تماما نوع النظام العالمي الذي يحتاجون إليه». 

تقدم هذه الكلمة لوزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف تصورًا كاملا للأزمة الأوكرانية من وجهة نظر موسكو وهى وجهة محجوبة عنا بشكل كبير كما قلت بسبب آلة الدعاية الأمريكية وفى نفس الوقت تعطى رؤية مستقبلية لماهو قادم لكن الأهم فإن داخل كلمات سيرجى لافروف نرى عالمًا جديدا يتشكل ولن يوقف هذا الجديد القادم عدم الاعتراف الأمريكى بأن عصر الهيمنة الأحادية انتهى والأكثر أهمية أنه يجب على كافة دول العالم الاستعداد واتخاذ موقف للتعامل والتعاون مع قوى عظمى جديدة رافضة للهيمنة الأمريكية أصبحت الآن حاضرة بوضوح وقوة فى المشهد الدولى .

Dr.Randa
Dr.Radwa