الخميس 21 نوفمبر 2024

ثقافة

في ذكرى رحيله.. محمود درويش «الشاعر سيء الحظ»

  • 9-8-2022 | 17:40

صورة أرشيفية- محمود درويش

طباعة
  • عبدالله مسعد

يوافق اليوم الذكرى الـ14 لرحيل الشاعر الفلسطيني المناضل محمود درويش، والذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم من عام 2008، بعد إجرائه عملية قلب مفتوح بالولايات المتحدة الأمريكية.

ولد درويش في الثالث عشر من شهر مارس لعام 1941 في قرية البروة الفلسطينية.

وعن طفولته قال درويش في حوار أجرته مجلة "مشارف" في عددها الثالث الصادر في الأول من أكتوبر عام 1995 قال درويش: أنا من أسرة ريفية، عائلتي تملك أرضا، وتشتغل في الأرض وتعيش من إنتاج الأرض، عائلة متوسطة الحال من الطبقة الوسطى الفلاحية، لذلم طفولتي مليئة بصور الأرض، كان جدي هو الأب الحقيقي بسبب انشغال أبي في التربة، وملاحقة الفصول، يخرج في الصباح ويعود في المساء، ويتركنا أنا وإخوتي في رعاية جدي، كان هو أبانا الحقيقي، يدللنا ويأخذنا في نزهات ويصحبنا إلى المدن، أبي ككل المزارعين مستغرق في عمله في الأرض حتى كأنه قطعة منها، أمي امرأة جميلة جدا، هي أيضا اشتغلت في الأرض.


وفي عام 1948 حدث عدوان على قريته مما اضطره هو وأسرته للنزوح إلى مخيمات اللاجئين بلبنان، وقضى فيها عاما وعاد هو أسرته متسللين عبر الحدود مرة أخرى لفلسطين، وكانت لتلك الفترة الفترة أثر بالغ في حياة درويش حيث قال عنها: "في لبنان رأيت للمرة الأولى شلالا، ولم أكن أعرف من قبل ما هو الشلال، رأيت التفاح معلقا على شجر وكنت أحسبه ينبت في صناديق، كانت رحلتنا إلى لبنان في وعي جدي سياحة، وهي تحولي بالفعل إلى سياحة".

وتابع قائلا: "في لبنان أيضا سمعت أول كلمة جارحة، وهي "لاجئ" في المدرسة، لدى أي خلاف مع طالب آخر، كنت أسمع كلمة "لاجئ"، لكني لا أظلم اللبنانيين. هذه الكمة عدت أسمعها عندما عدنا إلى بلادنا، صرنا نسمعها من أبناء القرية الأخرى، فنحن لم نعد إلى قريتنا. في المدرسة كانوا في الصف يشتمونني لأنني أشطر منهم بكلمة "لاجئ".

كانت الفترة التالية للنكبة العربية هى مرحلة من اليأس والإحباط الذي تملك نفوس العرب وانعكس دوما على الشعراء وقصائدهم، فيما جاء محمود درويش بلون جديد وانطباع مختلف ليبدل اليأس بالمقاومة والاحباط بالأمل، فى قصائد مفعمة بالثورية والتفاؤل، ومنذ أن خطت يداه الشعر حلق في سماء الحُلم مبتعدا عن قاع اليأس والهزيمة الساحقة.

وعن نشأته الشعرية وحبه له، قال محمود درويش: "لا أدري من أين.. حاولت مرة أن أبحث في تربيتي عن نسب شعري داخل أسرتي ففكرت في أمي، أمي كانت تكره الأعراس ولا تذهب إليها، لكنها تحضر كل جنازة، صادقتها مرة في جنازة وهي تندب، سمعتها تقول كلاما كله شعر، إذا بحثنا عن أصل وراثي للشعر، فقد يكون منشأ شعري من الكلام الصامت والمخزون لأمي، لكن الذي ساعدني شعريا وأخذ بيدي ورعاني هو أخي الأكبر، وهو الذي شجعني على أن أطور تأتأتي الشعرية الأولى، مستطردا: أنه قد تخلى عن الكتابة واكتفى بأن يشجعني، معلمي الأوائل ساعدوني أيضا على تطوير نفسي.

ذهب درويش إلى حيفا لمدة عشر سنوات وأنهى فيها دراسته الثانوية، وسافر بعدها إلى موسكو للدراسة.

انضم هناك للحزب الشيوعي الإسرائيلي وعمل كمحرر ومترجم في صحيفة "الاتحاد" ومجلة "الجديد" التابعتين للحزب، ثم ترقى لمنصب رئيس تحرير المجلة، واعتقلته قوات الاحتلال الصهيوني عدة مرات بتهمة القيام بنشاط معادي لدولة إسرائيل بسبب آرائه السياسية وتصريحاته المعادية لدولة الاحتلال، وجرى اعتقاله خمس مرات أولها عام 61 ثم عام 65 وعام 66 وعام 67 وعام 69، وفرضت عليه الإقامة الجبرية حتى عام 1970.


وكانت تلك الفترة شديدة الصعوبة على الفلسطينيين عامة وعلى درويش خاصة، وحكى عنها وقال: "كنت ممنوعًا من مغادرة حيفا مدة عشر سنوات، كانت إقامتي في حيفا إقامة جبرية ثم استرجعنا هويتنا، هوية حمراء في البداية ثم زرقاء لاحقًا وكانت أشبه ببطاقة إقامة.. كان ممنوعًا علي طوال السنوات العشر أن أغادر مدينة حيفا، ومن عام 1967 حتى عام 1970 كنت ممنوعًا من مغادرة منزلي، وكان من حق الشرطة أن تأتي ليلًا لتتحقق من وجودي. وكنت أعتقل في كل سنة وأدخل السجن من دون محاكمة. ثم اضطررت إلى الخروج".

حاول درويش السفر إلى باريس عام 1968 لكن رفضت السلطات الفرنسية دخوله الأراضي الفرنسية لأن هويته غير محددة لجنسيته، فأعادته السلطات إلى الأراضي المحتلة، خرج بعدها عام 1970 إلى موسكو للدراسة وكانت هذه أول غربة له بعيدا عن فلسطين، كان وقتها طالب في معهد العلوم الاجتماعية، أقام هناك سنة وفقد ثقته بالشيوعية، وسقطت موسكو من نظره من مدينة "الفردوس" ليراها على حقيقتها مدينة عادية يعاني أهلها من الحرمان والفقر ويعيشون في خوف.

لم يتحمل الحياة في موسكو وقرر الذهاب إلى القاهرة واتخذ قرار صعب وقتها بعدم العودة إلى فلسطين مرة أخرى، فقد أحب العيشة في القاهرة وقال: "وجدت نفسي أسكن النصوص الأدبية التي كنت أقرؤها وأعجب بها، فأنا أحد أبناء الثقافة المصرية تقريبًا والأدب المصري، التقيت بهؤلاء الكتاب الذين كنت من قرائهم وكنت أعدهم من آبائي الروحيين، التقيت محمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ، والتقيت كبار الكتاب مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم. ولم ألتق بأم كلثوم وطه حسين، وكنت أحب اللقاء بهما".

عينه الكاتب محمد حسنين هيكل في نادي كتاب الأهرام مع نجيب محفوظ ويوسف إدريس وعائشة عبد الرحمن في مكتب واحد، وبجانب توفيق الحكيم في مكتب منفرد، فنشأت بينه وبينهم صداقة قوية، وتربى على يد شعراء كبار أمثال صلاح عبد الصبور وأحمد حجازي وأمل دنقل وعبدالرحمن الأبنودي.

انتقل بعد ذلك الى بيروت لتصبح مقر لأفكاره وتياراته الأدبية والفكرية والسياسية، ولكن لسوء الحظ اندلعت الحرب الأهلية في لبنان بعد فترة ومات بعض أصدقائه هناك مثل غسان كنفاني، فتحول من الشعر العاشق الرومانسي لشعر الرثاء والأوطان.

هدأت الحرب في لبنان ولم يخرج منها كما خرج آخرون حتى احتلت إسرائيل لبنان وقضى أيام صعبة كان لا يعرف فيها أين ينام وكان ينام في مطعم حتى لا يقبض الإسرائيليين عليه حتى حدثت المجزرة الكبرى "صبرا وشاتيلا" وهرب وقتها.

هرب من بيروت إلى الأشرفية ومنها إلى سوريا ومنها إلى تونس ثم باريس ليقضي هناك حوالي 10 سنوات على فترات متقطعة في الثمانينيات، عمل هناك في منظمة التحرير الفلسطينية واستقال من اللجنة التنفيذية لها احتجاجا على اتفاقية "أوسلو"، وفي عام 1981 أسس مجلة "الكرمل" التي عمل على تحريرها وأكمل إصدارها حتى بعد سفره من لبنان، واستمر في ذلك حتى وفاته، وصدر منها 89 عدد وخصصوا العدد التسعين لسيرته الذاتية بعد وفاته.

غادر لبنان إلى دمشق كمرحلة مؤقتة في الطريق إلى تونس، وذهب إلى باريس ليعيش فيها عشر سنوات لكن على فترات متقطعة وهناك كانت ولادته الشعرية الحقيقية على حد قوله لجمال تونس الذي أتاح له فرصة للتأمل والنظر إلى الوطن والعالم.

في التسعينيات أصبحت العودة لرام الله متاحة، وقرر العودة إليها لأنه لن يكون مرتاح في منفاه فاختار العودة إلى عمان بالأردن لأنها قريبة من فلسطين ولأنها مدينة هادئة عام 1995 ولم تختلف حياته فيها كثيرًا عن حياته في القاهرة وبيروت وباريس، وتزوج هناك من الكاتبة "رنا قباني" ولكنهما تطلقا ثم تزوج من "حياة هيني" وهي مترجمة مصرية وانفصلا أيضا فهو كان عاشق "سيء الحظ"، ولم يرزق بأي أطفال.


ذهب محمود درويش إلى مدينة هيوستن وبالأخص إلى مركز تكساس الطبي في الولايات المتحدة الأمريكية ليجري عملية قلب مفتوح ودخل بعدها في غيبوبة جعلت الأطباء هناك ينزعون أجهزة الإنعاش كما كان قد وصاهم ليتوفى يوم السبت 9 أغسطس عام 2008 ويعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس الحداد ثلاثة أيام حزنًا على "شاعر فلسطين"، وتم دفنه في قصر رام الله وأعيد تسميته ليكون "قصر محمود درويش للثقافة".

أخبار الساعة

الاكثر قراءة