الخميس 25 ابريل 2024

العلاج بالفلسفة.. حقيقة أم خيال؟

مقالات11-8-2022 | 14:57

كان مقصدنا خلال الفترة الماضية – الثلاث أسابيع الماضية – أن نوضح بصورة هادئة وسليمة كيف تكون الفلسفة بالنسبة لنا، وذلك من خلال ثلاث مقالات تحمل العناوين الآتية، الأول، الفلسفة كما يجب أنّ تُفهم. والثاني، الفلسفة علم قراءة الحياة. أما الثالث والأخير، كان يدور حول الِاسْتِشَارَة الْفَلْسَفِيَّة. وكان هدفنا خلال عرض هذه الموضوعات ان تكون رداً على دعاوى القائلين بأن الفلسفة لا قيمة لها، وأنها لا تخرج عن قاعات الدرس، سواء في المدارس الثانوية، أو قاعات المحاضرات في الجامعات، فهي في منأى عن الواقع والحياة. وآثرنا أيضاً في الجزء الأخير – المقال الثالث – أن نقدم الفلسفة في صورتها التطبيقية، والعلاجية، وأنها على عكس مما يروى، وأنها وثيقة الصلة بالواقع وتحدياته. أملاً منا في تحقيق فهماً سوياً صحيحاً سليماً بعيداً عن الدعاوى العدائية لأنصاف المفكرين والمثقفين.

        ولكن وصلني بعد المقال الثالث – الِاسْتِشَارَة الْفَلْسَفِيَّة – ردوداً من بعض القراء الأعزاء منها ما يحمل الشكر والثناء على ما قدمته خلال الثلاث مقالات، وليس بمجال هنا أن نذكره، فلهم مني جزيل الشكر والتقدير على متابعتهم، وهنالك ردوداً أخرى – وهي الأهم هنا أن تُذكر – هذه الردود هي في الحقيقة مجموعة تساؤلات حول ما عرضناه خلال الثلاث مقالات، خاصة المقال الأخير الذي حمل عنوان الاستشارة الفلسفية.

 في حقيقة الأمر لم أكن أتصور مردود هذه المقالات على القراء خاصة المقال الأخير لذلك أردت ألا يطول فترة ردي على القراء الكرام وأن يصلهم ردي في أسرع وقت .

لذلك أردت أن يكون هذا المقال بمثابة مناقشة هادئة ومُستفيضه حول هذه التساؤلات، محققين من هذا الدور الحقيقي للفلسفة الذي أطلنا الشرح والتحليل عنه خلال الثلاث الأسابيع الماضية. وكانت هذه الردود أو التساؤلات تتشابه جميعها بصورة أو بأخرى، وتفي جميعها بنفس المضمون، ألا وهو هل حقاً الفلسفة يمكن أن تكون مصدراً لعلاج الإنسان، أم أنها عناوين أدبية رنانة بعرض الكتابة فحسب.

إن الفلسفة هي سند وساعد الإنسان اليُمنى داخل المجتمع، فهي المُعين له لتحسين الحالة الاجتماعية والفكرية والثقافية، وفي كلمة واحدة، هي الضابط الرئيس للنتائج السليمة والصحيحة على مُختلف الأصعدة. ولكن دهونا نتساءل، أين الفلسفة من المشكلات التي تطرأ على المُجتمع، واخص بالذكر مشكلات العنف الأسري، والقتل، والمُشكلات الزوجية الواصلة لحد الطلاق. هذه المشكلات التي انتشرت حاليا في المجتمع المصري، بل والمجتمع العربي ككل – لن اذكر هنا المجتمع الأوربي، لأن مجتمعنا العربي يمتاز عن قرينه الأوروبي بالوازع الديني والأخلاقي – بصورة بشعة تخفق لها القلوب، وتقشعر لها الأبدان. والسؤال الآن، هل قدمت لنا الفلسفة حلولاً جذرية لمثل هذه المُشكلات؟ هل يمكننا بممارسة الفلسفة ان نصد عن مجتمعنا هذا الخطر اللاحق به، والمُدمر لقيمة ومبادئه؟

في حقيقة الأمر لقد قمنا بتقديم إجابة مرضية حول هذا الإشكالية الفلسفية خلال الثلاث مقالات السابقة، ولكننا سنُعيد النظر هنا فيما قدمناه سابقاً، بحيث لا يكون تكرراً بقدر ما يكون عرضاً مبسطاً ووجيزاً للفكرة ذاتها.

نبدأ بما حدث في المملكة العربية السعودية، من موقف تام للنشاط الفلسفي، سواء على المرحلة الثانوية والجامعية. وهو ما رصدناه في مقالنا – الفلسفة علم قراءة الحياة – ونحن لسنا بحاجه هنا إلى ذكر هذا الخبر بتفاصيله، ولكننا سنُركز هنا على السبب الرئيس وراء هذا. ووجدنا أن هذا السبب هو القائم بالعملية التعليمية سواء في المرحلة ما قبل الجامعية والمرحلة الجامعية، أي المُدرس. نحن في أمس الحاجة إلى مُدرس – سواء في المرحلة ما قبل الجامعية والجامعية – قادراً على الفهم، والاستنتاج، والتطبيق، والبحث. هذه الصفات الأربعة إذا اجتمعا في عصب العملية التربوية – المُعلم – ننعُم بنتيجة مفاداها، التمكن من التواصل بشكل مُيسر مع طلابه، لأنه ببساطة شديدة يقوم بتدريس فرع من فروع العلوم الإنسانية شديد الحساسية والخطورة، فهي علم يمس العقل والفكر. والسؤال الآن، ماذا يحدث إذا لم يُحسن القائم بالعملية التعليمة والتربوية فهم الفلسفة وتطبيقاتها وممارستها كما ينبغي أنّ يكون؟ بالتأكيد سيصل بنا الحال كما حدث بالمملكة العربية السعودية، هذا من جانب، ومن جانب آخر نكون قد أثبتنا لأنصاف المفكرين والمثقفين، انهم على حق وان الفلسفة عديمة الفائدة.

        ستظل الفلسفة تُطاردها هذه الدعاوي الفارغة، ما لم نقف عند هذه النقطة وهي القائم بالعملية التعلمية والتربوية، فإذا وصلنا إلى هذا المُدرس صاحب الدراسات والأبحاث والقراءات المُعمقة، نستطيع ان نُخرج الفلسفة من قاعات الدرس إلى الواقع المُعاش، ونستطيع أيضاً أن نُسند له المهمة العلاجية الفلسفية، وهو الهدف الرئيس والمنشود من الفلسفة.

        ما نقصده هنا بممارسة الفلسفة أو الممارسة الفلسفية – سبق وأن ذكرناه في مقال الاستشارة الفلسفية – هو أن هناك فرق شاسع، بين الفلسفة ذاتها والخطاب الفلسفي، أما الخطاب الفلسفي، هي مباحث الفلسفة الثالثة وهي: الطبيعة والأخلاق والمنطق. أما ما نقصده بالفلسفة ذاتها، أي الطريقة الفلسفية في العيش، أي في فعل واحد موجود مؤداه أن نعيش المنطق ونعيش الفيزياء، ونعيش الأخلاق. وهذا ما نقصده بالممارسة الفعلية للفلسفة.

        عزيزي القارئ، ما ينقصنا لممارسة الفلسفة أو التفكير فلسفياً، هو الهدوء في اتخاذ القرارات، هدوء العقل هو الهدف من التفكير الفلسفي، وهو ما يجعلنا أن ننظر في بواطن الأمور، كما يجعلنا نُحسن الاختيار والتمحيص فيما يصادفنا من قضايا ومشكلات. ولن نستطيع أن نصل إلى هذه المرحلة، إلا إذا استطاعتنا أن نتحكم في أنفسنا وفي انفعالاتنا، أي إذا استخدمنا عقلنا، وفي كلمة واحدة، إذا فهمنا واستخدمنا الفلسفة كما ينبغي أن تّكون.

        ويمكننا أن نستشعر الدور الحقيقي والعلاجي للفلسفة، على مر مراحلها التاريخية، وهو ما قدمنا إيها في مقالنا السابق – الاستشارة الفلسفية – ورصدنا الدور الذي قامت به المدرستان الابيقورية والرواقية، سعياً من جانبهما إلى نجاة الإنسان وسط ما كان يُعانيه من أزمات على مُختلف الأصعدة السياسية، والأخلاقية، والفكرية. فكان هذا خير مثال نستند به هنا.

وأخيراً، أرى في تقديري، أننا إذا أردنا أن ننعم بممارسة فعالة للفلسفة، بشكل سليم وعلمي، وأن نُخرجها حقاً كما نتمنى من قاعات الدرس إلى الحياة، وجعلها تعمل على ارض الواقع علينا باستناد هذه المهمة لقائدها الأول وهو المُدرس، فلابد وان يكون أولا وقبل كل شيء، باحثاً في الفلسفة، أي لديه أبحاث ودراسات وقراءات عن الفلسفة تمكنه من النظر في الأمور بشكل أعمق وأوسع، ونستطيع أن نُسند إليه المهمة العلاجية، ونأخذ منه المشورة الفلسفية الصحيحة، وقتها يمكننا أن نقول مثالنا الدارج على ألسنتنا "من خاب من استشار"، وحيناها نستطيع أن نُجيب على تساؤلنا، هل العلاج بالفلسفة حقيقة أم خيال؟

Dr.Randa
Dr.Radwa