هل هناك ما يسمى بفكرة المؤامرة؟ المؤامرة ارتبطت تاريخيًا ومنذ البداية وعندما كانت القوة هى المبدأ السائد الذى يحدد العلاقات بين البشر وبين الطبيعة وبين البشر بعضهم والبعض الآخر.
وتطورت فكرة المؤامرة مع تطور الإنسان الذى أخضع الطبيعة وما فيها لصالحه؛ حيث ظهرت الدول والأنظمة الحاكمة فكانت القوة تتمثل فى الإمبراطوريات الكبرى التى كانت تستغل الدول والشعوب لصالحها، فكانت الظاهرة الاستعمارية التى كانت تفعل المؤامرة فى إطار رصد نقاط الضعف وتحديد مناطق الخلل واختراق الأنظمة لفرض السيطرة سواء كانت هذه السيطرة عن طريق ما كان يسمى الاستعمار الاستيطانى عن طريق الجيوش حتى تغير هذا الشكل الاستعمارى فأصبح يأخذ أشكالًا عدة منها الاقتصادى الذى يربط الدول بالاتفاقيات والمنح والقروض؛ حتى تكون خاضعة لقرار هذه الدول المانحة وخاضعة لشروطها؛ حتى تكون تابعة فى قراراتها السياسية والاقتصادية، حتى وصل الأمر إلى الخضوع الاجتماعى والثقافى بالقضاء على الهويات الوطنية للدول واستبدالها بهويات مستوردة تكرس التبعية وتسقط الانتماء. وهنا بالطبع تكون الدول التى تتمتع بموقع إستراتيجى ولديها من الإمكانات المتعددة ما يعزى ويدفع الدول الاستعمارية لتفعيل تلك المؤامرة متعددة الأوجه للاستيلاء على هذه الدول بكل إمكاناتها.
والتاريخ هنا يقول لنا إن مصر التى حباها الله بموقع فريد ومتفرد وخصها الله بخصائص ليست لغيرها؛ واستقبلت كل الأنبياء والرسل، وأحسنت الاستقبال، لها دور إقليمى مقدر يؤثر فى محيطها بشكل مباشر، مما جعل مصر ومنذ البداية مطمعًا لكل الامبراطوريات، فقد جاء إلى مصر ثلاث هجرات جماعية (الهكسوس واليهود والإسلام) واثنتان وخمسون غزوة حربية. وظلت مصر هى مصر مقبرة للغزاة. جاء الفرس واليونان والرومان، وبعد الإسلام كانت نظم تحكم مصر لا علاقة لها بمصر ولا شعبها غير مصالحها الخاصة. حتى جاء محمد على وكانت بوادر وإرهاصات بناء الدولة الحديثة التى تخطت حدودها الجغرافية، هنا كانت المؤامرة الاستعمارية ضد مصر ومحمد على؛ حتى لا تتمكن مصر من لعب دورها الحقيقى الذى يخرجها من نطاق السيطرة. وتكرست المأساة مع عبد الناصر الذى أعاد حكم مصر للمصريين، وكان نظامًا يسعى إلى حرية المواطن من الاستغلال وحرية الوطن من الاستعمار والأحلاف العسكرية، وكانت بدايات وحدة عربية تقطع على المستعمر الطريق فكانت مؤامرة يونيه ١٩٦٧ وصمد الشعب المصرى وحقق النصر فى ١٩٧٣ . وجرت فى النهر مياه كثيرة واجهت مصر فيها مصاعب سياسية واقتصادية؛ حتى كانت ٢٥ يناير والتى خرج فيها المصريون، ولكن المؤامرة كانت مستعدة للانقضاض للاستيلاء على ٢٥ يناير ولصالح القوى التى لا تريد لمصر غير الخضوع للقرار ضمانًا للصالح الإسرائيلى وللمصالح الإستراتيجية الأمريكية فى المنطقة، فكانت جماعة الإخوان هم العراب الذى يقوم بهذا الدور للصالح الأمريكى. ولما كان الهدف هو إسقاط الهوية المصرية لصالح هويات أخرى، ولما كان الهدف تسخير مصر للقيام بدور يقزّم من حجمها ويسيء إلى تاريخها ويتجاهل حضارتها، قام المصريون بمساندة جيشهم الوطنى بإسقاط نظام الإخوان فى ٣٠ يونيه ٢٠١٣ . لم تكن يونيه إسقاطًا لحكم الإخوان. ولم يكن الهدف هو استبدال مرسى بالسيسى. ولكن يونيه كانت النقطة الفاصلة التى غيرت كل الإستراتيجيات فى المنطقة كلها. كان الهدف هو نشر الفوضى غير الخلاقة التى بشّرت بها كونداليزا رايس فى القاهرة عام ٢٠٠٤، فكانت الفوضى ممثلة فى هدم وسحق العراق وتقسيم السودان وتخريب سوريا وليبيا واليمن، وبالطبع كان الهدف الأول والأساسى والمعلن هو تركيع مصر بصورة أو بأخرى، هنا اعتبروا وصول الإخوان وبمباركة أمريكية هو الحل لما يريدون. هنا كانت يونيه ضد هذا التيار وأوقفت مخطط تبادل الأراضى فى سيناء. فارتبكت الحسابات، فكان الوقوف علانية فى مواجهة يونيه وفى مواجهة السيسى كواجهة وممثل اختاره الشعب ووثق فيه. وجدنا المساندة الدولية للإخوان فى رابعة فى محاولة لإنشاء دولة موازية تمهيدًا للتدخل الدولى، وبعد فض رابعة كان الانحياز مع الإخوان بكذبة أن مرسى رئيس منتخب، وأن يونيه انقلاب فى الوقت الذى اعتبروا فيه ٢٥ يناير ثورة، مع العلم أن يناير ويونيه قام بهما المصريون، وساندهم الجيش، صمد الشعب وخرج فى ٢٦/٧/٢٠١٣ كما لم يخرج قبل ذلك. وكانت خطة الطريق لإعادة الدولة وهيبتها، فكان الدستور وانتخاب الرئيس والبرلمان، فكانت الشرعية الدستورية مع الشرعية الجماهيرية، فكانت المصداقية التى جعلت العالم يتعامل مع يونيه ومع مصر العائدة لدورها التاريخى.
بدأ الإخوان خطة الاستيلاء على السلطة بالفوضى التى بدأت فى ٢٨ يناير حيث إنهم لا يستطيعون ممارسة أى دور سياسى حقيقى بغير هذه الفوضى، فكان الهدف وبعد ٣٠ يونيه هو استمرار هذه الفوضى وعلى كل المستويات، فأعادت يونيه هيبة الدولة، فشلت المظاهرات والعمليات الإرهابية فى الداخل، فتصاعدت فى سيناء وفى الحدود الغربية تلك العمليات الممولة عسكريا واقتصاديا ولوجستيا من مخابرات دول معروفة بدورها ومساندتها للإخوان، ليس بهدف إرجاع الإخوان، ولكن بهدف إسقاط الدولة وليس إسقاط نظام يونيه والسيسى، فهل الهدف هو استهداف السيسى أم استهداف الوطن؟ لا شك أن الهدف الأساسى هو مصر الدولة وليس مصر النظام، نعم السيسى رمز، والسيسى هو القيادة التى تقود السفينة، السيسى أناب عن الشعب، وفى وجود الإخوان كان يرفض ممارسات الإخوان، ولذلك أصبح رمزًا وقيادة شعبية، ولذلك يصورون المعركة والاستهداف وكأنه للسيسى، مع العلم أن استهداف النظام أو السيسى له طرق معروفة وهى الطرق السياسية. ولكن ما علاقة هذا بضرب الاقتصاد والسياحة والمؤسسات وإثارة الرعب وضرب التوحد المصرى باستهداف الأقباط؟ ما علاقة استهداف السيسى بتلك العمليات ضد الجيش والشرطة والشعب؟ ومن هو الممول والمساند؟ وهل هذه هى إمكانيات هذه التنظيمات الإرهابية؟ نحن نعلم أن هناك استهدافًا للرؤساء من معارضيهم. فكان الإخوان يستهدفون عبد الناصر خاصة عام ١٩٥٤. واستهدف السادات وقتل ١٩٨١ . واستهدف مبارك فى أديس أبابا ١٩٩٦ فهذا هو الاستهداف الشخصى، ولكن ما يحدث هو استهداف لمصر الدولة المصرية، وهذا لا شك لصالح دول بذاتها تعلم قدر وقدرة ومكان ومكانة مصر، ولذلك وقفت مصر وستقف فى «زور» كل هذه الدول وتلك القوى، وهذه الدول لا تريد مصر قوية. فهل تسليح الجيش المصرى حتى أصبح عاشر جيش على مستوى العالم وقبل إسرائيل هل هذا يرضى هؤلاء؟ عندما تستعيد مصر دورها العربى والإفريقى هل هذا يرضى هؤلاء؟ عندما يكون موقف مصر الموضوعى والصحيح من دولة قطر ومنذ ٣٠ يونيه هى أن دول الخليج الأخرى السعودية والإمارات والبحرين وهم شركاء لقطر فى مجلس التعاون الخليجى يقتنعون بموقف مصر وتكون قرارات ٥ يونيه الماضى ضد قطر هل هذا يرضى ويسعد هؤلاء؟ عندما يصر السيسى تلبية لموقف الشعب على عدم التعامل أو حتى مناقشة مايسمى بالصلح مع الإخوان، وعندما يصر السيسى على تسليم الإخوان المتهمين والمصنفين إرهابًا هل هذا يسعد قطر وتركيا؟ إذن الهدف ليس السيسى بل مصر.. ولكن ستظل مصر دائما هى مصر منذ أن كانت قبل التاريخ بتاريخ، فمصر هى فجر الضمير هى شروق الحضارة، مصر هى الدور. ومصر شعبها العظيم الذى يعلم ماهية مصر، شعبها المحب لوطنه مهما جار عليه المنتمى لوطنه، مهما عانى من مشاكل سيظل وفيًا مخلصًا صابرًا مناضلًا. ولذلك وعلى ذلك وحتى نواجه تلك المخططات وتلك المؤامرات يجب الحفاظ على التوحد المصرى والتوافق الوطنى. الحفاظ على معسكر يونيه حتى لا نعطى الفرصة للاختراق ولاستغلال المواقف واستثمار الظروف لضرب وحدة الوطن. مزيد من الحوار ومشاركة الجميع فى اتخاذ القرار. مزيد من القرارات التى توزع أعباء المرحلة كل حسب قدرته. تطبيق القانون بلا استثناء، حل مشاكل الجماهير والارتباط بالشارع السياسى. نعم السيسى يعمل ولا يكل ولا يمل، ولكن على الجميع استشعار الخطر المحدق بالوطن، وعلى الجميع العمل لا الكلام، والإنتاج لا الكسل، والانتباه لما يحاك لنا، حفظ الله مصر وشعبها العظيم من كل المؤامرات والفتن.