الخميس 27 يونيو 2024

رسالة عبدالراضى ومريم وياسين: اكسروا شماعة الظروف

27-7-2017 | 17:20

بقلم – طه فرغلى

فارق كبير بين الأمل والإحباط، بين الإصرار واليأس، بين العجز والتحدى.. بديهيات وأمور مسلم بها، لا يستوى من يملك الأمل ومن يعش فى إحباطه ليل نهار، من يطير فى سماء الإصرار، والتحدى ومن يقع فى بئر اليأس والعجز.

كثيرون يلعنون الظلام وهم يعيشون فيه باختيارهم، لأنهم لم يتحركوا من أجل أن يضيئوا شمعة تنير لهم دروب الحياة.

من ارتضى باليأس عليه أن يعيش فيه، ولكن عليه أن يدرك أنه المسئول وحده عن يأسه.

ثلاث قصص متواترة تحمل النور والأمل وتلطم دعاة اليأس على وجوههم وتلقى بهم فى غياهب سجونهم النفسية المظلمة.

ثلاثة نماذج من أرض مصر الطيبة، من حضن النيل قصة كل منهم نموذج فى الإصرار والتحدى وصناعة الأمل «عبدالراضى، ومريم وياسين» الثلاثة اختاروا طريقا مفروشا بالأمل وتيقنوا أن فى نهاية النفق ضوءا سيبدد ظلمة حياتهم، لم يستسلموا لليأس، ولم يطرحهم الإحباط أرضا، رغم ظروفهم الصعبة، كلمة السر فى قصة الثلاثة الإصرار والتحدى.

عبدالراضى ابن الصعيد الطيب الذى نحتفى به فى «المصور» هذا الأسبوع، نموذج للمصرى الأصيل، تحدى ظروفه المعيشية الصعبة واستطاع أن يتفوق فى الثانوية العامة ويصبح من الأوائل.

لو فشل عبدالراضى أو حصل على مجموع ضعيف أمامه مائة حجة وحجة، ولن يلومه أحد وستكون شماعة الظروف جاهزة «أصل ظروفى صعبة»، ولكن عبدالراضى ليس من هذه النوعية، اختار من البداية طريق النجاح.

«عبدالراضى» من أسرة معدمة تعيش اليوم بيومه، إذا حازت قوت يومها باتت راضية تسبح بحمد ربها، والده فلاح بسيط «أجرى» يعمل باليومية، أصيب بمرض الفشل الكلوى منذ عامين، ما جعل عبدالراضى يضطر للعمل للإنفاق على نفسه وأسرته، وفى نفس الوقت استكمل دراسته، واضطر أن يقسم السنة النهائية من الثانوية العامة على سنتين، وحصل فى العام الماضى على الدرجات النهائية فى جميع المواد عدا مادة الفرنساوى فقد فيها درجة واحدة، وأدى الامتحان هذا العام فى باقى المواد، وكالعادة حصل فيها على الدرجات النهائية ليصبح مجموعه الكلى فى الثانوية هذا العام ٤٠٩ درجات بما يعادل ٩٩.٧٦٪.

عبدالراضى لم يحصل على درس خصوصى طيلة مراحل دراسته المختلفة، لم يشتر كتابا خارجيا، كان يذاكر من الكتاب المدرسى، اضطر لتأجيل مواد قبل الامتحانات لأنه كان يصطحب والده المريض فى جلسات الغسيل الكلوى فى نفس مواعيد امتحان بعض المواد، ورفض إلحاح والده أن يتركه ويذهب ليؤدى امتحاناته.

سبحان الله.. عبدالراضى لأنه أرضى والده ولم يفكر فى نفسه أرضاه الله وحقق حلمه فى الالتحاق بكلية الطب، وحصل على منحة من جامعة القاهرة ليدرس فى قصر العينى العريق بالمجان ودون أن يتحمل مليما.

وبين عبدالراضى ومريم قاسم مشترك، الحياة بالأمل، مريم إحدى أوائل الثانوية العامة التى جلست بجوار الرئيس فى مؤتمر الشباب الأخير بالإسكندرية تحمل رسالة لا تقل عن رسالة عبدالراضى «كافح وتحدى الظروف وتأكد أن الله لن يخذلك، ليس مهما أن تكون فقيرا أو ظروفك صعبة، فقط تسلح بالإصرار على تحقيق حلمك».

مريم لم تستكن ولم يعقها ماذا يعمل والدها، كان هدفها ليس النجاح فى حد ذاته ولكن أن ترضى والديها وتدخل السعادة والسرور على قلبيهما.. أى نبل وأى أخلاق تلك؟

مريم أميرة فرعونية من نسل من تحدوا الصعب وحفروا فى الصخر، وأبهروا العالم بحضارتهم.

مريم تحمل فى داخلها تحديا وقوة تفوق قوة أعظم الرجال، نموذج يدرس للتحدى وقوة الإرادة، رسالة للمحبطين والكسالى والفاشلين.

ويأتى ياسين ليتوج ثالوث الأمل والتحدى والإصرار، وليؤكد أن المستحيل كلمة من صنع الفاشلين، شماعة لأهل العجز واليأس، قصة الشاب ياسين تحمل كثيرا من الأمل والإرادة، بعدما تعرض لحادث فى شرم الشيخ وهو ابن الثانية عشرة، وبعد إفاقته بأسبوع اكتشف أنه فقد ساقه اليسرى، وبعد عدة أشهر قام بتركيب الساق الصناعية بعد رحلة علاج بالخارج.

حَلم ياسين أن يقود دراجة، وقرر أن يحقق الحلم، وتحدى نفسه وحقق حلمه، ومنذ ذلك الوقت، اعتبر ركوب الدراجات رياضة لن يتخلى عنها، وقاد الدراجة من القاهرة إلى العين السخنة فى مدة ليست بالقصيرة، حوالى ٧ ساعات، ولكنه وصل فى النهاية، وعندما سُئل عن الحلم الذى لا يستطيع تحقيقه، أجاب والابتسامة تملأ وجهه: «مافيش حاجة مش هاقدر أحققها، واللى نفسى فيه إن شاء الله هاعمله».

ياسين قصة كبيرة وحدوتة يجب أن تروى ويستوعبها كل مصرى، توجت القصة بقبلة طبعها الرئيس على جبين ياسين فى مؤتمر الشباب بالإسكندرية، قبلة تحمل معنى التقدير لصناع الأمل والحياة.

رسالة ياسين لم تكن فقط تعلمه رياضة الدراجات بعد أن فقد ساقه، ولكن الرسالة الأعظم أنه طاف على دراجته محافظات دلتا مصر واستمع إلى شكاوى وآمال وطموحات الشباب، ونقلها فى فيلم تسجيلى إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مؤتمر الشباب.

المجد لـ«عبدالراضى ومريم وياسين» المجد لصناع الأمل من كسروا شماعة الظروف، من تحدوا المستحيل وقهروا الصعاب، والخزى والعار للمحبطين القابعين خلف أبواب الخوف وجدران اليأس.