أكد مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، الذي يتخذ من واشنطن مقرا له، ضرورة تحقيق التعاون الاقتصادي والأمني عبر الأطلسي بهدف مواجهة التحديات الجيوسياسية والتجارية طويلة الأجل خاصة مع زيادة مخاوف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على الأمن القومي السياسي والاقتصادي والتجاري بعد الحرب الروسية الأوكرانية حيث أصبحت كل من بروكسل وواشنطن أكثر جدية بشأن ضرورة الاستفادة من سياسة التجارة والاستثمار وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص وحماية مصالح الأمن القومي.
وأكد المركز في دراسة له بهذا الشأن، أن العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا أجبرت كل من روسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على الانفصال السريع، وأدى ذلك إلى ظهور العديد من التحديات التجارية على صعيد الاقتصاد العالمي والمتمثلة في أزمة الطاقة المستمرة في الاتحاد الأوروبي وارتفاع أسعار الأسمدة، تفاقم الأزمة الغذائية العالمية.
وأشارت الدراسة إلى كلمة رئيس الوزراء الهولندي مارك روته في يونيو 2022، التي ناشد فيها بتطوير سياسة الاتحاد الأوروبي، الخاصة مع الصين والوصول إلى مقاربات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين في مجال العلاقات التجارية والاستثمارية، مؤكدا أن "الاتحاد الأوروبي يتعين عليه أن يكون أكثر قوة جيوسياسيا" عبر توطيد التعاون الاقتصادي الأوروبي الأمريكي المشترك.
وكشفت الدراسة أنه بعد أكثر من عام من النقاش، توصل الكونجرس الأمريكي إلى تشريع لتمويل أشباه الموصلات، المعروف باسم "حزمة المنافسة الصينية"، ومرر مجلسا الشيوخ والنواب الأمريكي مشروع قانون "الرقائق والعلوم" في أواخر يوليو الماضي وحصل على دعم من الحزبين الديمقراطي والجمهوري ووقع عليه الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن قبل أيام.
وتضمنت قواعد الحماية المقترحة للقانون، حظر استثمار الشركات الأمريكية في تصنيع أشباه الموصلات في الصين لمدة 10 سنوات بعد تلقي تمويل من حكومة الولايات المتحدة.
وقالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، كارين جان بيير، إن الهدف من التمويل هو "تشجيع المزيد من الاستثمار في أشباه الموصلات في الولايات المتحدة وليس في الصين".
وأشارت الدراسة إلى وجود جدل سياسي آخر حول الاستثمار الخارجي في قطاع أشباه الموصلات حيث يخشى المعارضون لهذا النوع من الاستثمار من أن تمويل رأس المال الاستثماري من وادي السيليكون (المنطقة الجنوبية من منطقة خليج سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا وتضم جميع شركات التكنولوجيا الفائقة في أمريكا) قد يساعد في تمويل التطور التكنولوجي المتنامي في الصين من خلال تطبيقات ذات استخدام مزدوج مما يهدد مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية.
وكانت المفوضية الأوروبية قد وافقت أيضا رسميًا على قانون رقائق الاتحاد الأوروبي في فبراير 2022 والذي يهدف إلى دعم الابتكار في صناعة أشباه الموصلات الأوروبية التي شهدت تراجعا حادا في الحصة العالمية خلال العقود الأخيرة.
واقترح الاتحاد الأوروبي مضاعفة إنتاج أشباه الموصلات الأوروبية بمقدار أربعة أضعاف ودعم مرونة سلسلة التوريد وتعزيز الريادة الأوروبية في التقنيات المتطورة دون فرض نفس المستوى من قيود الحماية مثل الولايات المتحدة، بل ركز على أهداف دعم الاستثمار المحلي في الاتحاد الأوروبي دون ذكر المنافسة الجيوستراتيجية مع الخصوم صراحة، بحسب ما نقلت دراسة معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية.
وبحسب الدراسة لا تزال بروكسل تخشى الأضرار المحتملة من الإجراءات الأمريكية المناهضة للصين سواء من خلال محاولات منع بيع معدات الطباعة الحجرية الهولندية إلى الصين أو احتمالات تنفيذ آلية مراجعة الاستثمار الخارجي في المستقبل.
واقترحت المفوضية الأوروبية في ديسمبر 2021 مجموعة شاملة من أدوات التجارة مدمجة في أداة واحدة تهدف إلى ردع التنمر الاقتصادي، ولم تشر المفوضية الأوروبية إلى خطط لوضع آلية استثمار خارجية مكافئة عبر الأطلسي لكنها أعلنت عن مراجعة لآلية فحص الاستثمار الأجنبي المباشر في عام 2023.
ونوهت الدراسة إلى أن الولايات المتحدة تسيطر على الاستثمار الداخلي بواسطة لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة (CFIUS) وتقودها وزارة الخزانة وتعمل بموجب سلطة قانون الإنتاج الدفاعي لعام 1950، مشيرة إلى أنها ليست في حاجة إلى سياسة جديدة حيث تقوم اللجنة بفحص الاستثمار الداخلي في الولايات المتحدة وإذا قررت أن هناك خطر على الأمن القومي من أي استثمار أجنبي فإنها تمتلك سلطة إحالة القرار إلى الرئيس الذي قد يوقف الصفقة بعد ذلك، وفي عام 2018، جرى منح قانون مراجعة مخاطر الاستثمار الأجنبي سلطة إضافية على الاستثمارات الأجنبية.
وأشارت الدراسة إلى تفعيل أول لائحة فحص للاستثمار الأجنبي المباشر في الاتحاد الأوروبي إلى المفوضية الأوروبية في أبريل 2019، بالإضافة إلى مراجعة الاستثمار الداخلي وإنشاء "آلية تعاون" لحماية مصالح الاتحاد الأوروبي مما يعزز قدرات الفحص في الاتحاد الأوروبي وتنظيم الهيكل التشغيلي وعمليات الإخطار للاستثمارات الأجنبية بعد سلسلة من الشكاوى المتعلقة بعمليات الاستحواذ الصينية في الاتحاد الأوروبي (المسماة باستحواذ عدائي)، مثل الاستحواذ الصيني على شركة الروبوتات الألمانية "كوكا".
وكشف تقرير صادر عن المفوضية الأوروبية أن ظروف السوق في الصين مشوهة للغاية بسبب الإعانات الحكومية، وأشار آخر إلى أن استحواذ الكيانات الصينية على شركات الاتحاد الأوروبي قد يكون لأغراض استراتيجية وليست تجارية.
ونبهت الدراسة إلى أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا كانت إيذانا ببدء حقبة من التعاون غير المسبوق بشأن ضوابط التصدير، لاسيما بين الحلفاء عبر المحيط الأطلسي حيث تطبق الولايات المتحدة سياسة قوية لمراقبة الصادرات لفترة أطول من الاتحاد الأوروبي من خلال قانون مراقبة الصادرات الأمريكي الصادر في عام 1940 والذي يسمح للرئيس بتقييد تصدير المواد الحربية.
كما منح قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية (IPEEPA)، الذي تم إقراره في عام 1977 وخضع للتعديل عدة مرات في السنوات التالية، للرئيس الأمريكي سلطة شاملة لتبني الأدوات التجارية والاقتصادية اللازمة التي تهدف إلى تقييد اقتصادات الأجانب وإضعاف قدرتهم على تطوير تكنولوجيا الجيل الحديث في التطبيقات العسكرية.
وقالت الدراسة إن ضوابط التصدير والرقابة التنظيمية على تدفقات الاستثمار في الاتحاد الأوروبي كانت دائما من اختصاص الدول الأعضاء، ولكن في عام 2009 وضع الاتحاد الأوروبي قيودا مشتركة على الصادرات ذات الاستخدام المزدوج وتم توسيع سلطة المفوضية الأوروبية على ضوابط التصدير بشكل كبير في عام 2021 من خلال تفعيل لائحة الاستخدام المزدوج للاتحاد الأوروبي؛ ما عزز سلطة الاتحاد الأوروبي على ضوابط التصدير وجعلت برنامج الترخيص أكثر شفافية.
وسلطت الدراسة الضوء على تفعيل مجموعة من الأدوات المحلية لمكافحة الممارسات التجارية غير العادلة وحماية التطور التكنولوجي في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حيث أحرز الطرفان تقدما كبيرا في تقارب السياسات داخل مجلس التجارة والتكنولوجيا (TTC) وهو إطار دبلوماسي ثنائي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتوثيق التعاون عبر الأطلسي بشأن التجارة والقضايا المتعلقة بالتكنولوجيا من تبادل المعلومات حول أفضل الممارسات وتقييمات المخاطر، بالإضافة إلى مواءمة التطورات التنظيمية والتشريعية بشأن ضوابط التصدير وتوثيق التعاون عبر الأطلسي.