الإثنين 6 مايو 2024

"ذا ديبلومات": أفغانستان لن تحظى بحكومة تمثل أطياف المجتمع تحت حكم طالبان

أفغانستان

عرب وعالم17-8-2022 | 13:42

رأت مجلة "ذا ديبلومات" الأمريكية، المتخصصة في الشئون الآسيوية، استحالة تشكيل حكومة شاملة تمثل كافة أطياف الشعب في أفغانستان تحت حكم حركة طالبان التي لم تتغير أركانها منذ تسعينيات القرن الماضي بحسب وصف المجلة.

وأشارت المجلة ، في تقرير لها،إلى أن طالبان مع بدء عامها الثاني في السلطة تسببت في تراجع حاد في الحريات المدنية وحقوق الإنسان بشكل منهجي، وخاصة حقوق المرأة. كما أعاقت الحركة كل جهود إنشاء حكومة شاملة تمثل أطياف المجتمع ونظام سياسي يضمن المساواة في الحقوق للجميع، وخاصة للنساء .

وأوضحت أن كل هذه الأنماط تشير إلى قضية أعمق وأكثر جوهرية، وهي أن النظام السياسي الذي تُفضله طالبان - والذي ترسخ منذ أغسطس 2021 - غير قادر على استيعاب بعض السمات بالغة الأهمية مثل حقوق الإنسان العالمية، والمساواة والعدالة بين الجنسين، والنظام السياسي الشامل والتمثيلي، والامتثال للقانون الدولي، لافتة إلى أن الأمر لا يقتصر على عدم توافق النظام السياسي لطالبان مع المجتمع الدولي، بل تعارض مبادئ حكم طالبان مع السمات الدولية الأساسية.

وبحسب "ذا ديبلومات" فإن هذا التعارض يثير شكوك حول الحكمة وراء الاستمرار في التفاوض مع طالبان وتوقع أي تقدم ذي مغزى من جانبها، في الوقت الذي لم يحدث فيه أي تغيير في الظروف التي من شأنها المساعدة في توقع أي نتيجة مغايرة لما يحدث حتى الآن.

ولفتت المجلة إلى أنه في حالة أفغانستان سيعتمد أي تحسن للوضع الحالي بشكل كبير على كيفية تنظيم وتنسيق السلطة والتصديق عليها، وأين يكمن مصدرها، بمعنى تأسيس النظام السياسي، ومرونة النظام الإداري للسلطة.

وأوضحت المجلة أنه من المعروف استمرار طالبان في تبني الأيدولوجية ذاتها منذ تسعينيات القرن الماضي، لكن ما تغير حاليا هو تمتعها بسلطة هائلة تمكنت من خلالها من فرض رؤيتها الخاصة للعالم على جميع أفراد الشعب الأفغاني، وخاصة النساء ومجتمعات الأقليات.

وساقت المجلة بعض الأمثلة والأدلة على تقييد طالبان لحقوق المرأة، لعل أبرزها إغلاق وزارة شؤون المرأة واستبدالها بوزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالإضافة إلى إصدار أكثر من 30 قرارا خلال عام واحد تفرض قيودا على السيدات، بجانب ما وثقته الأمم المتحدة من التأثير السلبي لنظام طالبان على حياة النساء وعامة الناس، نتيجة العقاب الجماعي، والاحتجاز التعسفي، والتعذيب، والحرمان من الحصول على المساعدة القانونية، وتعليق الإجراءات القانونية، والإعدام خارج نطاق القضاء بإجراءات موجزة، والزواج القسري من أعضاء طالبان، والاستيلاء على الأراضي (خاصة من الأقليات العرقية والدينية)، وغيرها من الممارسات المخالفة التي أصبحت واقعا يوميا لشعب أفغانستان.

وشددت المجلة على أن سياسات وإجراءات طالبان ليست فقط انتهاكا لحقوق الإنسان، بل تحرم الشعب الأفغاني من استقلاليته الفردية، ما يؤدي عمدا إلى تحول التمييز إلى السياسة والمبدأ التنظيمي للحكم، منوهة بأن حكم طالبان لم يشهد أي تحسن في أي من هذه القضايا على الرغم من مرور عام كامل انخرطت فيه عدة دول في محادثات مع طالبان، بل على النقيض استمر الوضع في التدهور بشدة.

وأشارت المجلة إلى أنه رغم العقوبات الدولية المفروضة ضد قيادات طالبان، إلا أنها لم تحفز الحركة بأي شكل من الأشكال لتغيير سلوكها، بل ولم تهتم طالبان حتى بالوفاء بالتزاماتها الواردة في اتفاق الولايات المتحدة وطالبان في فبراير 2020، ويعتبر أخر دليل على ذلك هو إقامة زعيم القاعدة أيمن الظواهري في وسط مدينة كابول.

وأشارت "ذا ديبلومات" إلى أن تفسير طالبان لمصطلحات مثل "الشمولية" و"حقوق المرأة" يختلف تماما عن تفسير قطاعات كبيرة من الشعب الأفغاني خاصة النساء وكذلك المجتمع الدولي، وبالتالي عندما يزعمون احترام الشمولية والتمثيل المجتمعي وحقوق المرأة في خطاباتهم، فإن هذا لا يتعارض مع وجهات نظرهم في حد ذاتها؛ نظرا لأن تعريفاتهم لهذه المصطلحات تختلف اختلافًا كبيرا عن تعريفات الآخرين، وبالتالي فإن عدم تطابق التوقعات مع وعود الحركة يتأصل جزئياً في الدلالات الفعلية لخطاباتهم.

ورأت المجلة أن الهدف الرئيسي لحركة طالبان هو تأسيس نظام سياسي واجتماعي تتركز فيه السلطة بأيدي الحركة، بحيث يمكنها من خلاله فرض وجهات نظرها على الآخرين دون ضوابط، وتتمثل الوسائل الوحيدة لتحقيق هذه الغاية في التمييز والإقصاء والعنف، سواء كان ذلك في أفغانستان التي تديرها طالبان أو في أي مكان آخر في العالم.

وأضافت أن حركة طالبان لا تسعى أو ترغب في المشاركة في السلطة أو حتى في إجراءات كسب السلطة، كما أنها لا تسعى فقط لامتلاك كل السلطة، بل تريد أن تصبح مصدر السلطة، ويتم من خلالها استنباط السلطة وتفويضها.

وترى "ذا ديبلومات" أنه لا يمكن تحقيق أي تقدم تقريبا من خلال محاولة التفاوض مع الحركة في ظل هذه الظروف؛ لأن ما يتوقعه المجتمع الدولي منها مثل المساواة بين الجنسين وتطبيق نظام سياسي شامل وتمثيلي لكل أطياف المجتمع، هو ما من شأنه منعها من إحكام قبضتها على السلطة، بالإضافة إلى ذلك فإنه حتى لو حدثت المعجزة ووافقت طالبان بطريقة ما على دمج هذه المبادئ في نظامها السياسي، فإن طبيعة النظام السياسي للحركة ستجعل مصير هذه المبادئ عرضة للإبادة على الدوام.

وحول ما تحتاجه أفغانستان في الوقت الحالي لتحقيق التغيير الفعلي، أشارت المجلة إلى أن تحويل المبادئ الحقوقية والمساواة والحكم التمثيلي الشامل من مجرد طموح إلى واقع ملموس يتطلب خصائص هيكلية في النظام السياسي للبلاد لتصبح مواتية لمثل هذا التحول.

وأوضحت أن أفغانستان على سبيل المثال تحتاج إلى تدابير خاصة للحوكمة وتقاسم السلطة بما يمنع تركيز السلطة بين يديها ووضع السلطة بيد الشعب، ليصبح المواطن هو مصدر السلطة. كذلك ينبغي أن يتواجد إطار واضح لنظام المساءلة وكيفية منح وسحب السلطة، مشيرة إلى أن مثل هذا التحول لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عملية سياسية شاملة وواسعة النطاق، لكن بالنظر إلى أسلوب طالبان في الاستيلاء على السلطة وعدم حصولها على تفويض شعبي، وعدم سعيها للحصول عليه، وكذلك رفضها للانتخابات، فإن آفاق نجاح هذه العملية ضعيفة للغاية في ظل الظروف السائدة، على حد وصف "ذا ديبلومات".

وذكرت المجلة أن البديل الآخر أمام طالبان هو تشكيل حكومة انتقالية محدودة الأجل، وإجراء عملية استشارية واسعة النطاق لتطوير دستور يعزز السمات الهيكلية للنظام السياسي بما يصب في الصالح العام للمواطنين، على أن يلي الفترة الانتقالية انتخابات حرة ونزيهة، وفي هذا السيناريو ستكون الأمم المتحدة هي الكيان الوحيد القادر على دعم مثل هذه العملية، وفي النهاية يجب أن يكون أي إطار عمل مستقبلي في أفغانستان هو الإطار الذي يناقشه ويحدده كافة أفراد الشعب الأفغاني، وليس النخبة فقط.

Egypt Air