السبت 18 مايو 2024

بعد رحيله اليوم.. «دار الهلال» تنشر حوارها مع الأديب اليمني وليد دماج

وليد دماج

ثقافة19-8-2022 | 13:50

بيمن خليل

رحل عن عالمنا  صباح اليوم الجمعة، 19 أغسطس 2022 الكاتب والروائي اليمني وليد دماج إثر أزمة قلبية مفاجئة، ووافته المنية عن 49 عامًا، والذي يعد أحد أهم رموز الثقافة، اليمنية والعربية.

 

وليد دماج بكتابة القصيدة ومن ثم انتهج مسار كتابة الرواية حتى صار من أهم الروائيين العرب، وهو  شاعر وروائي وقاص يمني، نشأ وسط الروايات والكتب ما بين المؤلفات العربية والعالمية، فامتزجت به وأخذ من روحها الكثير، صار الأدب في دمه حتى نما معه وبلغ به في مشواره الأدبي الممتلئ بالإنجازات والنجاحات، وعلى أثر ذلك فهو ينتمي لأسرة ثقافية عريقة، أثرت فيه وأبرزهم من الشعراء والأدباء عمه أحمد دماج رئيس اتحاد كتّاب اليمن وزين دماج، وزيد مطيع دماج، والبردوني ومحمد عبد الولي والمقالح، وغيرهم من الأدباء والشعراء الذين كانوا لهم أثر كبير على حياته الأدبية.

 

وبسبب تأثير بيئته الثقافية عليه لم يحب شيئا سوى الفن والأدب برغم أنه درس المحاسبة في جامعة صنعاء، بدأ حياته الأدبية بكتابة الشعر، واتجه بعدها لكتابة القصة القصيرة، ولكنه رأى أن كتابة الرواية تتوق له بالأكثر، شغل منصب رئيس المكتب التنفيذي لصنعاء عام 2004، حصل على درع الشعراء الشباب في نفس العام، وفاز بجائزة دبي الثقافية في عام 2011  عن روايته "ظلال الجفر".

 

وتنشر دار الهلال حوارا له قد أجراه في عامه الأخير، بعنوان: «الأديب "وليد دماج" يكشف لـ"دار الهلال"  سمات الحركة الثقافية والحرب باليمن».. نعيد نشره للقراء، وإلى نص الحوار:

كيف تأثرت الحركة الثقافية باليمن بالحرب؟  

طبعًا أثرت الحرب تأثيرًا كارثيًّا على نمو الحركة الثقافية في اليمن، إذ تسببت الحرب في إفقار الكثير من الأدباء والمبدعين وتشريدهم، وتوقيف وإغلاق كافة دور النشر اليمنية، وصار النشر صعب داخل اليمن.

وقد أثرت الحرب تأثيرًا مباشرًا على الحراك الثقافي اليمني، من خلال سيطرة بعض الجماعات الأصولية المتشددة على أجزاء كبيرة من البلاد وعلى رأسها الجماعة الحوثية وفرض الكثير من القيود على الإبداع وتدمير المؤسسات الثقافية، وإغلاق أغلب الصحف والمجلات، بالإضافة إلى منع دخول الكتب والدوريات والمجلات الثقافية إلى اليمن، مما جعل المبدع اليمني غير قادر على مواكبة التطورات الثقافية في الوطن العربي.

لم الحركة الثقافية في اليمن قليلة الأضواء في المجتمع العربي؟

أعتقد بأن الحركة الثقافية في اليمن رغم عدم تسليط الضوء عليها، حركة نشطة، واليمن مترعة بالشعراء المجيدين في كل المناطق، وهناك الكثير من الشعراء المتميزين في الشعر بكل أنواع وأجناسه سواء الفصحى أو الشعر الحر، أو ما يسمى بالشعر النثري، بالإضافة إلى الشعراء الشعبيين أو شعراء العامية، وهي أجناس وأنواع كثيرة في اليمن، ولابد هنا أن نذكر التطور الملحوظ والمتميز في جنس الرواية، والذي أضحى ينافس الشعر، وظهرت الكثير من الأعمال الروائية اليمنية التي لفتت الأنظار على المستوى الإقليمي والعربي، وأنا أعتقد أن هناك ما يشبه الثورة الروائية، جعلت حتى الكثير من الشعراء يتجهون لتجريب الكتابة الروائية.

بدأت بالشعر وانتهجت مسار الرواية.. هل الرواية جعلتك تترك القصيدة؟ وما الشعور الذي دفعك لكتابة الرواية؟ 

تملكتني كتابة الشعر فترة طويلة كنت فيها شاعرًا ضمن شعراء، ولكني كنت أشعر بأن هنالك شيئًا ينقصني، وأنني لم أضع قدمي على المجال الذي يشبع قلمي ويقنع نفسي التواقة للاسترسال وسرد التفاصيل، وهنا لم تعد تقنعني الكتابة الشعرية، وما إن بدأت في تجريب الكتابة الروائية حتى استلبستني ووجدت أنها المجال الذي يمكن أن أبدع فيه وأتميز.

الرواية خلق عالم وحيوات وتكاد تحوي كل الأجناس الأدبية، وهي مجال التحدي الذي وجدت نفسي فيه، وعمومًا أنا لم أترك الشعر نهائيًّا وأحيانًا يأتيني هاجسة فأكتب بعض القصائد، ولكنني أكتبها لنفسي أو لتنشر في مواقع التواصل الإجتماعي، ولكني الحقيقة أقول بأنني شاعر ضعيف مقارنة بكوني روائي، وعليَّ فعلًا أن أترك كل شيء في سبيلها، فالرواية تستسلب كاتبها ولا تقبل في رأئي بشيء ينافسها أو يزاحمها، لذا تجد أن الكثير من الروائيين الذين بدأوا بكتابة الشعر تفرغوا بشكل كامل للرواية، وهجروا الشعر أو تركوه.

لماذا تتسم الكثير من كتاباتك بالرموز؟

الرمز بالنسبة للمبدع أحد أهم أدواته الكتابية، والكتابة الروائية أو الإبداعية يجب ألا تكون توصيفية مباشرة، وإلا لأصابها الجمود والجفاف، الرمز يخلق الحيوية في الكتابة الإبداعية، وينفخ فيها عنصر التشويق أحد أهم عناصر الكتابة الروائية.

فالرموز تتيح لنا أيضًا القدرة على التعرض للكثير من القضايا والمجالات التي يصعب الكتابة عليها بشكل مباشر، وقد تمنح الكاتب قدرة أكبر على إشراك القراء في العمل الروائي من خلال الإدراك والفهم المختلف والمتنوع لهم لتلك الرموز، الأمر الذي يجعل النص متجددًا وقابلًا للبقاء.

هل كنت تتوقع "ظلال الجفر" أن تفوز بجائزة دبي الثقافية رغم أنها تحمل بعض الاتجاهات الصوفية؟

كانت روايتي "ظلال الجفر" هي عملي الأول ولم أكن أتوقع أن أحصل على الجائزة من بين الكثير من الروائيين والمتمرسين، ولا شك أن لموضوعها وأسلوبها دور كبير، فقد ظلت الصوفية شغفي لفترة طويلة، وحاولت الخوض في عوالمها، وقرأت الكثير والكثير من إنتاجات وتجارب أقطابها وأعلامها حتى إني قرأت تقريبًا كل أعمال محيي الدين بن عربي، والحلاج، والسهروردي، وجلال الدين الرومي، وابن علوان والسودي وغيرهم...

 

هل تأثرت بالصوفية إلى درجة كبيرة؟

سكنتني الصوفية حتى حسبتها قيدًا لابد من أن أتحرر منه، فكان أن هربت منها في رواية "ظلال الجفر" ولا شك أن الصوفية تتغلغل في أعماق الأعماق وليس من السهل تجاز أعراضها، ولا شك أني قد تأثرت نوعًا ما في روايتي الثانية "هم" التي حاولت فيها الخوض في عالم الجنون.

حدثنا عن التجارب المختلفة في رواياتك؟

"رواية أبو صهيب العزي" أخوض فيها في عوالم تيارات فكرية ودينية أخرى ظهرت وانتشرت في اليمن خلال الآونة الأخيرة، كالسلفية الجهادية، والحوثية، والبهائية، والأحمدية، وغيرها.

أما رواية "وقش" فهي رواية تاريخية فكرية تخوض في فكر فرقة المطرفية المعتزلة وهي فرقة دينية ظهرت في المناطق الشمالية من اليمن خصوصًا المناطق المحيطية المحاذية والقريبة من صنعاء خلال القرن الثالث والرابع والخامس الهجري، وتم إبادتها والتشنيع عليها من قبل عبدالله ابن حمزة أحد الأئمة الزيديين، فقتل رجالهم وسبى نسائهم وأطفالهم وأحرق كتبهم ودمر هجرهم وقراهم ومساجدهم ولاحقهم في كل مكان حتى أفناهم، رغم أنهم لم يكونوا محاربين وكانوا مشايخ علم متقدمين على زمانهم، بسبب قولهم أن الأمانة والشرف ينالا بالعمل لا بالنسب، وغيرها من الأفكار...

أكثر أعمالك الروائية قربًا إليك؟

لا شك أن الروايات كالأولاد من الصعب تمييز عمل عن آخر، فكل عمل بذلت فيه الجهد الكبير وقضيت في التقصي عنه وكتابته ومراجعته بالشهور والسنوات، لذا أعتز بها جميعًا، وإن كان لها لروايتي ظلال الجفر باعتبارها روايتي الأولى وخلاصة سنوات من الاستغراق الصوفي وروايتي الأخيرة "وقش" لطبيعة الرواية وحبكتها ولما بذلته فيها من جهد مضن وبحث دؤوب لسنوات كثيرة ولعدالة قضيتها اعتزازًا خاصًّا.

هل للثقافة في اليمن حيِّز كبير في مواكبة العادات والتقاليد؟

 لا شك أن جزءًا هامًّا من ثقافة أي أمة هي عاداتها وتقاليدها، مهما كان موقفنا من تلك العادات والتقاليد، ولا شك أن من صميم اهتمامات أي مبدع ومثقف التعرف على عادات وتقاليد بلده، واستلهامها في أعماله الأدبية، واليمن بما تمثله من حضارة قديمة ومجتمع عريق وتاريخ مدهش متنوع، تراكمت لديه الكثير من العادات والتقاليد الراسخة، والتي لا زال الكثير منها مؤثِّرًا عليه إلى الآن، تعد نبعًا دفّاقًا يمكن أن ينهل منه ليس المبدعين اليمينيين فحسب بل والمبدعين العرب والأجانب، وأنا أرى أن هناك الكثير من تلك العادات والتقاليد التي تجاوزها الزمن يجب محاربتها ووأدها وتعريتها وكشف أضرارها عبر الأعمال الإبداعية خصوصًا السردية الروائية منها.