الأحد 2 يونيو 2024

عن سينما الثورة .. النقاد يؤكدون:ثورة يوليو وقفت مع السينما جنبا إلى جنب

28-7-2017 | 13:56

تحقيق: عمرو محيى الدين

استطاعت ثورة يوليو 52 أن تساهم فى إثراء الحركة السينمائية وتعليم الفنون بشكل أكاديمى صحيح، فكان لقياداتها دور فى تأسيس أكاديمية الفنون بجميع معاهدها ولا سيما معهد السينما الذى أفرز كوادر فى التصوير والسيناريو والإخراج.. وكذلك أنشئت فى عهدها مؤسسة السينما التى خرجت بأفلام عظيمة سجلت فى تاريخ مصر، كما كان لقيادات الثورة دور فى بزوغ أفلام سينمائية جادة إلى النور، وكذلك أفلام كوميدية تعزز لروح الانتماء للجيش مثل أفلام الكوميديان الراحل إسماعيل ياسين.. كما عرفت حقبة الستينيات بأنها فترة العصر الذهبي للسينما المصرية ولكل الفنون بشكل عام .. وكان الزعيم الراحل جمال عبدالناصر حريصا على نقل أشياء كثيرة كتجربة الاتحاد السوفيتى إلى مصر فى كل المجالات ولا سيما الفنون... وبمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو الـ 56 سألنا النقاد والأكاديميين والفنانين عن دور ثورة يوليو فى تنشيط الحركة السينمائية...

يقول الناقد طارق الشناوي بعدما اندلعت ثورة يوليو بأسبوعين فقط، أصدر اللواء أركان حرب محمد نجيب بيانا وقتها بعنوان " الفن الذى نريده" وحرص البيان على تأكيد القيام بأعمال فنية جادة، واجتمع رجال الثورة مع سينمائيين شباب مثل يوسف شاهين وصلاح أبو سيف، وحسن رمزي وهو الرئيس الأول لغرفة صناعة السينما، وقد اعترض رمزي على أن تتجه كل الاعمال السينمائية إلى الجدية وأكد حرصه على ضرورة وجود جانب ترفيهي، وبالفعل لم يبعد الجانب الترفيهي عن الساحة السينمائية والفنية.

أول مونولوج

وظهر ذلك فى مونولوج للكوميديان الراحل إسماعيل ياسين بعنوان " 20 مليون وزيادة" وذكر فيه اسم " محمد نجيب" حيث يقول المونولوج فى كلماته" الجيش ونجيب عملوا ترتيب"، وترتيب يقصد بها الثورة، حيث إن ثورة يوليو لم توصف بالثورة إلا بعد اندلاعها بفترة، وقيل إن طه حسين هو من أطلق تعبير ثورة يوليو، وبالطبع كانت الدولة مهتمة بالسينما وقتها، فكان هناك تأييد للدولة الجديدة، وكان أشهر مخرج وضابط وقتها قريب من القيادة السياسية المخرج عزالدين ذوالفقار الذى أخرج فيلم "بورسعيد" بعد شهور من العدوان الثلاثى على مصر، وكان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قد استدعى الفنان الكبير فريد شوقى لشعبيته الكبيرة بعد أن اشترك فى أفلام " الأسطى حسن" وغيرها .. وبالفعل أنتج فريد شوقى الفيلم مع زوجته الفنانة الراحلة هدى سلطان، وشارك فريد فى بطولته وحقق نجاحا كبيرا وقتها.

ويضيف الشناوي: كما رسخت الثورة لشكل سينمائي جديد من روايات لمبادىء الثورة مثل "رد قلبي" ليوسف السباعي، وهو الفيلم الذى كلما تراه تتذكر ثورة يوليو، وأذكر أنه فى عام 1953، أنتج فيلم بعنوان " الله معنا" من تأليف إحسان عبدالقدوس وإخراج محمد بدرخان، وكان هناك شخصية فى الفيلم ترمز لمحمد نجيب أو توحي به وأداها الراحل زكي طليمات.

مؤسسة السينما

ويتابع: وكانت الدولة المصرية ترمي إلى بناء جيش قوي، فخرجت سلسلة أفلام اسماعيل ياسين الخالدة حتى وقتنا هذا لتحبب الجمهور فى الالتحاق بالجيش، ثم دخلت الدولة إلى الإنتاج بقوة عن طريق مؤسسة السينما وأصبحت فى يد الدولة مقاليد الإنتاج، ومن مؤسسة السينما إلى أكاديمية الفنون التى هى تحت مظلتها كل المعاهد ومنها معهد السينما الذي أسس عام 1959، ويذكر التاريخ أنه عندما قام المؤلف والمخرج سعدالدين وهبة بعمل استفتاء على أفضل الأفلام السينمائية كان 50% منها انتاج الدولة.

ويضيف الشناوي.. تجد أفلام الخمسينيات ترسخ لمبادىء العدالة الاجتماعية للثورة مثل فيلم " شارع الحب" تجد مشهدا بين ابن الطبقة الفقيرة الذى جسد دوره عبدالحليم حافظ وبنت الطبقة الثرية التى جسدت دورها الفنانة الراحلة صباح عندما قالت له " اطلع لي" فرد عليها " انزلي انتي" .. ومن هنا يأتى ترسيخ مبدأ أننا كلنا أولاد ثورة يوليو 52 ولسنا ضد الطبقة الثرية ولكن عليهم أن يستجيبوا لمطالبنا، ويبقوا بجوارنا بشروطنا.

ضابط الجيش

ومن جانبه يقول الناقد كمال رمزي: مهدت ثورة يوليو إلى دخول موضوعات وأفكار جديدة إلى السينما المصرية، وخاصة فيما يتعلق بالعلاقات بين الاقطاعيين والفلاحين فكانت العبارات التى تخرج فى الأفلام مكتوبة بحساسية شديدة جدا قبل الثورة الأمر الذى اختلف بعد ذلك، كما ظهرت صورة ضابط الجيش بوضوح شديد والتى جسدها فنانون مثل " كمال الشناوي" و" عماد حمدي" و " شكري سرحان" وكذلك "عمرالشريف، والسينما تأثرت بمعظم الأحداث التاريخية الكبرى التى شهدها الوطن، وثورة يوليو كانت سببًا فى ظهور وتجسيد شخصية الضابط الحربى لأول مرة من خلال الشاشة، وأذكر أنه بعد حرب فلسطين عام 48، وتحديدًا فى فيلمين من إنتاج عزيزة أمير هما "فتاة من فلسطين" و"نادية" ظهر ضابط الجيش، ولكن بعد ثورة 52 ازداد حضور شخصية الضابط فى السينما وستجدها فى فيلم "الله معنا" و"رد قلبى" و"نهر الحب".

ويضيف : بدأت أفلام كثيرة أيضا تتطرق إلى الإقطاع، ورغم أن الميلودراما لم تختلف كثيرا إلا أن روح الأفلام السينمائية تجددت، ولجأ الكوميديانات إلى تحبيب الجمهور فى الجيش فشارك اسماعيل ياسين بسلسلة أفلامه الشهيرة، ولا ننكر فضل مؤسسة السينما فى إنتاج عدد من الأفلام التى باتت جزءا مهما من تاريخ السينما المصرية، على رأسها" أريد حلا" و " القاهرة 30" و " البوسطجي" و " شىء من الخوف"، كما أن المسئولين طلبوا من المخرج يوسف شاهين عمل فيلم " الأرض".

ويضيف رمزي.. أن معهد السينما الذى تم تأسيسه عام 1959 مهد لخروج عمالقة فى الفن مثل حسين كمال وخيري بشارة وغيرهما.

تأسيس أكاديمية الفنون

ومن جانبه يقول رئيس قسم السيناريو بمعهد السينما الدكتور أشرف محمد إنه فى فترة من الفترات التى أعقبت ثورة يوليو 1952 ظهر رجل عظيم تولى وزارة الثقافة وكان مؤرخا وضابطا فى الجيش وله إسهامات ثقافية عديدة، وهو الراحل ثروت عكاشة الذى أسس أكاديمية الفنون فى عهد ثورة يوليو بجميع معاهدها سواء الباليه أو المسرح أو السينما، فكان هدفه تعلم الفن بشكل أكاديمى وألا يعتمد على الفطرة فقط كما كان ذلك معتادا، واستطاع معهد السينما أن يفرز كوادر فنية فى جميع المجالات سواء التصوير أو الإخراج أو السيناريو أو التمثيل، وتخرج فيه المخرجون أشرف فهمي وعلى عبدالخالق وكذلك عدد كبير من المصورين الذين أحدثوا نقلة فى الصورة السينمائية برؤى مختلفة واقعية، وكانت الدولة تدعم خطوات ثروت عكاشة وتثنى عليها حيث كان له الفضل فى تأسيس الثقافة الجماهيرية وقصور الثقافة كذلك، وكانت قيادات ثورة يوليو مدركة لأهمية الفن المؤرخ لها.

العصر الذهبي

أما الفنان القدير أحمد عبدالوارث فقد رأى أن عصر الستينيات هو العصر الحقيقى لازدهار السينما والثقافة المصرية، حيث عرف بالعصر الذهبي لكل الفنون، وكان امتدادا للعصر التنويري الذى خلف فطاحل فى الثقافة والفن والأدب أمثال جمال الدين الأفغاني وطه حسين وأحمد لطفي السيد وغيرهم، أما الحركة السينمائية والفنية خلال ثورة يوليو فكانت امتدادا لهذا العصر التنويري، وفتحت الثورة مجالا لأن تنتج الدولة أفلاما قوية فخرجت أعمال سينمائية فى قوة "رد قلبى" و"بداية ونهاية" و"الأرض"، مع العلم أنه عندما تدخل الدولة فى الإنتاج فإنها تفرز أعمالا قوية لها قيمة ورسالة، كما أن حرص الدولة على الفنون جعلها تتجه إلى تعليم الفنون بشكل أكاديمي فخرجت أكاديمية كبيرة مثل أكاديمية الفنون بجميع معاهدها.