الإثنين 27 مايو 2024

«المصور» تصطحبه فى رحلة تحقيق الحلم عبدالراضى من «نجع الجزيرة» إلى طب قصر العينى

28-7-2017 | 14:14

معايشة: أشرف التعلبى

عدسة: سامح كامل

 

من نجع الجزيرة فى أسيوط وفى بيت متواضع تعيش فيه أسرة فقيرة بدأ حلم عبدالراضى علام الشاب النابغة المتفوق، تحدى ظروفه وحقق المستحيل، تفوق فى الثانوية العامة بمجموع ٩٩.٧٦٪ رغم أنه كان يعمل ويدرس فى نفس الوقت أثناء دراسته فى طب قصر العينى وأيضا التكفل بنفقات علاج والده.

«المصور» شاركت عبدالراضى لحظة بلحظة زيارته الأولى للقاهرة وخطوات تحقيق حلمه على أبواب طب قصر العينى حلمه الالتحاق بكلية الطب، ولكن «العين بصيرة والأيد قصيرة»، «ظروفى صعبة ومش هقدر على مصاريف الطب” هذا ما ردده عبدالراضى عندما سئل عن الكلية التى سيلتحق بها.

سمع الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة قصة عبدالراضى وبادر بالاتصال به وحقق الرجل الفاضل حلم الشاب النابغة وأعلن حصوله على منحة لدراسة الطب فى قلعته «قصر العينى».

“المصور” تلقفت إعلان نصار واصطحبت عبدالراضى فى رحلته من نجع الجزيرة إلى جامعة القاهرة فى رحلة تحقيق الحلم. نصار استقبل عبدالراضى فى حضور المصور وعدد من أساتذة جامعة القاهرة.

فرحة عبدالراضى قابلتها فرحة من رموز الجامعة الذين رحبوا بالشاب المكافح وقرر نصار منحه مرتبا شهريا وسكنا خاصا أثناء دراسته فى طب «قصر العينى» وأيضاً التكفل بنفقات علاج والده.

بداية تفوق «عبد الراضى» كان فى «نجع الجزيرة»، النجع الفقير الذى لا يعرفه أحد، قبل تردد اسم الطالب «عبدالراضي» فى وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، بسبب تفوقه، والمطالبة بتكريمه أسوة ببنت القاهرة «مريم».

«عبدالراضي» كان مشواره فى التعليم صعب جدًا، ولم يكن الطريق ممهدا أبدًا، أب أثقله المرض، وأسرة أكلها الزمن نتيجة الفقر، لكن «عبدالراضي» تحدى كل ذلك وكان يسير يوميًا ذهابًا وإيابًا من بيته فى «نجع الجزيرة» إلى مدرسته بقرية «العتمانية»، التى تبعد عن قريته عدة كيلو مترات لكنه كان يستغل هذا المشوار فى المذاكرة، لأنه عند عودته إلى منزله الفقير، لن يجد فرشته فى انتظاره، أو «الغداء» جاهزا على السفرة، بل سيجد عملا آخر وهو مساعدة والده فى زراعة بعض القراريط البسيطة، التى تقتات عليها الأسرة.

هذا المشوار اليومى ومرض والده الدائم، وظروفه الصعبة، لم يحرموه، من أن يحلم بالالتحاق بكلية الطب فى القاهرة.. وأثناء كتابة رغبات التنسيق تردد فى كتابة كلية الطب، لأن ظروف أسرته المادية لا تسمح بذلك، لكنه كتب الرغبة، وتمنى هو وأسرته أن تمتد له يد العون، وهو ما تحقق بالفعل.

لم يتوقف «عبدالراضي» عن الحلم بـ «قبة القاهرة»، وجاءه الرد سريعًا من رئيس جامعة القاهرة، ليؤكد له تبنيه حالته، حتى إتمام دراسته بكلية الطب جامعة القاهرة.

ابن أسيوط وصف الدكتور «نصار» بأنه «أبو المتفوقين»، بقوله: «لم ينتظر ليفكر فى أمري، بل على الفور اتصل بي».. «عبدالراضي» حضر إلى القاهرة لأول مرة وصاحبته «المصور» فى أول زيارة له بجامعة القاهرة، حيث استقبله الدكتور «نصار» وأبلغه أن الجامعة تتشرف به طالبًا فى القسم الدولى بطب قصر العيني، وقدم له منحة كاملة، ليس هذا فقط، بل أيضًا وفر له غرفة كاملة بسكن المتفوقين، وراتبا شهريا، بينما تكفل الدكتور فتحى خضير عميد طب القصر العينى بعلاج والده المريض.

«المصور» قضت مع «عبدالراضي» يومًا كاملًا طبقًا لاتفاق مُسبق معه، بأن تكون «المجلة» هى بوابة عبوره إلى كلية الطب.

وفى مكتب الدكتور جابر نصار، دارت جلسة حوار مع الطالب المتميز فى حضرة الدكتور حسين خالد وزير التعليم العالى الأسبق، والدكتور الكبير جمال عصمت.

المشهد فى مكتب الدكتور «نصار» كان مشهدًا أبويًا خالصًا بين رئيس أعرق جامعة فى الوطن العربى والطالب المُكافح «عبدالراضي»، تقديرًا لما تكبده من مُعاناة ومشقة فى سبيل الكفاح والنجاح والحلم بمستقبل أفضل، وهى رسالة واضحة إلى أبناء المجتمع كله، بأن الدولة لا تنسى أبناءها المُجدين وتتكفل بالمُجتهدين، وتنير لهم الطريق، وتفتح أبوابها للنابغين.

«د. نصار» قال لابن «نجع الجزيرة»: «مكتبى مفتوح فى أى وقت، وهذا رقمى الشخصى للتواصل معى بشكل مٌباشر، لكن عليك أن تستمر فى الكفاح والاجتهاد لمواصله تاريخ عظماء كلية طب قصر العيني».. وفى نهاية اللقاء منحه بعض الكتب عن تاريخ الجامعة.

فى المقابل، وصف «عبدالراضي» شعوره بلقاء «د. نصار» كأنه يوم ميلاد جديد، وحاول نقل الشكر له، نيابة عن أهل النجع كله، لاحتضانه وتبنى تفوقه.

مشهد آخر فى مكتب الدكتور فتحى خضير، عميد طب قصر العيني، حيث وجد «عبدالراضي» حفاوة كبيرة، وظل يتحدث «خضير» عن قرى وجامعة أسيوط وأنها جامعة عظيمة لها تاريخ، واصطحبه إلى تمثال «كلوت بك» ليعرفه بتاريخ مؤسس طب قصر العيني، ودور الطبيب الألمانى «تيودور بلهارس» مُكتشف مرض البلهارسيا الذى أصاب المصريين سنة ١٨٥١.

«عبدالراضي» الطالب النجيب، أوضح أن قدوته فى الحياة، العالم الكبير الدكتور على مصطفى مشرفة، عالم الفيزياء الذى يلقب بآينشتاين العرب، والدكتور مجدى يعقوب، صاحب التاريخ الطويل فى علاج أمراض القلب، والمخترع الروسى «كلاشينكوف» الذى لم يُكمل تعليمه، إلا أنه بات مخترعًا عظيمًا، واستطاع صناعة السلاح الروسى والذى سمى باسمه كلاشينكوف.

«عبدالراضي» تغلب على ظروفه الاجتماعية الصعبة جدًا، بصبر وتحد، ليُنقذ أسرته وأهل النجع بتفوقه، قائلًا: رغم أننى من الأوائل خلال مراحل دراستى «الابتدائية والإعدادية والثانوية»، إلا أنه لم يتم تكريمى أبدًا، حتى إنه فى ذات مرة تواصل معى مدير الإدارة التعليمية بالبدارى بشأن تكريمى فى «ثالثة إعدادي»، لكنه لم يتم التكريم، وربنا عوضنى خيرًا الآن، بتكريم من الناس كلها، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعى كما أبلغنى أصحابي، ضاحكًا «أنا لا أملك وسيلة اتصال بالإنترنت».

موضحًا لم أحصل على أى درس خصوصى طيلة مراحل دراستى المختلفة، ولم أشترى أى كتاب خارجي، ومُذاكرتى كانت من الكتاب المدرسى فقط، لأننى أعتبر الدروس الخصوصية مضيعة للوقت.

مضيفًا: تلقيت بعض الوعود من بعض المؤسسات الخيرية لتقديم منح دراسية لي، إلا أنها لم تف بالوعود، لكن الحمد لله ربنا «كرمنى بجامعة القاهرة المصنفة عالميًا».

حلم «عبدالراضي» أن يصبح طبيبًا لمساعدة أهل «نجع الجزيرة» البسطاء وتخفيف آلامهم، ويقول: نظرًا لظروف مرض أبى زرت مستشفيات كثيرة وأحسست بمُعاناة المرضى، وهذا ما دفعنى ليكون حلمى الطب.

«ابن أسيوط» له رأى فى المناهج الدراسية، قائلًا: المناهج غير جيدة ولا تخلق طالبا مبتكرا، لأن المناهج تعتمد كليا على الحفظ والتلقين، وليس بها أى ابتكار أو إبداع، كما أن بعض المدرسين لا يمنحوننا حقنا فى الشرح والدراسة، لاعتمادهم على الدروس الخصوصية، ليس هذا فقط، بل إن المواد العلمية مثل الفيزياء والكيمياء ليس لها معامل للبحث.

مضيفًا: كنت ألح عدة مرات على المدرسين لأخرج منهم بإجابات عن أسئلتي، وعندما يرفضون كنت أغضب منهم، وأكتم داخلى وأصبر، وكان بعض الموجهين يطلبون منى شرح الموضوعات لزملائي.

عن أسرته، قال: أبى فى العقد السادس من عمره، يُعانى من قصور فى الكليتين والبروستاتا، ويحتاج للعلاج، وسعيد بقرار علاجه فى مستشفيات طب قصر العيني، لأن بها علماء وأساتذة كبار.. وأمى هى ربة منزل ولم يكن لها الحظ أن تتعلم.. وأشقائى هم «حسن» الذى يكبرنى بعدة سنوات، وأنهى دراسته بكلية التربية أساسى قسم اللغة العربية، ورفض أن يكون معلمًا لأن مرتبه لا يكفى لمصاريف الأسرة والعلاج، وفضل أن يعمل بالقاهرة، وشقيقتى «بخيتة» أكبر منى مباشرة متزوجة، و»كريمة» فى «الصف الثالث الثانوى»، وبعدها «نجاة» فى الصف الثالث الإعدادي، ثم أخى «أحمد» فى الصف الخامس الابتدائي، وأختى الصغيرة «نادية» فى الصف الثانى الابتدائى.