السبت 18 يناير 2025

بالصور: عمالة الأطفال.. أبناء المستقبل عندما يصطدمون بالواقع المؤلم «ملف»

  • 28-7-2017 | 15:29

طباعة

ملف أعدته- أماني محمد

 

الأطفال يدفعون فاتورة الآباء

83% نسبة عمالة الأطفال في الريف 16% بالمدن

الظروف الأسرية وتعلم الحرف ومهن الأباء.. أبرز الدوافع

خبير نفسي: الطفل سيتحول إلى شاذ مجتمعيًا

الائتلاف المصري لحقوق الطفل: هناك استغلال غير مشروع وينذر بكارثة

برلماني: قانون العمل الجديد وضع ضوابط حاسمة لعمالة الأطفال

«تكافل وكرامة» تتبنى تلاميذ المدارس المحاصرون بالمشاكل الأسرية

 

 

مع انتصاف فصل الصيف وبداية العطلة الدراسية، يخطوا بعض الأطفال من مختلف الفئات العمرية خطوات مختلفة عن باقي أبناء جيلهم حيث ينخرطوا في السوق العمل الذي لا يتناسب نهائيًا مع أعمارهم وأحلامهم الوردية ولكن هناك أسباب ودوافع عدة مرتبطة أغلبها بالثقافات المختلفة والظروف المعيشية والأوضاع الاجتماعية التي تدفع بالأبرياء إلى سوق العمل، الأمر الذي رفضه وأدانه حقوقيون ومنظمات أهلية مهتمة بشأن الأطفال في مصر، فضلا عن سن البرلمان لتشريع جديد يتعلق بتنظيم حياة الطفل والعقوبات الرادعة للانتهاكات الموجهة إليه وسط حالة من التجاهل التام للقوانين والأعراف المحلية والدولية.

 

2.2 مليون طفل ينخرطون بسوق العمل

وأظهر تقرير سابق لمنظمة العمل الدولية، أن حجم عمالة الأطفال فى مصر بلغ 2.2 مليون طفل، بنسبة تصل إلى 26%.

أما الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، قدر حجم عمالة الأطفال في سوق العمل المصر بنحو 1.6 مليون طفل، منهم 83% يعملون فى الريف مقابل 16% فى المدن، وأن 46% من إجمالى هؤلاء الأطفال العاملين يتراوح من 15 و17 سنة، وأن 78% منهم من الذكور و21% من الإناث، وأن عدد ساعات العمل التى يقضيها هؤلاء الأطفال فى العمل تتعدى أكثر من 9 ساعات يومياً فى المتوسط، وأكثر من ستة أيام فى الأسبوع، أى أن عدد ساعات العمل بالنسبة للطفل قد تتجاوز عدد ساعات عمل الكبار.

 

رحلة طفل الصعيد

ويقضي أغلب الأطفال أوقاتهم بالعمل، دون الاستمتاع كباقي أبناء جيلهم في اللهو واللعب وتنمية القدرات، وهذا ما حدث مع الطفل كريم الذي يعيش حياتًا مختلفة جدزريًا تنحصر في العمل المنهك والنوم.

 

"كريم" الذي يوشك على إكمال عامه الرابع عشر، يأتي إلى القاهرة قاطعًا مسافة كبير من جنوب مصر حيث محافظات الصعيد التي تعاني من بعض أزات التنمية، خلال فصل الصيف "لتعلم صنعة" فترة الإجازة المدرسية منذ أكثر من خمس سنوات يكرر هذا الروتين رغبة منه في اكتساب مهارة يدوية وللمساهمة في مصاريف بيته بعد أن فارق والده الحياة، فتحمل الابن الوحيد تكاليف الإنفاق على والدته وشقيقته الوسطى بعد أن تزوجت الكبرى.

 

يواجه مشاكل مع أصحاب العمل تدفعه لتنقل من عمل إلى آخر  وغيرت وجهته من الميكانيكا إلى مجال قطع غيار السيارات بأجرة أسبوعية 150 جنيه، "أتيت هنا لتعلم الصنعة واكتسب خبرة بالبيع والشراء أهم عندي من المكسب المادي وسأتعلم حتى أكبر وأكمل العمل في نفس المجال لكن في الصعيد بلدي".. هكذا يقول كريم رغم إدراكه لخطورة تلك المهنة واحتمالات إصابته.

يستعد كريم العام المقبل للالتحاق بالصف الثاني الإعدادي لكنه يحلم إلى ما بعد ذلك ويريد اكتساب مهارة يدوية وصناعة تعينه على العيش مستقبلا بجانب التعليم.

 

مهنة الآباء تصيب الأبناء

لكن شغف التعليم لم يكن يسيطر على "زياد" الطفل صاحب التسع سنوات الذي يقضي إجازته الصيفية عاملا مع والده في ورشة لقطع غيار السيارات بمنطقة عزبة شلبي بالمطرية.

 

يعمل "زياد" خلال إجازة صيفية مع والده منذ صغره رغما عنه فيبدأ يوم عمله من العاشرة صباحا وحتى التاسعة أو العاشرة مساء باستثناء يوم الأحد عطلتهم الأسبوعية، يتشابه زياد مع آخرين قرر أولياء أمورهم الدفع بهم إلى سوق العمل خلال عطلة الصيف، فهذان يوسف وإيهاب أبناء الـ16 والـ18 سنة يعملان مع أبيهم في تجارة وبيع الأقمشة، وكذلك محمد الحالم بأن يصبح مهندسًا يعمل في ورشة أبيه للميكانيكا.

 

هجر التعليم

لكن الأطفال ليس جميعهم من هؤلاء الذين يعملون مؤقتا، فهناك آخرين قرروا الانقطاع عن الدراسة تماما والعمل وكسب الرزق فقط، أحمد علي صاحب الـ13 عامًا قرر ترك التعليم وهو في الصف الخامس الابتدائي لا يجيد القراءة والكتابة ولا يرغب في العودة مرة أخرى إلى التعليم.

يعمل أحمد في ورشة قطع غيار سيارات يبدأ يومه في التاسعة صباحا وحتى التاسعة مساء يحصل على مائتين جنيه أسبوعيا يدرك أن حالة أسرته المادية غير ميسورة لكنه انقطع عن الدراسة برغبته ليس للأسباب المادية دخل في ذلك هو فقط كره المنظومة التعليمية كلها وابتعد بإرادته عنها، وفشل أخوته بإقناعه بالعودة مرة أخرى للعمل.

الأمر نفسه ينسحب على العشرات يعملون في المكان نفسه بصفة دائمة بعد أن تركوا التعليم وانخرطوا في أعمال لا تناسب أعمارهم أبدا، منهم بكار الذي يتولى مسئولية تنظيف بعض القطع في ورشة يديرها أحد جيرانه، لا يقوى على حملها لكنه يتأكد أن أي خطأ في ترتيبها قد يترتب عليه إصابته بكسور خطيرة وربما وفاته "نضع تلك أوشاش السيارات الأمامية في واجهة المحل أكثر من ثلاث قطع سقوط أي منها يؤدي لإصابات.

 

شروط خاصة

يرفض مجدي عبد العال صاحب ورشة لقطع الغيار أن يعمل لديه أطفال أقل من 15 عام لأنه لن يستطيع إنجاز ما هو مطلوب منه، قائلا إن أغلبهم ينزلون للعمل خلال العطلات الصيفية أما المتسربين من التعليم هم من يعملون طوال العام وهؤلاء لديهم أسباب اجتماعية ومادية منها انفصال الأب والأم أو وفاة والده أو كبر سنه أو إصابته إصابة مزمنة، ولم ينفي وجود خطورة على الأطفال والكبار معا واحتمالية تعرضهم بأية إصابة دون وجود تأمين صحي أو شكل من أشكال التقنين في العمل.

 

 

أزمات نفسية

الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي، يؤكد أن لكل إنسان مراحل معينة يجب أن يمر بها ويتعايش معها وحين يفقد إحداها يعيشها في الوقت الخاطئ أو تفقده جزء من تكوينه السوي، موضحا أن الطفولة هي مرحلة اللهو والاكتشاف لدى الأطفال ويحتاج في هذه المرحلة إلى الدعم المادي لتنمية مهاراته وتغطية احتياجاته.

وأوضح أن الطفل عندما يفقد تلك العاطفة بسبب عمله لن يعطيها لأحد في كبره وسيكرر الأمر مع أولاده وزوجته والمقربين منه ويبدأ بالتصرف بحرمان عاطفي وبطفولة، مشيرا إلى أن الاعتداءات التي يتعرض لها وضغوط العمل تترك أثرها في نفسه ويزداد الأمر سوءا في حالة الاعتداءات البدنية أو الجنسية التي تخلق منه شخصية شاذة خارجة عن القانون، لأن فئة كبيرة منهم لا تستطيع ضبط نفسها والتصرف كشخصية سوية.

وحظر قانون العمل تشغيل الأطفال لأكثر من ست ساعات يوميا يجب أن يتخللها فترة أو أكثر لتناول الطعام والراحة لا تقل مدتها عن ساعة وألا يعمل الطفل لأكثر من أربع ساعات متصلة أو ساعات عمل إضافية أو في أيام الراحة لأسبوعية أو العطلات الرسمية وألا يعمل خلال الفترة ما بين الثامنة مساءا وحتى السابعة صباحا.

 

 

قواعد العمل

أحمد مصيلحي، حقوقي بالائتلاف المصري لحقوق الطفل، يقول إن قانون الطفل يوفر أكبر رعاية للأطفال العاملين ويضع قواعد محددة لعملهم منها حظر عمل أي طفل قبل سن 13 عاما بأي شكل، مضيفا أن الدستور المصري نص على حظر العمل على الأطفال قبل إكمال مراحل التعليم الأساسي وهو سن 15 عاما لتشجيعه على التعليم.

 

وأضاف أن أهم القواعد التي نص عليها القانون هو أنه لا يجوز للطفل العمل طالما كان هذا العمل يؤثر على صحته وتنشئته وأخلاقه، موضحا "إذا كان هذا العمل الذي يعمل مثلا التمثيل وكان سنه 13 أو أقل وهذا العمل سيؤثر على أخلاقه ويخاطب غرائزه فيجب أن يتوقف فورا، كذلك العمل في المحاجر والمناجم يؤثر على صحته فيجب منعه".

 

وأضاف أن عقوبة استغلال الطفل في القانون هي السجن لمدة 5 سنوات وهذا ما نصت عليه مادة في قانون العقوبات حيث يجب الإبلاغ عن العمل الذي يؤذي الطفل ويشكل خطورة عليه.

 

أعمال محظورة على الأطفال

ولفت إلى أن أخطر الأماكن أو المهن التي يعمل بها أطفال وتعرضهم للخطر المباشر هي المحاجر الموجودة بالمنيا وكذلك منطقة عرب أبو ساعد بحلوان حيث مصانع الطوب وهي سوق شرس بحق الأطفال يتعرضون فيه للوقوف أمام الأفران والخطر فضلا عن حالات الاعتداء لأنه مكان مغلق، والمدابغ الموجودة بمصر القديمة أيضا.

 

وقال إن الأطفال وخاصة أطفال الشوارع منهم يتم استغلالهم في التجارة غير المشروعة كبيع المخدرات في عدد من الأحياء الشعبية لكونهم أسرع وبعيدا عن الشبهات أحيانا، وهي كلها أعمال لها أولوية يجب وقفها بأسرع وقت وكذلك الخدمة بالمنازل للفتيات وما يتعرضون له خلالها من الاستغلال والمضايقات والاعتداءات البدينة والجنسية.

 

الهيئات الرقابية

أما عن الجهة المنوط بها التفتيش والرقابة على العمل الأطفال، فأوضح "مصيلحي" أنها وزارة القوى العاملة وتحديدا إدارة التفتيش على عمل الأطفال الموجود مكاتبها وموظفيها في جميع محافظات الجمهورية ولديهم حق الضبط القضائي وتحرير محاضر فورية ضد أصحاب العمل الذي يستغلون الأطفال.

وطالب المجلس القومي للأمومة والطفولة باعتباره الأكثر اختصاصا باتخاذ خطوات جادة لرسم استراتيجية وسياسة محددة لوقف انتهاكات العمل بحق الأطفال وحمايتهم وتحديد الأسباب التي تدفعهم لذلك ووقفها وتوفير بديل لهم في حالة الاحتياج المادي وكذلك حماية الطفل المتواجد في سوق العمل الآن.

 

تعاون مجتمعي لمواجهة الظاهرة

وأضاف "مصيلحي" أنه يجب وضع خطة بمشاركة خبراء ومعنيين عن طريق المجلس القومي للأمومة والطفولة ووزارة القوى العاملة وتحديد فترة زمنية ومصادر للتمويل، مشيرا إلى وجود برامج وخطط نفذت وحصلت على أموال دون تحقيق أهدافها مثل برنامج "أطفال بلا مأوى" الذي حصل على 114 مليون من صندوق تحيا مصر و50 مليون جنيه من وزارة التضامن ورغم كتابته الجيدة لكن هذا المجهود ضاع دون تحقيق الهدف.

 

وأشار إلى ضرورة التنفيذ بعيدا عن الجهاز الحكومي التقليدي وموظفيه القدامى والفشل الإداري والروتين القاتل الذي يدمر الأفكار، مضيفا أن تنفيذ الاستراتيجي يتطلب تعاون بين المجتمع المدني والقطاع الخاص مع الجهاز الحكومي.

 

قانون العمل الجديد وحماية الطفل

وعلى الصعيد التشريعي، قال عبد الفتاح محمد، عضو لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، إن قانون العمل الجديد الذي يجري إعداده حاليا ينظم عمل الطفل فحدد سن العمل للمتدرب 13 عامًا والعامل 15 عامًا.

 

أما عن إصابات العمل، قال إنه يحرم عمل الأطفال في مهن تعرضه للإصابات الجسيمة أو قد تودي بحياته، أما الصناعات الصغيرة لا مشاكل فيها.

 

وأوضح "محمد" أنه كان يتمنى أن ينص القانون على سن 18 سنة للعمل حتى يكون الطفل قد بلغ أشده وأن يكون السن للمتدرب 15 سنة، مضيفا أنه أثناء المناقشة أقرت الأغلبية ذلك على القانون المقدم من وزارة القوى العاملة، وأنه سيتم عرضه في الجلسة العامة قريبا وقد يطلب إعادة المداولة عليه لإعادة صياغة الجزء الخاص بعمل الطفل.

وأشار إلى أنه يجب حماية الطفل أثناء العمل من أخطار الإصابات والوفاة لما يتعرض له من أعمال ويجب أن يعمل في أماكن ومهن غير خطيرة وتناسب صغر سنهم، وكذلك توفير ساعة راحة من ساعات العمل التي يجب أن تكون 7 ساعات فقط والساعة الإضافية لتنظيم الورديات وأن يعمل نهارا وليس ليلا أبدا لحمايته أيضا مما قد يتعرض له من أخطار.

 

مظلة حكومية لحماية مستقبل الطفل

وقال مصطفى عبد الله وكيل وزارة التضامن بالمنيا، إن برنامج تكافل وكرامة يراعي الظروف الاقتصادية للأسر والتي قد يدفعها ضيق الحال إلى عمل أطفالها، فيتم تقديم دعم نقدي للأسر الفقيرة والتي لديها أطفال يتعلمون في مراحل التعليم المختلفة.

وأشار إلى أن الدعم النقدي للأسرة يصل 80 جنيها للتلميذ في المرحلة الابتدائية، و100 جنيها في المرحلة الإعدادية، و120 جنيه لطالب المرحلة الثانوية.

    الاكثر قراءة