الخميس 16 مايو 2024

في ذكرى رحيل نجيب محفوظ.. قصة منع أديب نوبل من السفر بسبب اسمه

نجيب محفوظ

ثقافة30-8-2022 | 15:09

عبدالله مسعد

في مثل هذا اليوم من عام 2006 رحل الأديب العالمي نجيب محفوظ، والذي قد ولد في حي الجمالية بمحافظة القاهرة، في الحادي عشر من شهر ديسمبر لعام 1911، لأب موظف وأم ربة منزل، ونجيب محفوظ هو الابن الأصغر بين إخوته.

وعن سبب تسميته بهذا الاسم المركب يقول محفوظ في حواره مع الناقد رجاء النقاش، في كتاب "صفحات من مذكرات نجيب محفوظ": قد عجزت "الداية" وهى المرأة التي كانت تقوم بتوليد معظم النساء في مصر، عن إخراجى للحياة، وعانت أمى من صعوبات شديدة أثناء الوضع، حتى اضطروا للاستعانة بطبيب، وهو أمر لم يكن محببا في تلك الأثناء خاصة في البيئات الشعبية، فجاء الدكتور نجيب محفوظ طبيب النساء الولادة الشهير، وأنقذ أمى وأخرجنى إلى الحياة، فأطلقوا اسمه على المولود الجديد، وأصبح اسم الطبيب "نجيب محفوظ" وهو اسم مركب، ولم تكن أمى تعرف أنها اختارت لى هذا الاسم سوف يكون ذلك سببا في حرمانى من السفر إلى فرنسا.

وتابع محفوظ عن حياته: كان لي شقيقان وأربع من الأخوات، ومن ذلك نشأت كأنني وحيد أبويه، فكان إخوتي تركوا المنزل بعد أن تزوجوا، وبقيت وحدي، كنت أصغر الأبناء، ويبلغ فارق السن بيني وبين الأخ الذي يكبرني 10 سنوات، ولم يكن مقيما معنا في المنزل، حيث التحق بالكلية الحربية، وبعد تخرجه أرسلوه إلى السودان وأمضى فيها عدة سنوات، وعندما عاد إلى مصر تزوج وترك البيت، وكان لي إخوة يقيمون في أماكن متفرقة وبعيدة، ونظرا لهذه الظروف كانت والدتي تحيطني برعاية كبيرة، وتصحبني معها في كل مكان أو تذهب إليه، سواء في زيارتها للحسين والمتحف والأديرة، أو زياراتها لإخوتى المتزوجين، وكانت زيارتي إلى بيوت إخوتي لطيفة جدا، وأحيانا كانت أمي تتركنى أقيم بضعة أيام عند اخت لى متزوجة في حي الحسين.
 
ويتابع "محفوظ" وبالنسبة لشقيقاتى كان والدى يرسلهن إلى المدرسة، حتى إذ ما ظهرت على الواحدة منهن علامات الأنوثة يمنعها عن المدرسة، ويحدد إقامتها في البيت، وتكون حينئذ ملمة وبشئ من الصعوبة بالقراءة والكتابة، بل إن منهن واحدة نسيت القراءة والكتابة تماما بعد الزواج، استثنى من ذلك شقيقة واحدة تمكنت من تنمية قدراتها حتى أصبحت تقرأ الجرائد والمجلات بسهولة، وحاليا لم يبقى أحد من إخوتى، ماتوا جميعا، وآخرهم أختى أمينة التي توفيت في الثمانينات، ومن اسمها أخذت اسم أمينة بطلة (بين القصرين).

وتدرج محفوظ في التعليم حتى تخرج في كلية الآداب جامعة القاهرة قسم الفلسفة، وبعد تخرجه سنة 1934م التحق بالسلك الحكومي، فعمل سكرتيرًا برلمانيا بوزارة الأوقاف من 1938 إلى 1945، ثم عمل بمكتبة الغوري بالأزهر، ثم مديرًا لمؤسسة القرض الحسن بوزارة الأوقاف حتى عام 1954، فمديرا لمكتب وزير الإرشاد، ثم مديرا للرقابة على المصنفات الفنية، وفي عام 1960 عمل مديرًا عامًّا لمؤسسة دعم السينما، فمستشارًا للمؤسسة العامة للسينما والإذاعة والتليفزيون، ومنذ عام 1966 حتى 1971 وهو عام إحالته إلى التقاعد عمل رئيسا لمجلس إدارة المؤسسة العامة للسينما، وبعدها انضم للعمل كاتبًا بمؤسسة الأهرام.

وقد بدأ النجيب الكتابة في منتصف الثلاثينيات، وكان لتركه حي الجمالية أثرًا كبيرًا، لاختلاط قدسية المكان بالواقع المعاصر المحافظ على ملامحه وتاريخه القديم "وكأنك تعيش أكثر من عصر في زمن واحد"، وذلك حسب ما قاله في حديثه للإذاعي عمر بطيشه، ويقول عن هذا الحي "منذ مولدي في حي سيدنا الحسين وتحديدًا في يوم الإثنين 11 ديسمبر عام 1911 ميلادية، وهذا المكان يسكن في وجداني، عندما أسير فيه أشعر بنشوة غريبة جدًا أشبه بنشوة العشاق، كنت أشعر دائمًا بالحنين إليه لدرجة الألم، والحقيقة أن الحنين لم يهدأ إلا بالكتابة عن هذا الحي، حتى عندما اضطرتنا الظروف لتركه والانتقال إلى العباسية، كانت متعتي الروحية الكبرى هي أن أذهب لزيارة الحسين، وفي فترة الإجازة الصيفية أيام المدرسة والتلمذة كنت أقضي السهرة مع أصحابي في الحسين، ونقلت عدوى الحب لهذا الحي إلى أصدقائي، فتحت أي ظرف لا بد أن تكون السهرة في الحسين، وحتى لو ذهبنا لسماع أم كلثوم وتأخرنا إلى منتصف الليل لا نعود إلى منازلنا إلا بعد جلسة طويلة في الفيشاوي نشرب الشاي والشيشة ونقضي وقتا في السمر والحديث".

وعن الأزمات التي واجهها محفوظ بسبب اسمه يقول في حواره مع الناقد رجاء النقاش في كتابه "صفحات من مذكرات نجيب محفوظ"، كثيرون سوف يصابون بالدهشة عندما يعرفون أننى كنت من عشاق السفر، وكانت أمنية حياتى وأنا طالب في الجامعة أن استكمل تعليمى في أوروبا، وفى فرنسا على وجه التحديد، وبسبب ولعى بالسفر وأنا طالب، قرأت عن منحة لدراسة الرسم في إيطاليا، فتقدمت إليها، وأنا لا أجيد الرسم، أما أقرب فرصة اتتنى للسفر فكانت بعد تخرجى في كلية الآداب والتحاقى بوظيفة في إدارة جامعة القاهرة، فقد أعلنت الجامعة عن حاجتها لمجموعة من خريجى قسم الفلسفة للسفر إلى فرنسا لدراسة اللغة الفرنسية بمدرسة الترومال، وذلك لأن الأساتذة الفرنسيين في مصر بدأوا في مغادرتها بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية، ولابد من إيجاد البديل.
 
ويتابع "محفوظ": كان ترتيبى في كلية الآداب الرابع، وتصادف أن الأربعة الأوائل خرجوا من قسم الفلسفة، فاختارت الكلية الثلاثة الأوائل وهم: محمد عبد الهادى أبو زيد، وعلى أحمد عيسى، وتوفيق الطويل، وأرسلتهم في بعثة إلى فرنسا، وبذلك أكون أول المرشحين للسفر إلى الترومال بعد سفر هؤلاء، ومن فرط ثقتى في الحصول على البعثة جهزت ملابسى وذهبت إلى أستاذ في كلية الآداب حصل على الدكتوراه من فرنسا لأسأله عن أنسب الأماكن للإقامة في باريس، وعن كيفية التعامل مع الفرنسيين، لذلك كانت المفاجأة قاسية عندما لم أجد اسمى بين العشرة المختارين للسفر، وكدت أجن، واكتشفت أن إدارة البعثات اشتبهت في اسمى، وظنت أننى قبطى، وبما أه هناك اثنين من الأقباط في قائمة المختارين للسفر، فقد رفعوا اسمى منها اكتفاء بهما!.
 
وأكمل نجيب محفوظ: كان لى زميل في الكلية اسمه عبد الرحمن أبو العز، وهو ابن أخت الكاتب المسرحى إبراهيم رمزى، مدير إدارة البعثات، متأثرا بما جرى لى، فاصطحبنى إلى منزل خاله إبراهيم رمزى لنوضح له سوء الفهم الذى حدث، سأل عبد الرحمن حاله لماذا تم رفع اسمى من قائمة المسافرين مع أن ترتيبى الأول؟. فرد بأن هناك اثنين من الأقباط في القائمة وموصى عليهما من شخصيات مهمة، وبالتالي لا يمكن ان نضع في القائمة ثلاثة من الأقباط، وعندما أكد عبد الرحمن لخاله أننى مسلم، علت الدهشة وجه إبراهيم رمزى، وكان رجلا خفيف الظل وابن بلد، فنظر لى وقال لى بالحرف الواحد: "يلعن أبو تأليف أمك، فيه واحدة مسلمة تسمى ابنها نجيب محفوظ" سألته إن كان هناك أمل في تصحيح الخطأ فأجاب بالنفى، وأبدى أسفه لأن الوقت كان قد فات، ووعدنى بالسفرفى أقرب بعثة.
 
وأوضح صاحب "الثلاثية":  ضاعت فرصة السفر إلى فرنسا بسبب خطأ من موظف في قسم السجلات بالجامعة، لانهم كتبوا اسمى كاملا وهو نجيب محفوظ عبد العزيز، وهو ما حدث هذا اللبس، وتغير مسار حياتي.

وحصد الأديب العالمي نجيب محفوظ العديد من الجوائز والأوسمة والتي منها: جائزة قوت القلوب عن رواية "رادوبيس"، عام 1943، وجائزة وزارة المعارف عن رواية "كفاح طيبة"، عام 1944، وجائزة مجمع اللغة العربية عن رواية "خان الخليلى"، عام 1946 ، وجائزة الدولة التشجيعية فى الآداب من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، عام 1957، ووسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، عام 1962، وجائزة الدولة التقديرية فى الآداب من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية عام 1968،ووسام الجمهورية من الدرجة الأولى، عام 1969، وجائزة نوبل فى الآداب، عام 1988، وجائزة مبارك فى الآداب من المجلس الأعلى للثقافة، عام 1999.

وكتب نجيب محفوظ خلال مسيرته أكثر من 50 رواية ومجموعة قصصية، من أشهرها: الثلاثية "بين القصرين- قصر الشوق- السكرية"، حديث الصباح والمساء، خان الخليلي، الحرافيش، بداية ونهاية، الكرنك، اللص والكلاب، زقاق المدق، ثرثرة فوق النيل، ميرامار، الشحاذ، أفراح القبة، رادوبيس، العائش في الحقيقة وغيرها الكثير.