تقرير : إيمان النجار
هل هناك موجة ثالثة لزيادة أسعار الأدوية بعد زيادة مايو ٢٠١٦ ويناير ٢٠١٧؟ .. حتى الآن لا توجد تصريحات رسمية تؤكد الأمر، ليبقى التناقض «سيد المشهد» فالدكتور أحمد عماد، وزير الصحة والسكان، الذى خرج ليؤكد أنه لا نية لرفع أسعار الأدوية ، تجاهل أنه شخصيا سبق و قطع وعدا لشركات الأدوية في يناير الماضي بالنظر في تسعير الأدوية في أغسطس المقبل.
أغسطس ليس ببعيد وشركات الأدوية لديها لتبرير الزيادة بدل الحجة اثنان وثلاثة ! ، ولديها سوابق ناجحة في أساليب الضغط ، ويمكن القول إنها بدأت بالفعل فى اتخاذ خطوات جادة لـ«الضغط» بدأت بتعطيش السوق ونواقص الأدوية في تزايد.
المشهد في الإدارة المركزية للصيدلة بوزارة الصحة ليس بغريب ، بل يمكن التأكيد أنه مشهد متكرر، سبق أن شهدته الإدارة قبل يناير الماضي، حيث صدور قرار تحريك أسعار الأدوية ، التشابه له أكثر من وجه أوله أزمة نواقص الأدوية التى بدأت تظهر بقوة مرة أخري بعد أن هدأت نسبيا لفترة قصيرة خلال أواخر شهر أبريل
و حتي نهاية شهر مايو ، ثم بدأت تزيد بقوة خلال شهرى يونيه ويوليو، الأمر الذي يمكن تفسيره بضغوط مدبرة من قبل عدد من شركات الأدوية لاشتعال الأزمة واستخدامها كوسيلة ضغط ليرضخ وزير الصحة وينفذ وعده لشركات الأدوية بإعادة النظر في التسعير في أغسطس المقبل.
وبدلا من أن تفصح الإدارة المركزية للشئون الصيدلية عن المشكلة، قررت حجب النشرة الدورية لنواقص الأدوية منذ مارس الماضي، فلم تنشرها على موقعها كما كان يحدث من قبل.
نواقص الأدوية غير ثابتة، وفقًا لما تعلنه بيانات الإدارة المركزية للشئون الصيدلية، بمعني أنه تتوفر أصناف وتختفي أخرى، وكانت أقصى زيادة وفق نشرة وزارة الصحة في يونيه الماضي عندما وصلت نواقص الأدوية لنحو ٢٥٠ صنفا منها نحو ٥٠ صنفا لا توجد بدائل أو مثائل لها وهذه المشكلة.
الأمر الثاني أنه بعد تحريك أسعار الأدوية في يناير الماضي كان مشروطا بتوفير نواقص الأدوية، وهذا الأمر لم يتحقق فالأزمة مازالت موجودة ، فى حين يتمثل الأمر الثالث فى أن وزير الصحة يتبع نفس السيناريو الذي حدث ، من قبل ، حيث خرج الوزير ليصرح بأنه لا نية لرفع أسعار الأدوية مرة أخري، وهي نفس التصريحات التي خرجت علينا في يناير الماضي الأمر الذي يزيد الشكوك لدي الكثيرين حول مبدأ الزيادة من عدمه، خاصة أن مصادر بالوزارة كشفت أنه بالفعل تمت مخاطبة الشركات لتحدد الأصناف التي تحتاج تحريك أسعارها.
التشابه أيضا في البداية حيث بدأت شركات الأدوية الأجنبية بالشكوى في مقابلتها للدكتورة سحر نصر وزيرة الاستثمارمع تهديدات غير مباشرة بهروب الاستثمارات من مصر ، وبالتبعية سوف تتبعها الشركات المحلية في المطالبة، وهو ما حدث في المرة السابقة وفشلت مفاوضات الشركات مع وزير الصحة أكثر من مرة ، ويزيد على المشهد هذه المرة أن بعض شركات الأدوية رفعت مرتبات العاملين بنسبة من ١٠ إلى ٢٥ ٪ لمواجهة غلاء الأسعار ، وستكون في حاجة لتعويض هذه المبالغ بجانب سعر الدولار والتحجج بأسعار المواد الخام وهذا يؤكد نوايا الشركات في المطالبة بالأسعار .
ورغم تكرار نفس المشاهد إلا أن هناك اختلافات جوهرية، وإذا أمعنا التفكير فيها سنجد أنه لا مبرر لمطالب الشركات إلا في الوعد الذي قطعه وزير الصحة ، فالدولار متوفر، حيث كانت شكواهم المرة السابقة عدم توفر العملة الصعبة ، وسعره في مرحلة ثبات نسبيا ، الأمر الثاني أن التوقعات كانت بمزيد من ارتفاع لسعر الدولار وهو ماجعل الشركات تطالب بإعادة النظر في التسعير.
المهم أيضا أن وزارة الصحة كانت قد خاطبت شركات الأدوية بتحديد الأدوية الخاسرة لتحريك سعرها وبالفعل حددوا أصنافهم، فلو أن هناك أصنافا خاسرة فلماذا لم تكن ضمن التي حددتها الشركات قبل ذلك؟، وهذا يرجح الرأي أنها حددت الأصناف الأكثر مبيعا بالنسبة لها .
حصلت شركات الأدوية على مطلبها بتحريك الأسعار مرتين وتطالب بالثالثة ، لكنها في المقابل لم تثبت حسن النوايا بتوفير نواقص الأدوية، ولم نسمع عن ضوابط حقيقية تلزم الشركات بتوفير الأصناف الناقصة ، فالأزمة لا تزال قائمة ، والمريض المصري هو الضحية، لأنه أصبح بين شقين هما ارتفاع أسعار أدوية وعدم وجود أخري .
الاعتراف بوجود مشكلة والتحرك لحلها خطوة مهمة للوصول لحلول سريعة قبل تأزم الموقف كما حدث من قبل فهناك أزمة حقيقة في بعض أدوية الأورام والتخدير وأدوية أخري قللت الشركات تواجدها في السوق بغرض تحريك أسعارها .
من جانبه قال الدكتور أسامة رستم، نائب رئيس غرفة صناعة الدواء: في يناير الماضى حدث تحريك لأسعار الأدوية لنحو ثلاثة آلاف صنف، بنسبة ٥٠٪ للأدوية المحلية و٢٠ ٪ للأدوية الأجنبية و١٥ ٪ للأدوية المصرية ،الزيادة جاءت بناء على طلبات شركات الأدوية وشكواها من عدة أمور منها صعوبة توفير العملة وسعر الدولار وصلت أرصدتها من المواد الخام لوضع حرج ، وبعد التحريك ومرور فترة أربعة أشهر تقريبا بدأنا نشعر بتحسن ملحوظ في توفر نواقص الأدوية وهناك أصناف تتوفر وأخرى تنقص، لكننا - فى الوقت ذاته- بدأنا بعد ذلك نرصد استمرارا للأزمة، والشركات نفسها بدأت تحدد أرصدتها من المواد الخام وفق قدرتها المالية فأصبحت أرصدتها من شهر ونصف لشهرين، وبالتالي تأخر أي شحنة يظهر تأثيره مباشرة على الإنتاج والسوق، مع العلم أن أرصدة المواد الخام كانت تصل إلى خمسة أشهر من قبل .
المشكلة الحقيقية كما يقول رستم تظل فى أن المريض لا يزال يعاني من نقص الأدوية ، رغم أنه بعد مرور هذه الفترة من يناير حتي الآن كان من المفترض أن يدخل السوق في حالة استقرار والشركات توفر المواد الخام وتنتج وتضبط السوق، لكن هذا لم يحدث وهو أمر ليس له تفسير واضح ، فمشكلة شركات الأدوية في يناير صدور قرار التعويم وخسارة الشركات وكانت هناك صعوبة توفير العملة، أضيف إليها بعد التعويم سعر العملة، وكان التخوف من الدخول في مرحلة جفاف دوائي، والأمران تم حلهما ولا يمثلان مشكلة الآن، كما أن القول بأن خطوط الإنتاج غير كافية فهذا غير صحيح، والمشكلة أصبحت تذبذبا في توفير الأصناف، قرار التسعير تضمن إعادة النظر في التسعير مرة أخرى في أغسطس المقبل في ضوء تغير سعر العملة، وسعر العملة لم يتغير ، وبالمنطق لا أتوقع موجة أخري لزيادة أسعار الأدوية طالما سعر العملة لم يتغير ».
واستطرد الدكتور أسامة بقوله “ قرار تحريك الأسعار في يناير الماضي تتضمن إعادة النظر في تسعير الأدوية في ضوء تغير سعر العملة انخفاضا أو ارتفاعا وهذا معناه أنه أثناء إعادة النظر هناك أصناف من المحتمل أن يتم تخفيض سعرها وفقا لسعر العملة والمادة الخام، وهذا دور لجنة التسعير بوزارة الصحة، لكن كما هو واضح أن سعر الدولار لم يصل لمرحلة التذبذب المتوقعة سواء بالإنخفاض أو الإرتفاع “.
رستم أكد أن غرفة صناعة الدواء لم تتقدم حتى الآن بطلب رسمي لزيادة الأسعار ، وتركت للشركات المتضررة أن تتواصل مباشرة مع إدارة الصيدلة بوزارة الصحة، وتعرض مشكلتها بشأن أصنافها الخاسرة ويكون التحريك حسب كل صنف وتدرس إدارة التسعير الملف الكامل للصنف وتقرر الزيادة من عدمها وكذلك حجم الزيادة، مع العلم أن هناك بعض الشركات استفادت من التحريك الذي تم في يناير الماضي وبالتالي إذا كان لديها أصناف خاسرة يمكنها تدارك الوضع، وهناك شركات لم تستفد كثيرا ومازالت أحوالها سيئة.
«تداعيات قرار تحريك أسعار الأدوية في يناير الماضي مازالت مستمرة فالصيادلة كل يوم حالة تعد وتكسير للصيدليات وضرب ومحاضر شرطة، ووصلت لدرجة القتل بسبب وجود سعرين للصنف الواحد» هكذا بدأ الدكتور محيي عبيد، نقيب الصيادلة ليكشف عن حالة تأزم الوضع وعدم الاستجابة لمطالب الصيادلة مجلس النقابة سيدعو الجهة الأعلى وهي الجمعية العمومية لعقد عمومية طارئة تطالب بتوحيد السعر ، لما سببه وجود سعرين من أزمات للصيادلة، ولأن النقابة هي المعنية بالحفاظ علي كرامة الصيادلة والقانون يمنع البيع بأكثر من سعر ، والصيدلي دائما محل شك واتهام بأنه السبب، وأصبح الصيدلي لأول مرة يسأل عن سعر الدواء ويقال له هل لديك بالسعر القديم أم الجديد ؟!.. أيضا نسبة هامش ربح الصيدلي لم تنفذ وفق قرار الزيادة الأخير ،كما أن قرارات وزير الصحة التالية للقرار منها قرار سحب الأدوية منتهية الصلاحية من السوق لم تنفذ هى الأخرى، وكل هذه الأمور تم تقديمها لوزير الصحة أكثر من مرة آخرها الأسبوع الماضي ، ولم نتلق ردا بشأنها حتي بداية الأسبوع الجاري.
آخر رصد لنقابة الصيادلة للأدوية الناقصة بحسب نقيب الصيادلة وصل لنحو ١٢٠٠ صنف ونعتمد فيه على الصيدليات والشارع ، وليس كما تعتمد وزارة الصحة على استقاء بيانات النواقص من شركات التوزيع، ورغم أننا كنا مع تحريك أسعار الأدوية لصالح المواطن بتوفير النواقص، إلا أن قرار يناير جاء عشوائيا ولم تنفذ قرارات تالية له، لذا حركت النقابة دعوى قضائية لإلغاء قرار التسعيرة والدعوى أما القضاء ، فالمفترض تحريك السعر بناء علي دراسة فعلية وليس بالجملة».
على الجانب الآخر قال محمود فؤاد، المدير التنفيذي للمركز المصري للحق في الدواء: التعامل مع ملف تسعير الدواء لا يصلح معه التصريحات الشعبوية التي يخرج علينا بها وزير الصحة من نوعية « لا زيادة على رقبتي وعلى جثتي»، فشركات الأدوية تتعامل على أساس اتفاق مسبق بأنهم على موعد في أغسطس بتحريك أسعار الأدوية ، فقرار يناير ٢٠١٧ كان مقررا خروجه لكل أصناف الأدوية البالغة ١٠ آلاف صنف، تم تحريك نحو ثلاثة آلاف والسبعة آلاف الأخرى في أغسطس ، وهذا ما تستند إليه شركات الأدوية ، وبالفعل بدأت إدارة الصيدلة في استطلاع آراء الشركات الأجنبية بتحديد الأصناف الخاسرة لديهم، والشركات تنتظر تحديد نسبة الزيادة ، وللأسف شركات الأدوية تتحرك وهى تعلم أنها آجلا أو عاجلا ستدخل في جولة مفاوضات مع وزارة الصحة، وأعدت نفسها لهذه الجولة ، وبالتالي فتأجيل الملف من قبل وزير الصحة ليس له معني.
بل يجب التفكير في الحل السريع واتخاذ قرارات صارمة، ووضع ضوابط للشركات في حال عدم توفير الأدوية، وهذا ما لم يتم ضبطه بعد زيادة يناير الماضي، فالنواقص لا تزال موجودة وتعدت الـ ١٧٠٠ صنف، وهذا الرقم أكبر من الذى تعلنه وزارة الصحة بكثير، لأن لكل طرف طريقة في حساب النواقص ، فالصحة طالما أن الصنف له مثيل لا تعتبره ناقصا، أما نحن كمركز حقوقي فأي صنف مسجل وغير متوفر فهو ضمن النواقص، لأن المستهلك لا يعرف بعد ثقافة المثائل والبدائل ، واستمرار النواقص بهذا الشكل وسيلة من قبل الشركات للضغط لزيادة أسعار الأدوية بعد إيجاد أزمة في سوق الدواء، وساعدهم في ذلك عدم وجود إجراءات صارمة في حال عدم توفير الأصناف الناقصة بعد تحريك الأسعار في يناير الماضى.