الجمعة 19 ابريل 2024

علماء مصريون عظماء وقصص نجاحهم الملهمة (14)

مقالات15-9-2022 | 19:31

الأستاذ الدكتور أحمد رياض تركي (1902- 1971).. مرشح جائزة نوبل للعام 1967

 

شهادة حق أذكرها هنا للتاريخ وأقول أن العمل الجليل الذى قدمه العزيز د.محمد زهران والذى سبقنى فى كتابة عدد من السير الذاتية لكبار علماء مصر ساعدنى كثير فى تلمس الطريق فشكرًا له.

فى مارس 1995 كتبت فى بريد الأهرام تحت عنوان "أبو الكيمياء" أقول: فى الخامس من هذا الشهر سيكون قد مر على مولد الدكتور أحمد رياض تركي 93 عاما...! لقد لقب أحمد رياض تركي بلقب "أبى الكيمياء الطبيعية بمصر" حيث كان من أوائل العلماء الذين تخصصوا فى الكيمياء الطبيعية وتتلمذ على يديه العديد من أساتذة الكيمياء الطبيعية والكهربية على مستوى جامعات مصر ومراكزها البحثية، حيث جمعت أبحاثه بين النواحى الأكاديمية والعلمية والتطبيقية كما أنها تميزت بالدقة والأصالة كما أفاد منها الكثير من العلماء والباحثين على مستوى العالم. ولم يكتفى بذلك ولكن كان له جهود موفقة فى التوجيه العلمى والتطبيقى فى كل الوطن العربى حيث نمت وترعرعت تحت إشرافه أكبر وأقدم مؤسسة بحثية فى الشرق وهى "المركز القومى للبحوث".

وفى مفاجأة عظيمة لى وللجميع، (في كل عام، يُطلب من الآلاف من أعضاء الأكاديميات وأساتذة الجامعات والعلماء والحائزين السابقين على جائزة نوبل وأعضاء المجالس البرلمانية وغيرهم تقديم مرشحين لجوائز نوبل ويتم اختيار هؤلاء المرشحين بطريقة يتم تمثيل أكبر عدد ممكن من البلدان والجامعات بمرور الوقت. يتم التعامل مع الترشيحات لجائزة نوبل من قبل المؤسسات المانحة لجائزة نوبل). ومن موقع مؤسسة نوبل وقبل أن يفوز العالم المصرى أحمد زويل بالجائزة فى الكيمياء بـ23 عاما وجدت هذا الخبر: فى عام 1967 قام د.عبد العزيز موسى على أستاذ الفيزياء بكلية العلوم جامعة القاهرة بترشيح د.أحمد رياض تركي لجائرة نوبل فى الكيمياء للعام 1967 "لمجمل أعماله التي تناولت تآكل المعادن وتطوير وتطبيق أساليب البحث الكهروكيميائية"، ومن يرغب فى زيارة الموقع فيما يلى رابط الحاصلين والمرشحين الذين تم تسميتهم لجوائز نوبل:

https://www.nobelprize.org/nomination/archive/show.php?id=19803

من الطريف أيضا الذى واجهنى أثناء جمع المادة العلمية عن عالمنا شيئان: أولهما: أن اسمه أرتبط باسم شارعين تم تسميتهما باسمه ففى مصر الجديدة ستجد شارعا يفصل بين شارعى الحجاز وعبدالرحمن الرفاعى يسمى شارع أحمد رياض تركي، وفى الإسكندرية فستجد شارعا أطول من شارع القاهرة يسمى أيضا بشارع الدكتور أحمد رياض تركي. وثانيهما: التأكد حول اسم العائلة هل هو ترك أم تركي..؟ ولكن عندما ذهبت إلى السجلات الرسمية وقرارات صدرت عن رئاسة الجمهورية عند إحالته للمعاش أو عند تعيينه وزيرا كان الاسم هو أحمد رياض تركي.(هناك قراران نشرا بالجريدة الرسمية تم فيهما ذكر الاسم الصحيح)

يقول أستاذنا الجليل د. إسماعيل صبرى مقلد أستاذ العلوم السياسية بجامعة أسيوط عن هؤلاء العلماء أنهم نجوم لامعة وفي زمانهم كانوا أشهر من نار على علم، اتسموا باتساع معارفهم وثقافاتهم بصورة تثير الإعجاب والانبهار، فانطلقوا من مجالات تخصصهم الضيقة إلى مجالات أخرى أوسع وأرحب منها بكثير، كالدكتور محمود حافظ الذي جمع بين رئاستي المجمع العلمي المصري ومجمع اللغة العربية في وقت واحد، والدكتور أحمد زكي عالم الكيمياء المعروف، وكان أن رفعوا رأس مصر عاليًا في شتى المحافل العلمية الدولية ببحوثهم وإسهاماتهم الأصيلة، التي تفوقوا بها على نظرائهم في أرقى دول العالم وقتها، وأضيف ومنهم من رشُح لجائزة نوبل لعام 1967 فى الكيمياء ضيفنا اليوم د. أحمد رياض تركي.

ولد الدكتور أحمد رياض تركي بقرية ميت غزال بطنطا فى 17 مارس سنة 1902 وتلقى تعليمه حتى البكالوريا فى المدراس الحكومية ثم سافر للدراسة فى ألمانيا، حيث حصل على الدكتوراه فى الكيمياء غير العضوية من جامعة ميونخ بألمانيا سنة 1928 وعند عودته عمل مدرسًا للكيمياء بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة الآن)، ويقول د. زهران إن د. أحمد رياض تركي واجه بعض المضايقات من الأساتذة الإنجليز فى الجامعة عند عودته لاختلاف متطلبات الدكتوراه بين إنجلترا وألمانيا وللعداء بينها الذى امتد من الحرب العالمية الأولى وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية، وكان وقتها يعتبر من القليلين فى الجامعة المصرية الذين درسوا وحصلوا على الدكتوراه من ألمانيا حيث كان الأغلب الأعم قد حصل عليها من إنجلترا.

الدكتور تركي ثانى اثنين يعتبران من آباء الكيمياء فى مصر ومن العلماء الرواد فيها، الآخر هو الدكتور أحمد زكى عاكف الذى تكلمنا عنه فى حلقة سابقة. رقى العالم الجليل إلى درجة الأستاذ المساعد فى الكيمياء بجامعة القاهرة سنة 1943 ونلاحظ أن هذا يعتبر وقتا طويلا نسبيا من مدرس إلى أستاذ مساعد لكن هذا كان نتيجة للتعنت الذى واجهه فى الجامعة لانتمائه للمدرسة العلمية الألمانية، رقى هذا العالم الفذ رغم كل الظروف إلى أستاذ سنة 1948. وفى الجانب العلمى فقد كان له الباع الطويل من الأبحاث المتميزة والتى فاق عددها السبعين بحثا (وهو عدد كبير بمقاييس ذلك الوقت).

أصبح الدكتور تركي ثالث عميد مصرى لكلية العلوم سنة 1953 بعد على مصطفى مشرفة وحسن أفلاطون، وفى نوفمبر من نفس العام عين رئيسا لمجلس إدارة المعهد القومى للبحوث، وفى 1957 عين مديرا للمركز القومى للبحوث. وفى 1963 اختير وزيرا للبحث العلمى فى وزارة على صبرى الثانية وظل بها حتى عام 1967، وفى نوفمبر 1967 أحيل للمعاش بقرار رئيس الجمهورية رقم 1952 لسنة 1967 .

ترأس أحمد رياض تركي المجمع العلمى المصرى وكان عضوا فى عدد من الجمعيات العلمية مثل اللجنة العليا للمعاجم والشعبة القومية لليونسكو والجمعية الكيميائية بلندن والكيمياء الطبيعية بباريس وأكاديمية العلوم السوفيتية بموسكو. وفى عام 1961 انتخب ضمن عشرة علماء على مستوى العالم فى هيئة الاتحاد الدولى للكيمياء البحتة والتطبيقية.

ومن صفاته الحميدة تواضعه الجم وقربه من تلاميذه سواء فى مرحلة البكالوريوس أو الدراسات العليا، ويحكى لى صديقى د. رفعت هلال الأستاذ بقسم الكيمياء أنهم قاموا بدعوته لحضور حفل نهاية العام الدراسى وهم طلبة فما كان أن طلب منه المرور عليه ومصاحبته لمكان الحفل حيث قضى معهم وقتا بديعا لم يشعروا فيه إلا بتواضعه وأبوته.

كان للدكتور أحمد رياض تركي باع طويل فى توجيه الثقافة العلمية والبحوث فى مصر. وحصل على جائزة فاروق الأول سنة 1948 وعلى وسام الجمهورية من الطبقة الأولى سنة 1964 وعلى الدكتوراه الفخرية من جامعة الجزائر سنة 1965.

رحم الله العالم الدكتور أحمد رياض تركي والذى نشر علمه واستخدمه لخدمة بلده والذى رحل عن عالمنا سنة 1971.