الأحد 5 مايو 2024

كنوز «دار الهلال»| في ذكرى رحيله.. ننشر أسرار خلود ألحان سيد درويش

الموسيقار سيد درويش

فن17-9-2022 | 00:46

خليل زيدان

قرأنا كثيرًا عن الطقوس التي كان يتبعها كبار الملحنين أمثال الموسيقار محمد عبد الوهاب ورياض السنباطي ومحمد الموجي وفريد الأطرش وغيرهم، وكانت أغلبها أن يختلي الملحن بنفسه في صومعته عدة أيام، وربما يأخذ اللحن عدة شهور، وهناك ألحانًا تمت في ساعات قليلة.. وكل تلك الألحان باقية وساحرة.. ولكن هناك ألحانًا أخرى خالدة.. خلدت مبدعها الموسيقار سيد درويش، وهذه الألحان عابرة للأزمان رغم بساطتها.. في ذكرى العملاق سيد درويش، نطرح سر خلود ألحانه، وكيف كان يضع كل لحن، كما جاء في مقال بمجلة الإثنين في عددها الصادر في 30 نوفمبر 1942 تحت عنوان "كيف كان سيد درويش يضع ألحانه".

أكد كاتب المقال في مقدمته، أن سيد درويش كان يضفي الثوب الرجالي أو الأنثوي على اللحن الذي يبدعه، فاللرجل نبرات يؤدي بها وللمرأة إحساس ونعومة تغني بهما، فلا يصح أن يضع لحنًا أنثويًا لرجل وإلا ماع صوته، كذلك الأمر بالنسبة للمطربات.

كان سيد درويش حريصًا على أن يلبس اللحن مضمونه، فيصبح لحنًا حزينًا أو مرحًا، وهناك لحن الرضى والقناعة ويقابله اللحن الثائر الغاضب.. فقد جاء خبر وفاة أخته وهو يضع لحنه المشهور "والله تستاهل يا قلبي"، فصب في اللحن كل مرارة حزنه لتشاركه القلوب التي تسمعه هذا النغم االحزين.

وعرف سيد درويش كيف يحيط نفسه "بالجو" الضروري لتلحين ما يأتيه أو يعجبه من كلمات، فلما أسند إليه تلحين رواية "هدى" التي يفترض أن يغني بطلها على حافة غدير، وتهب عليه نسمات الفجر ونداه الرطيب، سافر سيد درويش إلى القناطر الخيرية، وأقام يومين في مكان يشبه المشهد الذي سيغني فيه بطل الرواية، وفي اليوم الثالث كان لابد من عودته إلى القاهرة لأمر ضروري، ففاته القطار وسار إلى قليوب ليلا على قدميه، وكاد الناموس الذي يخرج من الحقول أن يدمي وجهه، فكان يلدغه لدغا أليما.

أما لحن "البرابرة" في رواية "إش" فكان يذهب مع مجموعة من أصحابه إلى "بوظة العلوة" في باب الخلق، فالبوظة بمعناها الشعبي القديم هي خمارة الفقراء، فتدور رؤوس الزبائن فيها ويأخذون في الغناء و"التهييص"، فيلتقط سيد درويش النغم من مصادره، فيكسو اللحن بثوبه الأصيل.

ولما وكل إليه لحن "السقايين"، فكان يسهر حتى مطلع الفجر، وهو الوقت الذي يصحو فيه السقايين، فينزل معهم ليتبعهم في ذهابهم ومجيئهم وهم ينادون "يعوض الله .. يهون االله"، فيسجل ذلك ويضعه في اللحن ليشعر المستمع أنه بالفعل مع السقايين في غدوهم ورواحهم.

وعندما وضع لحن "المغاربة"، وفي هذا اللحن شخص مغربي يشتم ويثور، ذهب إلى حي الفحامين، ونادي على صبي وأعطاه عدة قروش وطلب منه أن يعاكس أحد المغاربة لكي يشتمه، فإذا شتم المغربي الصبي تدفقت من فمه اللهجة الأصلية والنغمة المطلوبة، وهكذا يأخذ سيد درويش النغمة والكلمات ليصيغ منهما اللحن المطلوب ويضفي عليه الواقعية.

ولما تسمع له دور "تشوف البخت" فتعلم أن سيد درويش قابل كل غازية تشوف له البخت وطلب منها أن تغنيه شيئا من عندها ليدمجه في لحنه الفريد.. وفي لحن "الفرارجية" في رواية "أم 44" ذهب سيد درويش إلى سوق الفرارجية في حي الناصرية ليسمع منهم لغوتهم وطريقتهم في البيع والشراء، والمناداة على ما لديهم من دجاج بأنواعه.

ومن الطرائف التي تدل على ولعه بالموسيقى، فقد اختفى يوم زفافه، فبحثوا عنه في كل مكان ولم يجدوه، وبعد جهد كبير عثروا عليه يجلس على مقهى متواضع على النيل وهو يدون نوتة إحدى رواياته الخالدة.