الجمعة 3 مايو 2024

التكامل الإعلامى العربى

مقالات20-9-2022 | 20:40

فى ظل تحديات وتهديدات وأزمات إقليمية ودولية غير مسبوقة.. وفى إطار السعى لتحقيق أهداف وغايات الأمة فى حاضر ومستقبل أفضل..  على طريق التكامل والوحدة فى كل المجالات، لحماية أمة العرب من مخاطر وتهديدات مصيرية.. والحفاظ على هويتها وتعظيم قواسمها المشتركة .. ومواكبة التطور الهائل مع الإيمان الكامل بأهمية الإعلام كسلاح فعال يشكل صمام الأمان لحماية وعى وهوية وثوابت وتطلعات الشعوب العربية.. من هنا تأتى أهمية الدورة العادية الـ97 للجنة الدائمة للإعلام العربى التى تتولى التحضير لاجتماعات المكتب التنفيذى لمجلس وزراء الإعلام العرب الذى يعقد غداً الخميس برئاسة مصر..  والذى يمثل أهمية كبيرة تترجم دور الإعلام فى تأمين دول الأمة، فى ظل تحديات عنيفة تواجه الأمة.

 

لم يعد الإعلام مجرد وسيلة للترفيه أو التعرف على الأخبار والأحداث، ولكن أصبح مكوناً محورياً فى بناء الوعى الحقيقى والحفاظ على الأوطان من قوى الشر والهدم التى تسعى لتزييف الوعى وترويج الأكاذيب وكذلك إحداث التقارب بين الشعوب.

الإعلام بات يلعب دوراً مهماً فى جميع المجالات، تحول إلى سلاح مهم سواء للبناء والتنمية والوعى والتنوير والارتقاء بالذوق العام والوجدان، والحفاظ على القيم والأخلاق أو سلاح للهدم وتدمير الدول، وخداع الشعوب بما يعنى أن الإعلام سلاح ذو وجهين يستخدم فى البناء والهدم معاً، لكننا نبحث عن دور الإعلام فى إيجاد التنمية والتلاحم والتكاتف والوعى والوحدة والاصطفاف وكل ما يخدم الأوطان والشعوب وتحقيق أهدافها وتطلعاتها ويتصدى للغزو الثقافى والأفكار المستوردة ويحافظ على الهوية الوطنية ومنظومة القيم.

الإعلام أيضاً شهد خلال العقود الأخيرة تطوراً مذهلاً فى ظل التقدم التكنولوجى الهائل فى وسائل الاتصال حتى بات كل شخص يستطيع أن يجعل من نفسه إعلامياً من خلال استغلال وسائل التواصل الاجتماعى دون قيد أو شرط أو التزام مهنى ومواثيق شرف أو حتى دراسة لمجال الإعلام وشروطه ومتطلباته وهو الأمر الذى خلق فوضى وتهديداً خطيراً ويشكل تحدياً للعقول والثوابت والقيم وربما يتحول إلى منابر تستغلها جماعات الإرهاب والتطرف والتشدد وقوى الشر، التى لا تتورع عن ترويج الأكاذيب والشائعات والتشكيك والتشويه وبث الإحباط ونشر الفتن.

من هنا تكمن أهمية وخطورة الإعلام وضرورة الاهتمام به كسلاح مهم فى أن يساهم فى حماية الدول وعقول شعوبها، ونشر التفاؤل والأمل، وتشكيل قوة الإرادة والعزم والانتماء والولاء، والتعريف بالحقائق والمعلومات والبيانات ذات المصداقية العالية وتجسيد جهود وإنجازات ونجاحات الدول، وإبراز عدالة قضاياها، وحقوقها وثرواتها وعكس التحديات التى تواجه هذه الدولة وتوضيح واستعراض الحقائق حول التهديدات والمخاطر وما يحدث فى الإقليم والعالم.

وإذا كنا نتحدث عن أنه لا سبيل أمام الأمة العربية ودولها إلا التلاحم والتكاتف والتكامل العربى والعمل العربى المشترك، فى جميع المجالات، وفى مواجهة كافة التحديات والتهديدات بما يؤدى إلى تعظيم القواسم المشتركة الكثيرة التى تجمع بين شعوب العرب، وما لديها من قدرات وثروات، يستطيع الإعلام العربى أن يلعب دوراً مهماً فى هذا الإطار انطلاقاً من هذه الأهداف والتطلعات والآمال العربية.. يستطيع الإعلام أن يوحد ولا يفرق، يستطيع أن يتبنى رؤى عربية، ويطلق مبادرات فى كل المجالات تقرب من وجهات النظر وتؤكد على اللحمة العربية وترسخ الأهداف، وتعكس التحديات.

إذا كنا نتحدث عن أهمية التكامل العربى على المستوى الاقتصادى والأمنى والعسكرى فى إطار تبادل الخبرات والجهود واستغلال الثروات والموارد المتبادلة لتأمين احتياجات ومستقبل العرب فإننا فى حاجة ماسة وشديدة لتكامل إعلامى عربى تقوده الجامعة العربية للتأكيد على الغايات العربية وتعظيم المشتركات، وإبراز الثوابت العربية والعمل على نبذ الخلافات وترسيخ التقارب بين الشعوب، وتحقيق اصطفاف عربى فى كافة المجالات والقطاعات ويتبنى الوحدة الاقتصادية والأمنية والعسكرية والرياضية والثقافية من خلال خطاب إعلامى عربي، ومضمون يرسخ ما يجمع بين العرب من تاريخ وجغرافيا ويعكس التحديات والتهديدات التى تواجه مسيرة ومستقبل الأمة العربية.

من هنا أجد أن الدورة العادية الـ97 للجنة الدائمة للإعلام العربى التى تستضيفها مصر واجتماع مجلس وزراء العرب بالقاهرة يجسد أهمية كبيرة، تأتى فى توقيت دقيق جاء من رحم تحديات وأزمات وتهديدات ومخاطر إقليمية ودولية سواء لأن العرب جميعاً يعيشون فى منطقة شديدة الاضطراب تموج بصراعات نشطة تنذر بتداعيات خطيرة تستلزم الاصطفاف واللحمة والتكامل العربي، أو ما يشهده العالم من أزمات شديدة القسوة سواء جائحة كورونا التى خفت حدتها أو فى ظل آتون الحرب الروسية- الأوكرانية، وهى معركة حامية الوطيس تلقى بظلالها على جميع دول العالم وتشير إلى ولادة نظام عالمى جديد، وكذلك أفرزت محاولات مستميتة للاستقطاب الدولى ونتج عن الحرب الروسية- الأوكرانية أيضاً أزمة اقتصادية عالمية شديدة الوطأة، وهو الأمر الذى يفرض على الإعلام العربى التكامل وإيجاد خطاب إعلامى يتضمن كل هذه التحديات وآليات التعامل معها، ويفرض منظومة عربية تحقق الأمن على صعيد الطاقة والغذاء والتنمية المستدامة.

العرب أنفسهم يواجهون تحديات داخلية غير مسبوقة سواء تلال الأزمات التى تحاصر الأمة سواء فى ليبيا وسوريا واليمن وتحديات فى تونس والسودان، وتهديدات إقليمية لدول الخليج، أو تهديدات للأمن المائى العربي، ومازالت القضية الفلسطينية التى تضعها الدورة العادية الـ97 للجنة الدائمة للإعلام العربى واجتماع مجلس وزراء الإعلام فى صدارة الدورة والاهتمام الكبير خاصة دور الإعلام فى هذه القضية وهو دور محورى وأساسى فى الحفاظ على ان تظل هذه القضية، قضية العرب الأولى حية ونابضة بالحياة وفى قلب ووجدان وعقل كل مواطن عربى ووضعها فى قائمة اهتمامات الأجندة الدولية بحثاً عن تسوية عادلة وشاملة تنفيذاً للرؤية والثوابت العربية فى حل الدولتين، بانشاء دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 يونيو 1967 عاصمتها القدس الشرقية وهو ما يتطلب مواصلة الدعم الإعلامى العربى للقضية الفلسطينية وفى صلبها وجوهرها القدس المحتلة.

الحقيقة ان الدورة العادية الـ(97) للجنة الدائمة للإعلام العربى التى تستضيفها مصر واجتماع مجلس وزراء الإعلام العرب شديدة الأهمية، سواء فى توقيتها أو موضوعاتها وبنودها وأهدافها والتى يجب ان تخرج بمراعاة المستجدات الإقليمية والدولية وكيفية التعاطى الإعلامى على الصعيد الإعلامى العربى أيضاً، ولعل أهمية تأكيد الإعلام العربى على أهمية الوحدة العربية والتلاحم والتكامل العربي، وتنقية الأجواء العربية لانطلاق المصالحة العربية الشاملة للاتجاه نحو تكامل عربى بناء يحقق أهداف وغايات وتطلعات الشعوب العربية وينهى ملف الأزمات، والصراعات والنزاعات والفوضى داخل بعض البلدان العربية ويعيدها إلى الصف العربى لتشكل قوة مضافة وتحفظ ثوابتها فى خروج القوات الأجنبية ومنع التدخل الأجنبى فى الشأن العربي، والحفاظ على وحدة وسلامة الأراضى العربية.

الإعلام يجب أن يلعب دوراً مهماً بأن تظل القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطينى المشروعة فى ضمير ووجدان العرب والمجتمع الدولى والإعلام مطالب أيضاً برصد التحديات التى تواجه الأمة وأخطرها على الإطلاق الإرهاب المدعوم والممول والمدفوع من قوى خارجية تستهدف العرب وتسعى إلى تمزيق دولهم وإشاعة الفوضى فى أراضيهم، وإسقاط دولهم لذلك لابد ان ينتبه الإعلام العربى بخطورة اختراق التطرف والتشدد للمجتمعات والشعوب العربية.

لابد من خطاب إعلامى عربى يؤكد على الثوابت ويواجه محاولات الغزو الثقافى ونشر التشدد والتطرف أو الإلحاد ويتصدى للجماعات المدفوعة من قوى الشر التى تسعى إلى اضعاف وتفكيك وإسقاط دول الأمة من خلال العبث فى عقول الشعوب خاصة الشباب لذلك من المهم ان يتوجه الإعلام العربى لاحتضان الشباب العربى فكرياً وثقافياً وتوعوياً ودعم جهود التمكين لهم خاصة الاقتصادي، وافساح المجال أمامهم والتعبير عن آمالهم وتطلعاتهم وابداعاتهم فهم طاقة خلاقة وفياضة إذا وجدت البيئة المناسبة تصنع الفارق فى مستقبل الأمة.

الإعلام العربى مطالب بدعم الجهود التنموية والتعاون والشراكة الاقتصادية العربية وإبراز مناحى التعاون واستغلال الثروات والموارد العربية نحو تحقيق تنمية مستدامة وتكامل اقتصادى عربى وترسيخ الأمن الغذائى العربى والاستفادة من الفرص المتاحة لدى الدول العربية والتى تحتاج إلى رءوس أموال لاستغلالها بما يعود على كافة الأطراف العربية بالخير والفوائد، وضرورة ان يتناول الإعلام العربى هذه الفرص وحجم التطوير والتحديث والبناء والتنمية فى كل دول العرب.

الإعلام العربى مطالب بايجاد وصياغة مضمون وخطاب إعلامى يتسق مع التحديات العربية والإقليمية والدولية وتأثيراتها على العرب عليه أيضاً أن يدرك ان هناك تحدياً كبيراً هو الحفاظ على الهوية الوطنية العربية فى ظل محاولات الاستقطاب والغزو الثقافى وتزييف الوعى العربى وخلق حالة من التغريب والتغييب وترسيخ منظومات القيم العربية، وإعلاء القواسم والمشتركات وتبنى مبادرات ثقافية ورياضية وتقارب إعلامى من خلال زيارات لوفود إعلامية عربية متبادلة بين دول الأمة، لاحاطة الشعوب العربية بالمتغيرات الإقليمية والدولية وما يستهدف الأمة من محاولات تبوير وتحريف وإسقاط واضعاف وفتن وتطرف وتشدد.

الإعلام العربى مطالب بالوصول إلى صيغة تكاملية بين الإعلام القديم والجديد، وتوظيف السوشيال ميديا لترسيخ الثوابت العربية ومواجهة ما يدور فى فلك السوشيال ميديا من فوضى واستباحات وأفكار غريبة على المجتمعات العربية وايجاد وسائل للتصدى للشائعات والأكاذيب والتشويه والتشكيك.

الإعلام العربى مطالب أيضاً بالعمل المتكامل مع المؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية والدينية والفنية والرياضية لأن دوره أكثر انتشارا وفاعلية فى سرعة الوصول إلى المواطن العربى وقدرة الإعلام على ترجمة وتجسيد الأهداف المخططة فى كل المجالات والقطاعات ومناحى الحياة والتصدى للظواهر السلبية.

الإعلام العربى مطالب أيضاً بالانفتاح على كل ما حدث ويحدث من تطور فى هذا المجال والتعرف على أحدث الأساليب والتكنيكات وصياغة المضمون والوسائل الإعلامية الجديدة وتوظيفها بما يخدم الثوابت والأهداف العربية ومواكبة القدرة على الوصول إلى العالم من خلال رسائل عربية نافذة تتصدى لحملات الإساءات أو محاولات الوقيعة وبث الفتن أو نشر الأفكار الهدامة إذا كان التكامل العربى أمراً مطلوباً وضرورياً، فإن التكامل الإعلامى العربى أمر غاية فى الأهمية أيضاً لأنه يقرب المسافات، ويحدث نسقاً فكرياً بين الشعوب العربية، ويوحد مفاهيم الأمة ورؤاها فى مختلف القضايا والملفات والتحديات.

لا يفوتنا أيضاً ان نشير إلى أهمية ان يعكس الإعلام العربى ثوابت الأمة خاصة فيما يتعلق بالاحترام المتبادل وعدم التدخل فى الشئون الداخلية أو الاضرار بتماسك الدول العربية وإعلاء شأن الوحدة لا الفرقة، واللحُمة لا التشتت، التكامل، لا التنافر والانعزالية.. فالأمة فى أشد الحاجة إلى إعلامها لإعادة صياغة وجدان العقل العربى الذى واجه محاولات شيطانية خلال العقود الماضية لبث الفرقة والوقيعة وتغييب العقول وتزييف الوعى وفصل المواطن العربى عن هويته وأصوله من خلال حملات ضارية للغزو الثقافى واقحام أفكار وسلوكيات مستوردة شاذة عن القيم والعادات والتقاليد العربية.

الإعلام العربى مطالب ان يتقصى أسباب الخلاف بين دول العرب، ويبعد شبح التعصب فى كل شيء، وان يعود العرب أكثر لحُمة وتوحداً وتقارباً وتكاملاً.

الاستراتيجية الإعلامية العربية يجب ان تتماشى مع التطورات والأحداث والمتغيرات الإقليمية والدولية والتحديات التى تواجه الأمة وأيضاً تداعيات الأزمات الدولية، لذلك لابد ان تكون متسقة مع شواغل وتحديات وتطلعات ومستقبل الأمة تأخذ بالأحدث وتتضمن أهدافاً محددة يمكن تطبيقها وتفعيلها على أرض الواقع الإعلامى العربي.

تطوير الخطاب الإعلامى العربى سواء الموجه للداخل العربى أو الموجه للعالم أمر ضرورى يحتاج إلى تحديث بشكل مستمر نظراً للايقاع السريع الذى يمضى عليه العالم فى ظل تحديات كثيرة مثل التغير المناخى وما يفرضه من تحديات وتثمين وإعلاء الدور العربى فى هذا المجال من خلال استضافة مصر لقمة المناخ (كوب- 27) فى نوفمبر القادم بمدينة شرم الشيخ وهو حدث عالمى يعكس قدرة وقوة ومكانة العرب المتمثلة فى مصر ثم الدورة القادمة ستكون فى الإمارات بالإضافة إلى تحديات وتداعيات الأزمة العالمية، وكذلك الجوائح العالمية وما يموج به العالم من اضطرابات وصراعات فى مناطق مختلفة لها انعكاساتها بطبيعة الحال على المنطقة ودول الأمة العربية وهو ما يستلزم التقارب والعمل العربى المشترك، والتكامل الشامل سواء الاقتصادى أو الإعلامي.

استضافة مصر للدورة العادية الـ97 للجنة الدائمة للإعلام العربى التى تتولى التحضير لاجتماعات المكتب التنفيذى لمجلس وزراء الإعلام العرب برئاسة مصر غداً الخميس هو قوة دفع إضافية نظراً لمكانة مصر وخبراتها وقدراتها الإعلامية وتاريخها فى تأسيس المنظومات الإعلامية لدول المنطقة، وما يشهده الإعلام المصرى من مواكبة للتطور العالمى فى مجال الإعلام وأيضا نجاحاته فى مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

يقيناً، وزراء الإعلام العرب يدركون تماماً أبعاد التحديات التى تواجه الأمة العربية، وما يموج به العالم والمنطقة من متغيرات حادة واضطرابات عنيفة وصولاً إلى الإستراتيجية الإعلامية المواكبة للمتغيرات العالمية والإقليمية المتلاحقة وكيفية الحفاظ على الوحدة العربية والتصدى لهجمات التشدد والتطرف والغزو الفكرى والثقافى ودعم جهود التكامل العربى الاقتصادى والتنموي.

الحقيقة ان العرب أكثر التحاماً فى ظل هذا الوضع الإقليمى والدولى وانعقاد الدورة (97) واجتماع مجلس وزراء العرب يأتى قبيل القمة العربية فى الجزائر لذلك لابد أن يكون للإعلام العربى دور كبير فى دعم التقارب والوحدة العربية.

تحيا مصر

Dr.Randa
Dr.Radwa