آثار كبرى خلفتها نتائج الاحتلال الأمريكى للعراق ـــ فى مارس ٢٠٠٣ ـــ على الأكراد فى المنطقة كلها وعلى أكراد العراق بصفة خاصة، ومنها الحالة الاستقلالية التى كفلها الدستور العراقى الجديد لإقليم كردستان العراق، فى ظل استمرار أمريكا فى تنفيذ مشروعها الهادف إلى تقسيم دول المنطقة على أسس طائفية عرقية، وهو القانون الذى يعمل الكونجرس جاهدًا على تنفيذه ويطال كل دول المنطقة، ويرتكز فى الأساس على إدخالها فى موجة حروب أهلية تستمر مئات السنين. ومؤخرًا وفى محاولة لإضعاف الحكومة العراقية تم الاتفاق على إعطاء السلاح للأكراد. ولأن ما يحدث فى المنطقة إنما يؤسس لمرحلة خطيرة جدًا، لذا يجب التصدى لهذا المشروع الآثم ووأده فى مهده.
نستطيع القول بأن التقسيم الفعلى للعراق قد بدأ الآن بعد أن اتخذت أمريكا قرارًا بتسليح البشمركة الكردية توطئة للاعتراف بها كدولة مستقلة. ويأتى هذا بعد أن دمرت أمريكا دولة العراق جيشا وأمنا وسلطة، وحكومة وحولتها إلى ساحة من الفوضى راح ضحيتها مايقرب من مليونى قتيل. ولهذا تبدد الأمل فى أن تفى أمريكا بوعودها وتسعى إلى بناء دولة موحدة ركيزتها حكم وفاقى يوحد بين حقوق السنة والشيعة والأكراد ليتمتع الجميع بحقوق المواطنة. إلا أن أمريكا انحرفت عمدًا عن هذا السياق وانحازت لفئة على حساب فئات أخرى. وكل ذلك من أجل إبادة العراق كقوة فى المنطقة. واليوم تقوم بتسليح الأكراد فى خطوة جريئة وبمنأى عن سلطة الحكومة المركزية فى بغداد. ولا تخفى نيتها فى إعلان كردستان العراق دولة مستقلة. والثمن احتفاظها بقاعدتين جويتين فى الشمال يقوم الأكراد بتأجيرهما.
ما يحدث هو مقدمة لتفتيت العراق رسميًا بعد أن يفقد الشمال الكردى ويتحقق الهدف الذى سعت أمريكا إليه منذ اجتياح العراق فى ٢٠٠٣ لتصبح هناك دولة كردية، وأخرى سنية وسط العراق وثالثة شيعية فى الجنوب. ولقد بات الطريق الآن ممهدًا لإقامة الدولة الكردية، وهو ما أكده “مسعود البرزانى» رئيس إقليم كردستان فى خطابه الذى ألقاه مؤخرًا فى ولاية فرجينيا خلال زيارته لأمريكا، فلقد قال: “بأن أكراد العراق اقتربوا من الاستقلال، وأن العوائق التى كانت تقف فى طريق الاستقلال من قبل قد زالت ولم يتبق منها سوى القليل، وأنه من الحقوق الطبيعية لسكان الإقليم تأسيس دولة واتخاذ القرارات المتعلقة بمستقبلهم بأنفسهم، وأنه تم الاقتراب كثيرًا من تحقيق هذا الهدف”، وطالب البرزانى بإرسال الأسلحة مباشرة إلى قوات البشمركة، فسارعت أمريكا بتنفيذ مطلبه مباشرة عندما اتخذت قرارًا بتسليح البشمركة.
ظلت القيادات الكردية تتحين الفرصة من أجل تحقيق حلم الانفصال بعد أن تيقنت من استحالة الوصول إليه، إلا على أنقاض الدولة العراقية من خلال التعاون مع جهات أجنبية تكن العداء للعراق، لتتمكن من احتلاله وتدميره لقلب المعادلة السياسية، ولكى تتحول القوى الكردية إلى الحلقة الأقوى، وتصبح الدولة العراقية هى الحلقة الأضعف ليتسنى تحقيق الانفصال على أنقاض الدولة المهزومة. ولهذا لعبت القيادات الكردية دورًا فعالًا فى تقديم الدعم اللوجستى إلى أمريكا من أجل احتلال العراق، والحصول على المكافأة المطلوبة لتحقيق الحلم المنشود، الذى طالما راود عقول القيادات الكردية قبل تأسيس الدولة العراقية الحديثة.
كما لم يعد خافيا التنسيق والتعاون مع إسرائيل لوضع حجـــــر الأساس لمشروع إقامة وطن قومى للأكراد فى شمال العراق على غرار مشروع إقامة وطن قومى لليهود فى فلسطين. وجاء ذلك من خلال تقديم العراق قربانًا على عتبة الاحتلال الأمريكى لتدمير الدولــة والتخابر مــــع المخابرات الإسرائيلية، لتحطيم البنية التحتية للعراق ليتسنى إقامة الدولة الكردية على أنقاض العراق، بعد أن قدمت القيادات الكردية نفسها كبديل لتنفيذ متطلبات أمريكا، لتكون هى الأجدر بنيل الثقة لمرحلة ما بعد الاحتلال. وتحقق ذلك بالفعل وتمت السيطرة على مفاصل الدولة العراقية بعد حل الجيش العراقى، وبدأ العمل على تحويل ميليشيات البشمركة إلى جيش نظامى، وإمداده بقدرات تفوق قدرات الجيش العراقى الجديد.
وكأنى بأمريكا اليوم تمنح الأكراد وعد بلفور جديد لإقامة دولتهم المستقلة، وهو ما يمثل البداية نحو تقسيم العراق الفعلى إلى دويلات ثلاث، دولة الأكراد فى الشمال، ودولة السنة فى الوسط، ودولة الشيعة فى الجنوب. إنها أمريكا الشيطان الأكبر التى تتربص بمنطقتنا ويستهويها بالقطع ما يتمتع به العرب من سلامة النية والطوية بعد أن وثقوا فيها وأسلموها القيادة لتدير قضاياهم وتحل أزماتهم. ويغيب عنهم أنها ستطوعها بشكل يصب بالإيجاب فى مصلحتها ومصلحة إسرائيل الحليف الأوثق.
لا أدرى متى يفيق العرب؟..…
كتبت : سناء السعيد