بقلم – حمدى رزق
منين أجيب ناس لمعناة الكلام يتلوه
شبه المؤيد إذا حفظ العلوم وتلوه
الاسم مخلص والنقب أبو الفداء
مواله أهل البلد جيل بعد جيل غنوه
مصادفة أن يحمل « أسد العريش « اسم مخلص ولقبه أبو الفداء، اسم على مسمى مخلص من الإخلاص، ولقبه أبو الفداء لأنه جمع الفداء من شطريه، فى العرين آلاف الأسود المخلصين، والأسود تسمى أسودا فحسب، لا تتسمى بالأسماء تعرف بالصفات إخلاصا وفداء .
شاهدت وملايين فيديو أسد العريش مخلص أبو الفداء الذى استدار على الطريق ليواجه بدبابته سيارة دفع رباعى مفخخة جاءت من الخلف تتسلل بين الصفوف لتقتل الأبرياء، ويسحقها بجنزير دبابته، ويتركها تنفجر بمن فيها فى مشهد لايصدق كما جاء وصفه على موقع وزارة الدفاع الباكستانية.
الفيديو الرهيب يحصد تباعا أغلفة وصفحات وسائل الإعلام العالمية، العالم كله يتحدث عن شجاعة ورباطة جأش أسد العريش، هكذا صار لقبه، أما اسمه فكان مسطورا بأحرف من نور أمام قادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى اجتماعهم الذى عقد صباح السبت الماضى. وفيه أشاد القائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس عبد الفتاح السيسى ببطولات خير أجناد الأرض فى سيناء وخص بالشكر الجندى مقاتل فدائى البطل المصرى محمد مخلص عيسى أبو الفداء، سائق دبابة من قوة تأمين قطاع شمال سيناء الذى قام بكل براعة وسرعة وحسم بدهس سيارة دفع رباعي تحمل ١٠٠ كيلو من المتفجرات حاولت اختراق أحد الكمائن جنوب العريش، كانت ستسبب خسائر في الأرواح تتراوح بين ٥٠ الى ٦٠ مدنيًا وعسكرياً.
أسد من أسود الله، أسد من أسود سيناء، من بين الصلب والترائب، الجيش المصرى جيش الأسود، مصنع الأسود، مفرخة الأبطال اجتمع فى اسم البطل ثنائية الإخلاص والفداء، جيش يفتدى فيه الجندى أخاه، ويتسابقون إلى الشهادة، جيش يضم أمثال هؤلاء الأسود يكتب له الله النصر، ونصر قريب.
من أى فسيلة أصيلة اشتققت قلبك يافتى، من أى طينة نبتت الشجاعة فى روحك يا مخلص، ومن أى جبل شاهق ارتفعت معنوياتك إلى عنان السماء ، من أى معون طيب، من أى أصل طيب، من شعب طيب، من جيش عظيم. لست بشاعر ولا بقاص، لأنظم الشعر قصائد مجدولة فى وصفك، أو انثر رحيق الكلمات تنعكس مرايا على صفحة وجهك، ولكنى أراك بعيون القلب، رؤى العينين.
خلف مقود الدبابة أسد، تنظر إلى العالم من كوة صغيرة، تطل علينا يا أسد، ياترى ياأسد كنت تفكر مثلنا فى الحال والعيال، هل كنت تحلم مثلنا بالماء والخضرة والوجه الحسن، هل كنت تسرع لتلحق بالمائدة المتخمة بأطايب الطعام، هل تاقت نفسك إلى شراب يروى عطشك فى هجير الصحراء، هل كنت على موعد مع الأصدقاء فى ناد على النيل تظلله الأشجار، هل كنت على موعد مع عيون المها.
استحلفك بالله أن تفصح عن نفسك، ويأذن لك بالحكى، وتحكى لنا كيف جرت المعركة، كيف استشعرت الخطر على مرمى حجر، على امتداد شعاع البصر، وكيف قدرت الموقف تقديرا سليما، وكيف نبتت الفكرة، وكيف استبطنت القرار، واستدرت يابطل لتواجه الموت سريعا على الأسفلت.
ألم تخش ياأسد انفجارا مبكرا يكلفك حياتك ويسجل اسمك فى سجل الشهداء، ألم تتردد يابطل وأنت تذهب الى الموت بدباباتك، تسعى إلى مواجهة القتلة حثيثا، ألم يخش زملاؤك فى دبابتك من فرط أقدامك، كيف تقبلوا قرارك بالاشتباك، وقرروا فى اللحظة عينها أن يخوضوا معك المعركة حتى النهاية، النصر أو الشهادة، ألم يعترهم خوف أو خشية، ألم يلووا على شئ، أهكذا جمعكم ركب الشهادة فإذ أنتم مسلمون لله.
هذه اللحظة يجب أن يتوقف أمامها البشر باعتبار، عندما يكون الهروب من الموت ممكنا، أو القعود عن الواجب يسيرا، والنجاة فرصة وسنحت، ماالذى يدفع الأسد أن يستدير من فوره يزأر ليدافع عن العرين، ويواجه الموت مجسدا فى سيارة مفخخة، ويقتحم السيارة وهو يعلم أنها مفخخة وستنفجر فيه حتما لتطيره أشلاء، ما الذى يجعل الموت أحب إليه من الحياة، كيف غارت مياه الحياة فى جوفه وانفجرت ينابيع الشهادة.
بحقك قل لنا شيئا، أفصح عن مكنون صدرك، تكلم نحن لك منصتون، دلنا على الطريق إلى الجنة، صف لنا طريق الشهادة، وكيف تخطوها واثقا، قل لنا كيف يتساوى الموت مع الحياة وترجح الشهادة فى الميزان، من علمك هذا يافتى، من بث فى قلبك الشجاعة هكذا، كيف صرت أسدا هصورا، كيف تتم صناعة الأسود فى العرين، كيف تربى الأسود صغارا فى بيوت البسطاء على الإخلاص والفداء يا أبو الفداء .
نجزع من الألم، ونخشى عاقبة المصير، لو ألم بأحدنا ألم عارض فى ضرس العقل لطارت عقولنا، ولو ارتبكت أمعاؤنا قليلا لشكونا ألما، ولكنك أنت مررت بنوبات القلق والخشية والخوف وحب الحياة، جميعها تخلف ألما، كيف ألقيت كل هذا خلف ظهرك، كيف تخلصت من أوهام الحياة، وأضغاث أحلام خضر، كيف نفرت من غيمة الحزن واستبدلت الخشية بالغضب، واخترت الشهادة فحزت نصرا، ولو خيرت مجددا لاخترت الشهادة.
اسمه منحوت وكانه اسم شهيد، هو محمد، وهو مخلص، وهو عيسى، وهو أبو الفداء، محمد مخلص عيسى أبو الفداء، توليفة من أرقى الأسماء والصفات، ليس غريبا على صاحب هذا الاسم أن يكون جنديا من جنود الله.
لو أفصحت يافتى لعلمنا شيئا من الفداء، وقد لقبت بالفدائى، لشرحت لنا كيف يتحول الجنود إلى فدائيين، كيف صار «المنسى» علما، وكيف صار «الرفاعى» رمزا، و«بدوى» عنوانا، و «سيدراك» ملهما، و«أبنوب» شهيدا.
لا تحتجب ياهذا عنا وراء الحجب، بان وعليك الأمان، قص علينا من أحسن القصص، قص علينا قصص الأسود فى العرين السيناوى يضربون أعظم الأمثال، قص علينا كيف تتسابقون إلى الموت فرادى وزرافات، وفى هذا فليتنافس المتنافسون، احكى يا أسد كيف يستشهد الأسود من أجل الأرض، من أجل وطن، من أجل أن ينعم أولادنا بالحياة.
المشهد لايصدق، فوق الخيال، وكانه شريط خارق، عجزت عن تصويره كل أفلام الحروب قديمها وحديثها، لم تخطر فكرة مثل هذه على عقل بشر، لم تسجلها كتب التاريخ العسكرى قبلا، كنت أظن بعد سلسلة أفلام الحروب الأمريكية التى أغرقت العالم ببطولات وهمية بأسلحة خارقة، لا مكان لبطولة بشرية جديدة، لكن هذا الفيديو الحى المباشر الذى لم يرسمه كاتب سيناريو أريب، أو يتولاه مخرج جهبذ متمكن من أدوات صنعته، فاق البطولات جميعا، العالم من حولنا مذهول، ماهذا الذى يحدث فى سيناء، هل هؤلاء بشر عاديون، حقا إنهم أسود هم من عبروا القناة فى ظهيرة رمضانية حارة وهم صائمون، أسود ينجبون أسودا، خير الجنود.
من ذا الذى يرسم مشهدا هكذا بجسارة، الدبابة بدلا من أن تسرع وتختفى قبل أن يلحقها الانفجار الذى يستهدفها، إذ فجاة تستدير وتستعد للمواجهة، تذهب إلى مركز التفجير بشراسة، وشجاعة منقطعة النظير، ويدوس الأسد خلف المقود البنزين يمضى سريعا كالقطار، لايلوى على شئ وكأنه يعانق الموت، ثم يرتقى، يعلو، يدوس، يسحق العدو، مفاجأة كاملة، شجاعة أسطورية، إقدام، وهو يعلم أن الانفجار تحت قدميه، ومائة كيلو ديناميت ستحيله أشلاء، فى سباق مع الموت، وقد يسبقه الموت على الأسفلت، وقد يدهمه فيحيله شهيدا، ويرسم طاقم الدبابة شهداء.
أسد سيناء الذى هاتفه الرئيس وثمن بطولته، وسجلت القوات المسلحة اسمه فى سجلات الفخار، سيأتى يوم قريب يحدثنا كيف سحق الموت بقوة الإيمان، كيف استقبل الموت بنفس راضية، كيف نبتت فى عقله فكره احتضان الموت بديلا عن الهروب، كيف ذهب إلى الموت جسورا، كيف ارتقى فوق السيارة المفخخة، يسحقها، وكيف عاد مخلصا إلى العرين منتصرا، لو هناك مسجل داخل الدبابة كالصندوق الأسود، سنملك كنزا من المشاعر الإنسانية، كيف يضرب هؤلاء الأسود أروع البطولات، سنسمع عجبا، شئ لايصدقه عقل .