الأربعاء 24 ابريل 2024

الطريق إلى النهضة (الصحة)

مقالات4-10-2022 | 01:41

من أهم عوامل الأمان لدى المواطن، والتي تجعله مستعدا لأداء دوره في المجتمع هو توفير الرعاية الصحية المناسبة له، فالإنسان إن لم يكن مطمئنا أنه سوف يتلقى العلاج المناسب في حالة مرضه مهما كانت حالته المادية، فلن يستطيع أن يعمل أو يفكر أو يبدع أو يشارك في نهضة بلاده والرعاية الصحية تمثل أولوية بالنسبة لدول العالم أجمع سواء المتقدمة منها أو النامية.

فنجد دائما أن أهم ملف في مناظرات الانتخابات الأمريكية والأوروبية هو ملف الصحة ومنظومة التأمين الصحي، ومما لا شك فيه أن مصر بدأت تتخذ خطوات إيجابية في هذا الشأن منذ أعوام، بداية من توفير الدواء بوجه عام وخاصة أدوية الأمراض المزمنة وتطوير المستشفيات الحكومية ثم حملة "100 مليون صحة" والقضاء على فيروس سي ثم البدء في منظومة التأمين الصحي الشامل وحملة العربات المتنقلة للكشف على الأمراض المزمنة للمواطنين وتوجيهات السيد الرئيس المتواصلة بتطوير وتذليل معوقات تطوير صناعة الدواء.. وكل هذه إنجازات غير مسبوقة وتقدر للدولة.

ولكن ومن ناحية أخرى لدينا مشاكل أكثر إلحاحا في هذا الصدد من شأنها أن تعرقل ما تقوم به الدولة من جهد ومنها أن المستشفيات الحكومية غير قادرة على استيعاب المرضى من متوسطي ومحدودي الدخل سواء من حيث عدد المستشفيات أو الإمكانيات أو الكوادر الطبية المؤهلة.

فمع اتجاه الدولة لنظام التأمين الطبي الشامل لا بد من زيادة عدد المستشفيات وتأهيلها وهذا من شأنه أن يقلل من جشع المستشفيات الخاصة والتي أصبحت تمتص دماء المرضى دون النظر للأمانة المهنية أو قسم الأطباء.

وما كنت لأصدق مما سمعت من كثير من نوادر الاستغلال وأيضا الإهمال في المستشفيات لولا أنني رأيت ذلك مرأى العين طوال شهرين متتابعين في أحد المستشفيات الخاصة والتي يكتب عليها بالخط الواضح أنها مستشفى خيري وهي أبعد ما يكون عن ذلك وتكلفة الليلة فيها تعادل دخل أكبر الأطباء في الشهر.

إن معظم مستشفيات القطاع الخاص وبعد ظهور وباء كورونا والذي بذلت فيه الدولة جهودا كبيرة لتوفير المتاح من المستشفيات، وبعدها توفير اللقاح، حولت نفسها إلى عزل وجعلت تكلفة الليلة فيها لا يُصدق ويدخل إليها المريض فتعطيه جميع البروتوكولات الممكنة وغير الممكنة والمعروفة وغير المعروفة، بخلاف الأدوية التي لا تباع إلا في السوق السوداء وإن حدث للمريض شيء بعد أن يدفع كل ما يمتلك ويعاني من ضعف الخبرة وإهمال التمريض والأطباء معا، يقال له بسهولة ألا تعلم بأن فيروس كورونا ليس له دواء وأننا نعالج فقط الأعراض وهذا صحيح في المجمل ولكنه الحق الذي يراد به باطل ليظل المريض أطول فترة ممكنة في المستشفى.

والآن وبعد سيطرة الدولة بشكل واضح على هذا الفيروس اللعين، فإنني أناشد وزارة الصحة بتشديد الرقابة على مستشفيات القطاع الخاص وذلك من خلال توفير المستشفيات الحكومية المجهزة لاستقبال المواطنين بدون دفع مبالغ خيالية تحت الحساب أو التعامل مع أطباء غير مؤهلين وأحيانا غير متخصصين وأنا لا أطالب بتحديد أسعار الخدمات في المستشفيات الاستثمارية ولكن ومع البدء في منظومة التأمين الصحي الشامل لا بد من توفير الحد الآمن في المستشفيات الحكومية من أطباء وأجهزة وأماكن متاحة لاستقبال المرضى ولا بد من أن يشارك مستثمرو القطاع الخاص ومعظمهم أطباء في دعم تلك المستشفيات ومساندة الدولة التي وفرت له التصاريح لإقامة مستشفيات خاصة فندقية، هذا من ناحية المستشفيات.

أما من ناحية العيادات الخاصة ففيها مبالغات مضحكة تجعلك تكاد لا تصدق ما تراه، فتجد الأطباء المشهورين في التخصصات المختلفة يعلنون أسعار الكشف ألف جنيه وأن معاد الكشف بعد شهرين.. أليس هذا مضحكا؟! فلو كان المريض هنا مريضا بالقلب مثلا وحالته حرجة، فعليه أن يذهب إلى طبيب آخر أو يموت حتى وإن كان يملك ثمن الكشف.

وإن سألت لماذا هذا؟! جاءك الجواب أن الدكتور لديه كشوفات كثيرة تجعله لا يستطيع أن يراك قبل شهرين.

إنني أرغب في سؤال هؤلاء الأطباء سؤالا واحدا وهو "هل هذا يرضي ضميرك ويتوافق مع المعايير المهنية الطبية؟"، وهو أن يطلب من المريض الذي يحتاج إلى فحص فوري أن يدفع ألف جنيه وينتظر شهرين.

لماذا لا نأخذ مثلا بالدكتور مجدي يعقوب؟، الرجل الذي وهب حياته لمساعدة مرضى القلب في مركز أسوان ومن المعروف أنه لا يعادله طبيب مصري في هذا المجال، وإن أراد أن يكسب الملايين لأتت تحت قدميه ولكنه رجل عرف معنى الإنسانية وعرف معنى ورسالة الطبيب.

ألا تجدون أن الفرق بين حالة الدكتور مجدي يعقوب وما تحدثنا عنهم من أصحاب كشف الألف جنيه هو الفرق بين من يقدر نفسه ويحترم مهنته ومن لا يقدر نفسه ولا يحترم مهنته؟.

 

دكتور شريف بهجت

دكتوراه إدارة الأعمال - جامعة القاهرة

Dr.Randa
Dr.Radwa