من منا يستطيع أن ينسى دور وبسالة الشرطة في حرب أكتوبر، حيث وضع وزير الداخلية آنذاك خطة لتأمين الجبهة الداخلية في الحرب، وقام بتنفيذها عن طريق التدريبات القتالية للأمن المركزي، والتي تتمثل في التدريب على عمليات الكمين والإغارة وتمييز طائرات العدو ومقاومة الهابطين بالمظلات والدوريات الجبلية والصحراوية، وقبل الحرب بأربعة أيام عقد اجتماع بالمسؤولين بمديريات الامن لوضع خطط ثابته لتأمين البلاد اذا اندلعت الحرب وكانت الأهمية لمدن القناة.
ومن جانبة كشف اللواء ايمن حلمى مساعد وزير الداخلية الاسبق عن دور رجال الشرطة فى حرب اكتوبر المجيدة قائلا " تعتبر هذه الملحمه الوطنيه رمزا خالدا سطرها رجال القوات المسلحة ورجال الشرطه لتتناقلها الاجيال وليعلم الجميع أن هؤلاء الرجال شعارهم النصر او الشهاده فى سبيل الوطن ورفع رايات الوطن الغالى داءما والحفاظ على مقدرات شعبه العظيم".
ولن ينسى دور مدير أمن السويس في الحرب، حيث قام عندما اقترب العدو الإسرائيلي من مدينة السويس خلال الفترة بداية من يوم 15 أكتوبر وحتى يوم 23 أكتوبر، وقيام العدو بمخالفة الاتفاق الذي كان بين مصر وإسرائيل بوقف إطلاق النيران طبقا للاتفاق الدولي بينهم، حيث قاموا بأمر الرائد رفعت شتا مدير شرطة النجدة في السويس بالاتي: “حضور كلاً من المحافظ ومدير الامن على سيارة عليها علم ابيض لتسليم انفسهم للعدو الإسرائيلي وما معهم من سلاح هم وكل القوات الموجودة في السويس ولجان المقاومة الشعبية خلال نصف ساعة، والا سوف يتم ضرب مدينة السويس بالكامل بالطائرات الإسرائيلية”، فقام مدير الأمن بتكلفته بالاتصال بـ نبوى إسماعيل مدير المكتب الفني للواء ممدوح سالم وزير الداخلية وقتها، وقد كلف مدير الامن والمحافظ بأن يقوموا بمشاركة القوات ولجان المقاومة الشعبية بأن يقوموا بالدفاع عن مدينة السويس حتى أخر فرد، ولذلك قام مدير الامن بفتح مخازن السلاح وتسليم افراد المقاومة الشعبية السلاح ووقف أمام العدو صامدين، ولذلك لم يتمكنوا من دخول السويس.
وفي بورسعيد وبورفؤاد قامت قوات الإطفاء والدفاع المدني والإنقاذ، بجهد كبير في إفساد أهداف غارات العدو المكثفة على المدينة يوميا، نتيجة ضرب قواعد الصواريخ بها كل يوم تقريبا، حيث كانت تهاجمها الطائرات الإسرائيلية وهي منخفضة من جهة البحر فلا تكتشفها الرادارات وتقوم بقصف منشآت المدينة يوميا.
وضحت الشرطة بخيرة أبنائها في معركة الكرامة، وجاء على رأس قائمة شهداء الشرطة النقيب محمد عاصم حمودة، الذي استشهد أمام القسم أثناء إطلاقه الرصاص من خلال مدفعه الرشاش على قوات العدو، التي تراجعت أمامه، وكذلك زملائه الذين أظهروا شجاعة منقطعة النظير، جعلت العدو يتقهقر إلى الخلف وينسحب.
وعلى الجانب الاخر اكد اللواء احمد هشام خبير امنى حين بدأت الحرب، تطوع عدد كبير من أفراد الشرطة للاشتراك مع أفراد الصاعقة في العمليات الفدائية، وكان لقسم الدورية اللاسلكية دور بارز أشادت به قوات الصاعقة، وسجلت وثائق المعركة مدى نجاح قوات الشرطة في إحباط محاولات العدو لتعطيل أجهزة الرادار الحربية المصرية حين ألقت الطائرات الإسرائيلية كميات من الورق المفضض في المجال الجوي بمنطقة القناة للتأثير على أجهزة الرادار .
وفى مايو 1971 كلف الرئيس الراحل أنور السادات ممدوح سالم مسئولية وزارة الداخلية فى أثناء تصفية مراكز القوى التى كانت تستهدف الانقلاب على الرئيس السادات وكان أول ما فعله ممدوح سالم فى ذلك الوقت هو وضع خطة تأمين للجبهة الداخلية لخوض حرب العبور.
وبدأت بالفعل التدريبات القتالية لسرايا الأمن المركزى إعتبارا من مايو 1973 م وشمل التدريب عمليات الكمين والإغارة وتمييز طائرات العدو ومقاومة الهابطين بالمظلات والدوريات الجبلية والصحراوية وشارك فى عملية التدريب بقطاع ناصر للأمن المركزى ضباط التدريب بمركز تدريب الضباط ( النقباء / أحمد رفعت ــ وأحمد عزب ــ ومحسن العبودى وأحمد جاد ) وقبل الحرب بأربعة أيام عقد ممدوح سالم اجتماعا بالمسئولين عن قطاعات الدولة ومديريات الأمن والأمن المركزى والأجهزة الأمنية المختلفة لوضع خطط ثابتة لتأمين البلاد إذا اندلعت الحرب وكان ممدوح سالم في مكتبه (بلاظوغلي) بمبنى وزارة الداخلية على اتصال دائم بالرئيس السادات ، ولم يغادر الوزير مبنى الوزارة إلا للاجتماعات المهمة مع قيادات الدولة وعلى الفور اتخذت جميع الأجهزة الأمنية دورها بعد أن تم رفع درجة الاستعداد من اجل تأمين المنشآت المهمة والمرافق الحيوية في الدولة.
وكانت الخطط الأمنية الموضوعة تعطى اهتمامًا بالعناصر الشرطية والمواقع الأمنية في مدن القناة ( السويس والإسماعيلية وبور سعيد ) المجاورة لمنطقة سيناء والتى كان معظمها مهجرا فى ذلك الوقت وكان وزير الداخلية ممدوح سالم على اتصال بمديرى الأمن بالمحافظات التى تتعرض للمعارك مؤكدا لهم أنه لابد لعناصر الشرطة من الالتحام فيها لإتمام النصر ومشاركة المقاومة الشعبية التى تؤازر قواتنا المسلحة.
خلال ليلة 15/16 أكتوبر نجح العدو فى العبور الى الغرب وتقدمت الفرقة المدرعة بقيادة الجنرال ابراهام أدان يوم 19 أكتوبر فى اتجاه السويس على محور طريق المعاهدة وجدت المدينة نفسها فجأة على خط المواجهة الأمامى مع العدو دون سابق اعداد أو انذار وواجه جهاز الشرطة الذى كان يرأسه اللواء محيى خفاجى مدير الأمن موقفا لم يسبق أن واجهه أى جهاز للشرطة فى مصر من قبل ويكفى أن المدينة التى كان تعدادها منذ بداية حرب الاستنزاف عام 68 لا يتجاوز خمسة آلاف فرد كان معظمهم من الجهاز الحكومى ورجال الشرطة والدفاع المدنى وموظفى وعمال شركات البترول والسماد بالزيتية زاد عدد سكانها فى خلال ثلاثة أيام فقط بعد الزحف الاسرائيلى فى اتجاه الجنوب حتى بلغ أكثر من عشرين ألف فرد وحدثت هذه الزيادة المفاجئة بسبب لجوء آلاف حاشدة الى المدينة كان معظمهم من العسكريين من المؤخرات الادارية وكذا من المدنيين من مواطنى القطاع الريفى ، فى محافظتى الاسماعيلية والسويس وقد اضطر هؤلاء الى دخول السويس بعد أن أغلقت القوات الاسرائيلية رغم سريان قرار وقف اطلاق النار جميع الطرق المؤدية إلى الشمال والغرب والجنوب وقد سبب وصول هذه المجموعات الضخمة من المواطنين الى داخل السويس فجأة ارتباكا للمسئولين بالمدينة وخصوصا رجال الشرطة فقد وجدوا أنفسهم مطالبين بايجاد أماكن ايواء خالية لهؤلاء الوافدين مع حرصهم الشديد فى نفس الوقت على ألا تقتحم أى جماعة منهم بدافع الضرورة مساكن أو متاجر سكان السويس الغائبين الذين تم تهجيرهم الى مدن أخرى خارجها عام 1968 م ورغم هذه المهمة الشاقة تمكن جهاز المحافظة بالتعاون مع رجال الشرطة من تدبير اقامة هؤلاء الوافدين فى المساكن الخالية ومن توفير وسائل اعاشتهم رغم ندرة الموارد والمؤن وعندما علم المسئولون بالسويس مساء يوم 23 أكتوبر أن الدبابات الاسرائيلية وصلت الى منطقة شركات البترول بالزيتية بعد أن مرت على السويس من الخارج وأنها فى طريقها الى ميناء الأدبية أخذوا يستعدون لتلقى الهجوم الاسرائيلى الذى قدروا أنه سوف يبدأ حتما فى اليوم التالي .
وأصدر مدير الأمن تعليماته بالتأهب والاستعداد الى جميع أقسام الشرطة ووحداتها وأصبحت غرفة عمليات الدفاع المدنى بميدان الأربعين التى كان يتولى ادارتها المقدم فتحى غنيم مقرا لقيادة الدفاع الشعبى وتأهبت أجهزة الاطفاء والانقاذ لأداء واجباتها خلال الغارات الجوية وعندما اكتشف مدير الأمن ان المتطوعين للدفاع عن المدينة فى حاجة الى السلاح أمر بفتح جميع مخازن الشرطة وأن تسلم الأسلحة والذخائر للقادرين على حملها واستخدامها.
وعلى أثر نجاح العدو يوم 23 أكتوبر فى قطع الاتصالات السلكية فى القاهرة ، أصبحت الشبكة اللاسلكية الخاصة بشرطة النجدة هى حلقة الاتصال الوحيدة بين السويس والقاهرة. وكان الرائد رفعت شتا يتولى هذه الوحدة اللاسلكية ويعاونه الملازم أول عبد الرحمن غنيمة وتحت قيادته 18 ضابط صف وجنديا.
فعندما وصل المحافظ فى الصباح وبرفقته مدير الأمن الى غرفة الدفاع المدنى تلقى انذارا من ضابط اسرائيلى تحدث اليه عن طريق الهاتف من شركة قناة السويس لتصنيع البترول. وكان الانذار يطالب المحافظ بتسليم المدينة فى خلال نصف ساعة وأن عليه الحضور هو ومدير الأمن والقائد العسكرى للسويس فى سيارة عليها علم ابيض وبصحبتهم جميع المدنيين فى المدينة الى الاستاد الرياضى واذا لم يتم ذلك فى خلال نصف ساعة فسوف تضرب المدينة بالطيران ويتعرض كل سكانها للابادة واتصل المحافظ هاتفيا بالرائد شرطة رفعت شتا قائد الوحدات اللاسلكية وطلب منه ابلاغ المسئولين فى القاهرة بالانذار الاسرائيلى الذى تلقاه لتسليم المدينة. وقام الرائد شتا فى الحال بابلاغ الرسالة الى العميد محمد النبوى اسماعيل مدير مكتب ممدوح سالم رئيس الوزراء ووزير الداخلية وبعد مرور 20 نحو دقيقة تلقى الرائد شتا رد القاهرة وكان نصه كما يلى: لا تسليم .. بمعرفة المحافظ يتم الدفاع عن السويس وعلى المحافظ ومدير الأمن الانضمام الى المقاومة الشعبية.
فى خلال حرب أكتوبر المجيدة عام 73 أسندت الى جهاز الأمن المركزى مسئولية كبرى وهى حماية مؤخرة القوات المسلحة وتأمين خطوطها الخلفية ضد أى عمليات للتسلل أو التخريب من جانب العدو وقد قامت قوات الأمن المركزى بأداء المهام الجسيمة التى أوكلت اليها بكفاءة بالغة ووطنية صادقة وقد تم تكليف الأمن المركزي.
وتم تشكيل مجموعة كبيرة من الأمن المركزى بقيادة العقيد لطفى عبد الفتاح عطية بهدف تأمين منطقتى الاسماعيلية وبورسعيد وكان اجمالى القوة 34 ضابطا و1196 من ضباط الصف والجنود. وقد ارسلت فور قيام القوات الاسرائيلية بالعبور من ثغرة الاختراق بالدفرسوار الى الضفة الغربية للقناة ليلة 15/16 أكتوبر وتم تخصيص المهام المسندة اليها بالتنسيق بين قائدها واللواء أ. ح عبدالمنعم خليل قائد الجيش الثانى ونظرا لخطورة المناطق التى تقرر أن تتمركز فيها هذه القوات بالنسبة لقربها الشديد من ساحات المعارك غرب القناة فقد روعى تقوية تسليحها لاحتمال تعاملها مع قوات العدو ودباباته وهكذا تم تزويد أفرادها علاوة على البنادق الآلية بعدد من الهاونات 60 مم والرشاشات الخفيفة والبنادق ذات الوصلات المضادة للدبابات ، والقنابل اليدوية وزجاجات المولوتوف والقنابل المضادة للدبابات(وتم تدريب ضباط الأمن المركزى الموجودين مع تشكيلاتهم فى بورسعيد والإسماعيلية على كيفية التعامل مع دبابات العدو بالقنابل طراز حسام وذلك بمعرفة ضباط من القوات المسلحة بالتنسيق مع الجيش الثانى الميدانى .
وصدرت الأوامر لقوات الامن المركزى بأعمال حراسة وتأمين طريق الاسماعيلية - القاهرة الزراعى الممتد شمال ترعة وتأمين المنشآت والأهداف الحيوية فى مدينتى الاسماعيلية والقنطرة غرب ومنطقة أبو خليفة ومنطقتى الكاب والتينة ومدينة بورسعيد .وكذلك تأمين الطرق الفرعية المؤدية الى طريق القاهرة الاسماعيلية الزراعى والقرى الواقعة فى الاراضى الزراعية .