أجرى د. مجدي عبد الجواد الداغر أستاذ الإعلام وتكنولوجيا الاتصال المساعد بكلية الآداب جامعة المنصورة، دراسة مهمة بعنوان: "أطر المعالجة الصحفية للعمليات العسكرية للقوات المسلحة المصرية ضد التنظيمات الإرهابية في سيناء "العملية الشاملة 2018م نموذجاً"، والتي استهدفت رصد أطر المعالجة الصحفية للعملية الشاملة التي تقوم بها القوات المسلحة المصرية ضد التنظيمات الإرهابية في سيناء، وذلك من خلال التعرُّف على مدى تلبيتها للحاجات المعرفية للقراء عن مجريات الأحداث المثارة، ومدى تركيز تلك المعالجة على أهداف وأحداث بعينها دون غيرها، ومدى معالجة مواقع الصحف المصرية على شبكة الإنترنت لجذور المشكلة وأسبابها وأطر حلولها، ومدى ارتباط التغطية بالضوابط المهنية والأخلاقية، وكذلك حجم الأطر المستخدمة في المعالجة بالتطبيق على العملية العسكرية "سيناء 2018م" .
في البداية يستعرض الباحث جهود القوات المسلحة المصرية في مكافحة الإرهاب في سيناء بعد أحداث يناير 2011، حيث كانت أولى خطوات المجلس الأعلى للقوات المسلحة نحو تطهير سيناء من التنظيمات الإرهابية في أغسطس 2011، مع إطلاق أول عملياته المعروفة بـ "نسر 1"، والتي قادها الفريق "أحمد وصفي" قائد الجيش الثاني الميداني السابق بضرباتٍ استباقية في نقاط تمركزها في مدن العريش والشيخ زويد ورفح.
ورغم نجاح العملية العسكرية في مهامها، إلا أنها لم تتمكن من القضاء على هذه التنظيمات بشكلٍ كامل، حيث استطاعت هذه التنظيمات التحرك داخل الوديان والجبال، واستخدام سيارات الدفع الرباعي، وهو ما كان سبباً في عدم تمكن الحملات العسكرية من ملاحقة جميع العناصر الإرهابية في سيناء قبل أن تشارك طائرات "الأباتشي" وطائرات "إف 16" في العمليات العسكرية في سيناء عام 2018.
وقد استطاعت الحملات العسكرية المكثفة التي قامت بها القوات المسلحة المصرية قبل العملية الشاملة سيناء 2018 تصفية عدد كبير من قيادات تنظيم "أنصار بيت المقدس"، وكان أبرزهم "أبو دعاء الأنصاري" الذي أعلن المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة نجاح وحدات الجيش في استهدافه مع 45 عنصراً آخرين من عناصر التنظيم في أغسطس 2016، و"أبو دعاء الأنصاري" هو نفسه “محمد فريج” شقيق مؤسس التنظيم "توفيق فريج"، وهو ينتمي إلى قبيلة السواركة أكبر قبائل شمال سيناء.
وفي عام 2015، أعلنت خمس جماعات إرهابية تحالفها حيث قامت بتشكيل ما عُرِف بـ"تحالف حركة المقاومة الشعبية" ويضم التحالف "حركة المقاومة الشعبية"، وحركة "حسم" وحركة "العقاب الثوري" وحركة "ثوار بني سويف" و"كتيبة الإعدام".
وركز هذا التحالف في عملياته على استهداف ضباط الشرطة ومؤسسات اقتصادية داخل المدن في محاولةٍ لإضعاف هيبة الدولة والنيل منها.
وقد نشر التحالف قائمةً بأسماء الضباط المستهدفين مصحوبةً بصورهم في فبراير2015، كما دشن التنظيم هاشتاجا على منصة «تويتر» بعنوان "الحصار الاقتصادي"، والذي صاحبه إحراق عددٍ من المصانع، وتدمير أبراج الاتصالات ومولدات الكهرباء، وذلك تمهيداً للهدف الأكبر وهو استهداف ضباط الجيش الذين يرفضون التعاون مع هذه التنظيمات المعادية للدولة المصرية.
وعلى الرغم من جهود الأجهزة الأمنية المصرية في التصدي للتنظيمات الإرهابية بعد أحداث يناير 2011، وحتى الإعلان عن العملية الشاملة "سيناء 2018"، إلا أن هناك عوامل كثيرة كانت تحول دون القضاء على البؤر الإرهابية بشكلٍ كامل من بينها العلاقة القديمة التي تجمع بين "جماعة الإخوان" الإرهابية والجماعات الجهادية، وخاصةً بعد أن تصدرت "جماعة الإخوان" المشهد السياسي عام 2011، واستحواذها على أغلبية مقاعد البرلمان في انتخابات عام 2012، وضغوطها للإفراج عن جميع أعضاء الجماعة المحبوسين في السجون، ثم كان انتخاب رئيس الدولة من بين أعضاء الجماعة عقب انتخابات مشكوك في نزاهتها، والذى أصدر عقب حلف اليمين الدستورية في يوليو 2012 قراراً بالعفو عن عناصر الجماعات الجهادية المحكوم عليهم بالسجن في قضايا عنف وإرهاب وغيرها.
وبعد اندلاع مظاهرات ثورة 30 يونيو 2013، والتي استهدفت إقصاء "جماعة الإخوان" عن الحكم ومحاكمة عناصرها المتورطين في قضايا عنف وإرهاب وتخابر مع جهات أجنبية معادية، قامت المنظمات الإرهابية بعديدٍ من العمليات بهدف تفتيت الجبهة الداخلية، جاء معظمها حول فكرة الثأر من النظام السياسي الحاكم ومحاولة دعم "جماعة الإخوان" من خلال مجموعات تعرف بالذئاب المنفردة، وهى التي مثلت نقلة نوعية في الاستراتيجية الدفاعية لهذه التنظيمات، وقد حاولت أن تمارس ضغوطاً على النظام السياسي لإثبات إمكانية الوصول إلى عمق الدولة في الدلتا والصعيد، والقيام بعشرات العمليات بعيداً عن أعين المؤسسات الأمنية، فيما كان قطاع وادي النيل بعيداً عن استهداف التنظيمات الإرهابية والتي ركزت نشاطاتها في سيناء والمناطق الحدودية، حيث كشفت هذه التحولات عن مرحلة أكثر تقدّمًا في المواجهة بين الدولة والتنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم "داعش"، فضلاً عن عددٍ من التنظيمات المحلية والتي تمكنت من اختراق المنظومة الأمنية بنقل نشاطها الإرهابي من سيناء إلى الدلتا والصعيد، واستطاعت تنفيذ عشرات العمليات التخريبية في القاهرة والجيزة والمنصورة والشرقية، والتي كانت أحد دوافع القوات المسلحة للقيام بالعملية العسكرية الشاملة "سيناء 2018" .
وفي أبريل2017، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارًا بتمديد العمل بقانون الطوارئ بعد حادثيْ الاعتداء على كنيستيْ طنطا والإسكندرية لمدة ثلاثة أشهر وفق الإجراءات المنصوص عليها في الدستور المصري، وصاحب ذلك تكثيف استخدام القوات الجوية في عمليات استهدفت العناصر الإرهابية في شمال سيناء، وتكليف فرق العمليات الخاصة بالكشف عن أماكن اختباء العناصر الإرهابية في مناطق "رفح" و"الشيخ زويد"، حيث تم تدشين الوحدة (888) وهى مجموعة قتالية عالية التسليح والتجهيز والتدريب تقوم على مكافحة الإرهاب من خلال الإغارة على أوكار الإرهابيين في منطقة "جبل الحلال" بسيناء، ثم الانسحاب السريع دون الدخول في معارك مع عناصر التنظيم.
وتمهيداً للعملية العسكرية "سيناء 2018"، قرر الرئيس السيسي إقامة شريطٍ عازل على الحدود المصرية مع قطاع غزة، بعمق 500 متر وبطول 14 كيلومتراً لمنع تسلل العناصر الإرهابية إلى الأراضي المصرية، وهو ما تطلب هدم 880 منزلاً ونقل سكانها إلى مناطق أخرى، وتكليف الحكومة بصرف تعويضات مناسبة لهم، بالإضافة إلى تدمير جميع الأنفاق المتاخمة للحدود المصرية مع قطاع غزة.
وقد استهدفت العملية الشاملة "سيناء 2018" القبض على عناصر وقيادات تنظيم "داعش" ومرجعياته الشرعية التي تتولى التأصيل الديني لعملياته، ورصد معسكرات التدريب وأساليب التجنيد والتمويل، والقبض على العناصر المعاونة التي يتم استخدامها في جمع المعلومات عن تحركات الوحدات العسكرية وأماكن تواجد القيادات الأمنية، وهو ما ساعد على تقليل عدد العمليات التي كان ينفذها التنظيم داخل سيناء، ومن ثم إعادة الحياة تدريجياً إلى مدن سيناء، وفرض السيطرة الأمنية عليها بعد أن كانت في أيدى التنظيمات الإرهابية منذ يناير2011؛ حيث نجحت القوات المسلحة المصرية في توجيه ضربات قوية لبؤر التنظيم استهدفت تقليص دور تنظيم "ولاية سيناء" في سيناء، بعد هدم أكثر من 85% من الأنفاق، وهو ما يعنى أن غالبية عناصر التنظيم قد عادوا إلى قطاع غزة لاحتمالات محاصرتهم وسقوطهم في قبضة الجيش المصري، فالبيئة الآمنة التي كان توفرها لهم "جماعة الإخوان" في سيناء لم تعد لها مكان بعد إعلان القوات المسلحة المصرية عن العملية الشاملة "سيناء 2018".
وقد تزامن ذلك مع إعلان قيادة الجيش الليبي في ديسمبر 2018، القبض على مؤسس تنظيم "المرابطون" هشام عشماوي، ضابط الجيش المصري المفصول المكنى بـ"أبو عمر المهاجر"، وحارسه الشخصي صفوت زيدان، ومساعده مرعي زغيبة المكنى بـ"أبو جعفر الليبي"، وإيداعهم سجن "قرنادة"، أكبر السجون العسكرية في ليبيا؛ ويقع جنوب مدينة "شحات" بالشرق الليبي، تمهيداً لترحيلهم إلى القاهرة في 29 مايو 2019، عقب زيارة اللواء عباس كامل رئيس المخابرات العامة المصرية إلى ليبيا، وقد تم تنفيذ حكم الإعدام في هشام عشماوي في 4 مارس 2020.
وخلال القبض على هشام عشماوي وقبيل إعدامه قامت التنظيمات الإرهابية في 2020 بتنفيذ تسعة وثلاثين هجوماً على مرتكزات للجيش المصري في سيناء، أسفرت عن استشهاد نحو خمسة وثلاثين عسكرياً ومدنياً، وإصابة خمسة وعشرين آخرين، وقد توزّعت هذه الهجمات على مساحة جغرافية تمتدّ من "بئر العبد" على مسافة أقل من 50 كيلو متراً شرق قناة السويس، إلى رفح على الحدود مع غزة، واستهدفت حواجز التفتيش بالأدوات المتفجّرة، والتي تؤدّي أحياناً إلى وقوع ضحايا في صفوف الضباط والجنود، كان أبرزهم استشهاد العميد مصطفى عبيدو، قائد اللواء 134 مشاة بالجيش الثاني الميداني الذي يقع شمال سيناء.
وتُعد منطقة "بئر العبد" والقرى المحيطة بها هدفاً لعناصر تنظيم "داعش" بعد أن اتخذت الأجهزة الأمنية إجراءات حازمة تمثلت في إنشاء جدار العريش، وتأمين منطقة حرم المطار، وتدشين ارتكازات بشكل عرضي جنوبي المدينة، وتمكنها من إنهاء خطر استخدام الأنفاق مع قطاع غزة لتهريب الأسلحة والعناصر الإرهابية وغيرها.
ومن جانبه أعلن العقيد تامر الرفاعي المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية في 5 مايو 2020 القضاء على 19 إرهابياً في عمليات عسكرية جرت في شمال سيناء، مصحوبة بقصف جوي، عقب انفجار عبوة ناسفة في مدرعة بمحيط مدينة بئر العبد، وسقوط 10 جنود ما بين قتيل وجريح، وقال إنه جرى تنفيذ عمليتين نوعيتين، أسفرت الأولى عن مقتل 3 أفراد تكفيريين شديدي الخطورة، وقد عثر بحوزتهم على أسلحة آلية وذخائر وقنابل يدوية، فيما نفذت القوات الجوية عدداً من الضربات نتج عنها مقتل 16 إرهابياً، وخاصةً بعد أن أعلن تنظيم "داعش" قبل العملية العسكرية مسؤوليته عن هجمات سابقة استهدفت مناطق "قصرويت" و"تفاحة" و"بئر العبد".
وفي 30 أغسطس 2020 عاودت الجماعات الإرهابية استهداف مدرعة عسكرية بعبوة ناسفة على طريق "بئر العبد" أسفر عن استشهاد ثلاثة ضباط وخمسة جنود، بعدها قامت القوات المسلحة باستهداف موقع لتنظيم «داعش»، أسفر عن مقتل 77 عنصراً تكفيرياً، وقد نشرت صحيفة "النبأ" الناطقة باسم التنظيم تلك العمليات تحت عنوان "بئر العبد تبتلع الآليات".
إن القوات المسلحة المصرية خاضت على مدار سنواتٍ طِوال بدايةً من 2011، وحتى وقتٍ قريب حربًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى شاركت فيها كل الأسلحة والقوات والمعدات ضد عديد من التنظيمات الإرهابية هي الأكثر تدريباً، وتمتلك أحدث المعدات والآليات بل وتتضمن وحدات خاصة لتصوير اللقطات الحية للعمليات، التي تقوم بها لنشرها وإذاعتها، ودفعت القوات المسلحة الكثير من دماء أبنائها لكى توفر البيئة الآمنة لكل المصريين ولكي تحمي حدود الدولة المصرية ضد كل المتسللين الذين يرغبون في إشاعة الفوضى في عموم البلاد.
إن العبور الجديد للقوات المسلحة المصرية لعصر ما بعد الإرهاب لم يكن سهلاً ميسوراً بل كان طريقاً وعرًا تحوطه الصعاب، ولكن أبطال مصر ورجالها الأشداء كانوا –ولا يزالون- عند حسن ظن المصريين والعالم بهم.
ونستكمل الأسبوع القادم استعراض هذه الدراسة المهمة.