شماس: لقد نشر محمد عقيدة جميلة ونبيلة تدعو إلى الإنسانية، وثقافتنا العربية الإسلامية تدفعنا إلى حب هذا النموذج الرائع..
جمعتني صداقة وطيدة امتدت لعشرات السنين بالشاعر السوري العزيز جاك صبري شماس الذي عاش سبعين عاما معظمها في خدمة اللغة العربية ( 1947- 2017 ) كنا نتراسل بريديا، ولم نلتق وجها لوجه قط، برغم زياراتي المتعددة لسورية الشقيقة.
كنا نتبادل القصائد قبل أن ننشرها، وربما أبدى أحدنا للآخر نصيحة أو توجيها يجعل مسودة قصيدته في وضع أفضل حال نشرها.
وفاجأني ذات مرة بإرساله لي – بخط يده - قصيدة فذة في مدح رسول الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لم يكن قد نشرها بعد. فاندهشت لهذه الروح العروبية التي كنت أشعر بها كثيرا في تعاملي مع معظم الأصدقاء من الأدباء والإعلاميين السوريين بنحو خاص.
وشاعرنا جاك صبري شماس وُلد في مدينة الحسكة في عام 1947م/ من عائلة سريانية أرثوذكسية ونشأ بالحسكة وعاش بها طوال حياته. وقد تخصص في الجامعة في دراسة اللغة العربية حتى تخرج في جامعة حلب عام 1974. ثم عمل مدرّسًا للغة العربية في بلده محافظة الحسكة.
وكان الشاعر عضوا في جمعية الشعر لاتحاد الكتاب العرب كما كان عضوا في المكتب الفرعي لاتحاد الكتّاب بالحسكة، وقد صدر لصديقنا الراحل عدد كبير من الدواوين أهمها:
جراح الخابور، 1980
الدرس الخاص، 1984
الأصوات، ديوان للأطفال، 1991
زنابق لفداء القلب، 1992
هواجس في أعماق شاعر، 1994
هروس المدائن، 1996
قصائد حب، 1997
وقد نال جائزة خادم الحرمين الشريفين عام 2002م. وجائزة نادي الطائف الأدبي في السعودية عام 2005م.
وفى معرض حديثه عن قصيدته «خاتم الرسل» التى تقدم بها فى عام 2010، لمسابقة «البردة النبوية» التى تنظمها وزارة الثقافة الإماراتية، يقول «شماس»: «أنا ثقافتى عربية إسلامية، وإذا مدحت رسول الإسلام محمداً، فذلك لأنى أحبه»، متسائلاً: «كيف لا أحب إنساناً بهذا المستوى النبيل من الإنسانية والخلق؟، وأضاف: «لقد نشر محمد، عقيدة جميلة ونبيلة تدعو إلى الإنسانية، وثقافتنا العربية الإسلامية تدفعنا إلى حب هذا النموذج الرائع، ولقد كتبت هذه القصيدة لأعبر بها عن حبى لهذا الرجل ولم يكن هدفى أبداً نيل جائزة المسابقة، والدليل على ذلك أنى كتبت أبياتها قبل الإعلان عن موعد أو شروط هذه المسابقة بزمن بعيد».
يقول جاك صبري شماس في مفتتح قصيدته تلك :
يممت طه المرسل الروحانى ....ويجل طه الشاعـر النصرانـى
يا خاتم الرسل الموشح بالهدى ....ورسول نبلٍ شامخ البنيان
فهو يبدأ قصيدته بهذا المطلع الصادق النابع من القلب، الذي يقف عند حدود المشاعر ولا يتعداها إلى الاختلاف العقائدي الذي قد يعوق غيره من غير المسلمين من مدح نبي الإسلام.
ثم يقول :
أنا يا (محمد) من سلالة يعرب....أهواك دين محبةٍ وتفان
وأذود عنك مولهاً ومتيماً ......حتى ولو أجـزى بقطع لسانى
أكبرت شأوك في فصيح بلاغتي .....وشغاف قلبي مهجتي وبياني
فهو يحب دين الإسلام لحبه لنبي الإسلام، لأنه تعلم من البلاغة العربية التي جاء بها القرآن الكريم، وتجلت في الأحاديث النبوية
ووجه حبه للنبي العربي لأنه مثله عربي يقدر البيان العربي والبلاغة النبوية فيقول :
أكبرت شأوك في فصيح بلاغتي ....وشغاف قلبي مهجتي وبياني
وأرتل الأشعار في شمم الندى.....دين تجلّى في شذى الغفران
وتسامح يزهو ببرد فضيلة......وشمائل تشدو بسيب أغان
أغدقت للعرب النصارى عزة.....ومكانة ترقى لشمّ معان
وأنرت درباً ناضراً برسالة .....مسك الرسول وخاتم الأديان
وزرعت في قلب الرعية حكمة.....شماء تنطق في ندى الوجدان
فهو في هذه الأبيات يذكر للرسول العربي كيف كان رحيما ودودا مع المسيحيين العرب، لم يظلمهم، ولم يرض أن يظلمهم أحد، فكان جديرا بحب كل عربي نصراني لهذه المواقف النبيلة التي يمكن التماسها في كتب السير والتاريخ.
ويكشف الشاعر لنا عن سر حبه للنبي العربي الذي آخى حبه في قلبه بين السيدة فاطمة الزهراء ابنة النبي والسيدة مريم العذراء أم المسيح فكلتاهما عربيتان، وإذا حاول أجنبي إيقاع الفتنة بين العرب المسلمين والعرب المسيحيين فما أجدر فتنته تلك بأن توأد في مهدها
يقول شاعرنا :
أودعت يمنك فى حدائـق مقلتـى ....ووشمت مجدك فى شغاف جنـان
ونذرت روحـى للعروبـة هائمـاً .....بالضـاد والإنجـيـل والـقـرآن
ونقشت خلق محمد بمشاعـرى....ودرجت أرشف كوثـر الرحمـن
وشتلت فىدوحالتآخـىأحرفـى.....أختال زهـواً فى بنى قحطان
آخيت فاطمة العروبة فى دمـى....وعفاف مريم فى فـؤاد كيانـى
ولئـن تغطـرس أجنبـى حاقـد.....كفقاعة الصابـون فـى الفنجـان
وإذا قرأتـم للـرسـول تحـيـة ......فلتقـرئوه تحية النصـرانـى
مهما مدحتـك يا رسـول فإنكـم.....فوق المديح وفـوق كـل بيان