الخميس 21 نوفمبر 2024

ثقافة

فيروز ونور الهدى ووديع الصافى: مسيحيون غنوا للإسلام وفى مدح الرسول

  • 14-10-2022 | 14:08

فيروز

طباعة
  • محمد دياب

ثمة ظاهرة غنائية في تاريخ الغناء العربي في القرن العشرين - وإن كانت محدودة - ملفتة للنظر، وهي اتجاه بعض المطربين الكبار ممن يدينون بالديانة المسيحية إلى الغناء الدينى الإسلامى، فى أعياده ومناسكه، مدحا في الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم" في ذكرى مولده الكريم، أو للحج والحجاج، ولعيدى الفطر والأضحى وشهر رمضان الكريم، على رأس هؤلاء تأتي المطربة نور الهدى والمطربة فيروز ووديع الصافى، وجميعهم من لبنان، ومن مصر الموسيقار ميشيل المصرى الذي وضع الموسيقى التصويرية لنحو خمسة مسلسلات إسلامية، في مناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف نخصص هذا الموضوع لما قدمه هؤلاء مدحا في النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

 

هذه الظاهرة وإن كانت فرضتها بشكل أو بآخر ظروف إنتاج سينمائية كما حدث مع المطربة نور الهدى التي قدمت أكثر من أغنية سينمائية إسلامية في السينما المصرية، أو ظروف إذاعية كما مع المطربة فيروز في بداياتها الإذاعية حيث قدمت مجموعة من الأغنيات الدينية الإسلامية، لكن هؤلاء وبعد زوال تلك الظروف ومعهما المطرب وديع الصافى اختاروا طواعية تقديم اللون الغنائى نفسه، وهذا الأمر يدل على نفوس يملؤها التسامح، فكما غنت فيروز ونور الهدى ووديع الصافى فى الأعياد المسيحية وللسيدة العذراء مريم، غنوا للأعياد الإسلامية وفي مدح الرسول.

 

المطربة فيروز فى النصف الأول من خمسينيات القرن العشرين، سجلت لإذاعة "الشرق الأدنى" ولإذاعة دمشق مجموعة من الأغنيات الدينية الإسلامية، حسب ما كانت تقتضى الأمور في المناسبات الدينية، فى السنة الهجرية الجديدة أو فى موسم الحج أو فى شهر رمضان أو في مولد الرسول، ومن بين تلك الأعمال التي تضمنت مديحا في الرسول 

قدمت في مناسبة المولد النبوى الشريف من ألحان توفيق الباشا ومن أشعار أمير الشعراء أحمد شوقي  "الإنشادية النبوية" سجلتها لحساب إذاعة "الشرق الأدنى" وهي إذاعة بريطانية ناطقة بالعربية كانت تبث من حيفا ثم بيروت منذ 1942، وتسجيل العمل مفقود، فحسب ما ذكر توفيق الباشا لكاتب هذه السطور أن تسجيل العمل فقد بعد إغلاق الإذاعة عام 1956 بعد العدوان الثلاثى.

 

ولحساب إذاعة دمشق قدمت فيروز الصورة الغنائية "حليمة السعدية" مرضعة الرسول، من كلمات وألحان الأخوين رحبانى، وتحكي فيها كيف اختارت السيدة حليمة السعدية الطفل الرضيع محمد لتكون أما له بالرضاعة حولين كاملين، والصورة الغنائية هي تمثيلية إذاعية مدتها تتراوح ما بين الربع ساعة والنصف ساعة وتتضمن مشاهد تمثيلية وأغانى، في ختام هذه الصورة تنشد فيروز بمشاركة الكورس فى مدح الرسول : "هذا اليتيم لا يمسه المعتدون / هذا اليتيم لا يطوله الحاسدون / هذا اليتيم  يوحد العرب ويحمل الحق / والهدي والحب والبر والصدق / هذا اليتيم للمدى ينشر الضياء / هذا اليتيم عمره البشر والسناء / مولده الخير والخير نجواه مولده البكر والله يرعاه / هذا اليتيم هو النبي الكريم ". 

 

  العمل الثالث الذي خصته فيروز في مدح الرسول كانت قصيدة "الهجرة" من شعر ابن جبير الأندلسي الذي كتبها من وحي رحله قطعها الي مكة لأداء فريضة الحج ، ومطلعها عنوانه "أقول وآنست بالليل نار"  من ألحان الأخوين رحبانى قدمتها _ بحسب الباحث الدكتور محمود زيباوى - في ذكرى المولد النبوى الشريف عام 1953 فى إذاعة "الشرق الأدنى"  وفيها مدحت الرسول قائلة على لسان ابن جبير :" جرى ذكر طيبه ما بيننا فلا قلب في الركب إلا وطار / حنينا إلي أحمد المصطفى وشوقا يهيج الضلوع استعارا / ولما حللنا فناء الرسول نزلنا بأكرم خلق جوار / وقفنا بروضة دار السلام نعيد السلام عليها مرارا / إليك إليك نبي الهدى ركبنا البحار وجوبنا القفار / دعانا إليك هوى كامن أثار من الشوق ما قد أثار".

 

في العام 1966 ختمت فيروز أغنياتها الإسلامية بقصيدة "غنيت مكة" التي كتبها شاعر مسيحى هو سعيد عقل ولحنها الأخوان عاصي ومنصور الرحبانى وهما مسيحيون، وغنتها فيروز المسيحية أيضا في سابقة هي الأولى من نوعها، وكان سعيد عقل كتبها بطلب خاص من فيروز، التي أرادت إكرام المخرج صبرى الشريف الذي عمل معها والأخوان رحبانى منذ مطلع الخمسينيات، حين قالت لسعيد عقل حسب ما روى فى لقاء تليفزيونى له: "بتذكر أن فيروز قالتلى صبرى الشريف، يا أستاذ أخرج لنا كل الاغانى اللى قدمناها للكنيسة، ولو هالمسلم هاد ما لازم نلغيلوا ديانته، فكتبت إكراما له القصيدة". 

نور الهدى 

 

 المطربة ألكسندرا نيقولا بدران المعروفة باسم نور الهدى، هي بحق المطربة المسيحية الديانة صاحبة الرقم القياسى في تقديم أغنيات إسلامية، فقد قدمت أكثر من خمس عشرة أغنية، في أفلامها السينمائية وفي التسجيلات الإذاعية، والحفلات وعلى الأسطوانات، من بين تلك الأعمال التي قدمتها في السينما  أغنية  "تباركت يا رب من خلق صنعت فأبدعت أبهى الصور" من كلمات فتحية شريف ألحان رياض السنباطى، و "يا رب سبح بحمدك كل شىء حي" من أشعار بيرم التونسى ومحمد الكحلاوى، وأغنيتها المشهورة "هل هلال العيد عالإسلام سعيد" شعر بيرم التونسى وألحان فريد الأطرش، وأغنية "مبروك يا حاج وعقبالنا نحجها ويرتاح بالنا" كلمات حسن توفيق و ألحان عبد العزيز محمود، وعن الحج أيضا قدمت ثلاث أغنيات أخرى هم : "نادتنا لبيك يا ربنا لبيك وعلى جبل عرفات يارافع السموات وقفنا ونقول لبيك" من كلمات محمد على فتوح وألحان شفيق أبو شقرا، وقصيدة "موكب النور"  التي تقول فيها: "نادى من الغيب الندى وانساب في صحو العبير يدعو إلى حرم الهدى يدعو الحجيج إلى المسير". 

 

كما قدمت مجموعة من الابتهالات  منها "يا خالق الطيوب" و "يا رب يا رحمن يا مبدع الأكوان"  و "يا مدبر الكون" و "مزيدا من النور يا خالقى" و "قد دعوناك يا سميع الدعاء" و "سبحان ربى العليم"  الذي قدمته في فيلم "قبلنى يا أبى".

 

وفي قصيدتها " رتلو آي الكتاب"  التى وضع لحنها رياض السنباطى، وكتب أشعارها  الصاوى شعلان الذي قام بمهمة ترجمة قصيدة " حديث الروح" للشاعر الباكستانى محمد إقبال إلى العربية ليلحنها السنباطى وتغنيها السيدة أم كلثوم، تقول بعض أبياتها التي تضمنت مدحا فى الرسول:"رتلوا أى الكتاب المنزل / وانشدوا في المجد أعلى منزل / فهو ميراث النبى المرسل/ سيد الأكوان شمس المرسلين / شرعة الحق ونبراس الوآم / هو للدنيا وللآخرة سلام / وحيه بعث لأجيال الأنام".

 

وديع الصافى

 

بعد النجاح الكبير الذي حققته قصيدة فيروز عن مكة المكرمة، وبعد أشهر قليلة  قدم المطرب وديع الصافى قصيدة تحمل الاسم نفسه "مكة"  من أشعار حسن عبد الله القرشى وألحان وديع الصافى وغنائه تقول بعض أبياتها التي تتضمن إشارة إلى النبى الكريم : "تهادى على راحتيها الصباح وشعشع في شفتيها القمر / وأزهت بها الشمس فوق البطاح وجن بها الليل حلو الصور / وفيها انجلى الحق للعالمين وفاض الضياء وانتشر / بها كعبة الله طافت بها قلوب تحن وأزهت عصر / فيا جبل النور كم ذا شهدت من المعجزات وكم ذا ظهر / تحدت ففي الغار شع اليقين وقد تفلق الذكريات الحجر".   بعدها قدم  قصيدة عن شهر الصيام "رمضان" من شعر موفق شيخ الأرض وألحانه وغنائه، تقول بعض أبياتها : "هامت الروح ورقت أعين وتسامت بالأمانى أجفن/ وعلى الدنيا صلاة كبرت مقرىء يتلو وشعب مؤمن/ صائمو الشهر والتقوى رؤى عابقات طاب فيها الشجن " هذه القصيدة تحديدا قدمها وديع الصافى فى حفلاته في دار الأوبرا المصرية مع مجموعة من الابتهالات الدينية الإسلامية، بعضها قريب جدا في قالبه من الابتهالات التي كان يقدمها الشيخ النقشبندى من بينها ابتهال "الله قادر الله جابر سبحان ربى إنه مع كل صابر" من شعر جورج رجى، وابتهال "رحيم يا رحيم كريم  يا كريم يا رب يا حنان "  وابتهال " يا ذا العلا والكرم ندعوك كشف الظلم " وأيضا ابتهال  "يارب سبحت باسمك في الآصال والسحر".

 

 وفي الختام لن ننسى المطربة ليلى مراد التي غنت في حب حفيدة الرسول السيدة زينب رضي الله عنها، حين شاركت الموسيقار زكريا أحمد غناء توشيح "يا ست نظرة " في فيلم "ليلى بنت الفقراء" عام 1945 وكانت ليلى وقتها مازالت على ديانتها اليهودية قبل أن تعتنق الإسلام عام 1946.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة