الجمعة 19 ابريل 2024

«طاغور» وأشياء أخرى..!!

مقالات15-10-2022 | 18:55

وارتفع صوته ممتزجا بحدة وغضب <هِوَّ أنا هندي ..! >يريد أن ينفي عن نفسه تهمة السذاجة وضيق الفهم، ولو أدار عينه نصف دقيقة لأدرك خطيئة ما قال؛ فهذه الأمة التي يتجاوز تعدادها المليار نسمة من كبرى الدول المتحكمة في سوق البرمجيات العالمي، ومعظم خبراء البرمجيات في العالم الغربي هنود، والسينما الهندية تضارع السينما الأمريكية رغم ما تصدِّره لنا وسائل الإعلام من صورة الممثل الهندي الشهير يحمل على كتفه تمساحا مكتوف الفكين سائراً به وسط المار!! هي سينما بمذاق شرقي تحرك المشاعر ؛ تنتصر للعدل وتنتهي بفوز المظلوم، وكنت كلما سنحت لي الفرصة في بغداد أسرع ورفيقي الشاعر محمد المصيلحي إلى دخول سينما متخصصة في عرض الأفلام الهندية؛ لإزالة ما علق بقلوبنا من صدأ الغربة ببعض الدموع!! هكذا كان يبرّر المصيلحي تعجُّله الذهاب..! لنتجاوز ذلك كله، وكذلك مقولة الزعيم الهندي < نهرو > إن الهند أفقر من أن توفر ميزانية للبحث العلمي؛ فالهند اليوم عضو بالنادي النووي رأسه برأس أمريكا.. أقول لنتجاوز ذلك كله من مقولات <هو أنا هندي وفيلم هندي والفيل مربوط بباب البيت >؛ لأحدثكم حديثاً آخر قد لا يرد سريعاً على أذهان الكثير لافتناننا بالغرب  فقد قدمت الهند للإنسانية شاعرا من طراز رفيع لا يقل روعة عن شعراء الغرب إن لم يفوقهم إبداعا من منا يعرف <طاغور لشاعر الذي مزج بين ثقافتي الشرق والغرب وقد أشار إلى ما يرمز إليه اسمه أنه سيد الشمس الذي لا يفرق بين الشرق والغرب ولكنه يجوب بينهما ورث عن أبيه احترام جميع الأديان  وتقدير المرأة والنضال في سبيل إلغاء طبقية المجتمع الهندوسي فعشق الحرية للجميع وامتزج إبداعه بنزعة روحية إنسانية زادها سحر جبال الهيمالايا وصنوبرها إنها الفردوس الذي استولى على حواسه وروحه ليعينه على اكتشاف الله في خليقته وفي قلوب الناس فيخاطبه مخاطبة العاشق لمحبوبه.                                    أثاره أثناء دراسته في بريطانيا حسن الضيافة وسعة الثقافة ويصدمه جشعهم كمستعمرين ووحشيتهم فرافق غاندي في الكفاح لتحرير الهند وترجم قصائده إلى الإنجليزية لتسحر أدباء الغرب بنبرتها الدينية الصافية التي تأنس بالحضور الإلهي في البشرية لينال جائزة نوبل في الأداب عام 1913 رغم مزاحمة قمم مثل <تولستوي ، برنارد شو >ويلتفت العالم غير مصدق إلى عبقرية متعددة المواهب فهو الشاعر والروائي والمسرحي والرسام والموسيقي.                                 

 يقول في قصيدة {الشمس وقطرة الندى}                                                                                                                                                     

<أي شيء سوى السماءيقوى على احتواء صورتك أيته الشمس ...؟!!هكذا قالت قطرة الندى باكية ، واستأنفت : أنت حلمي ولكنلا أمل لي في القدرة على خدمتك، فأنا من الصغر بحيث أعجز عن عكس صورتك أيتها الملكة العظيمة. 

وأجابت الشمس <إني أنير السماء اللامحدودة ولكن لي القدرة أيضا على منح ذاتي في أصغر قطرة ندى ، وهكذا سأصبح قبس نور جاعلة حياتك الصغيرة كأسا يفيض فرحا > هنا يجب علينا أن نتجاوز _ ونحن نشغف بالتطريب في الشعر _ عن موسيقاه ، ونتأمل شاعرية الفكرة ورحابة الكون الذي أصبح محور القصيدة ، ورمزيتها التي يتناغم فيها أكبر عناصر الكون مع أصغرها ، لتؤكد حالة فريدة من النفاذ إلى أسرار الوجود والحنوِّ بين الموجودات ؛ لتعطي الإنسان درسا هامساً غير مباشرٍ.... كيف يحيا... وكيف يسعد... ؟ فليست السعادة في الاستعلاء.   

 ويقول في قصيدة {عيناك}: إن قلبي عصفور الصحراء، قد وجد سماءه في عينيك، إنهما مهد الصباح ، ومملكة النجوم، وفي هوتهما تغوص أناشيدي..!!، فدعيني أحلق في هذا الفضاء الرحب الموحش، دعيني أمزق سحبه، وأبسط جناحيّ في ضياء شمسه > حالة من الصفاء الروحي والصوفية التي تنفذ إلى معنى الحب الطاهر الذي لا يلتفت إلى مهاوي الشهوات، وترى امتزاج المحبوبة بما حوله من مفردات الكون... حالة تعيدنا إلي فرسان الغزل العذري، ولكنها بساطة التعبير وعمقه، إنها باقة من السهل الممتنع.