قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط إن الانفتاح على الآخر لفهم ثقافته، وإقامة جسور الحوار معه، وإعلاء قيم التسامح وقبول الاختلاف، عناصر لا غنى عنها لبناء مجتمعات إنسانية ناجحة، قادرة على الإبداع والابتكار، وقائمة على العيش المشترك بين أبنائها على أساسٍ من المواطنة وحدها.
وأضاف أبو الغيط - في كلمة وجهها إلى مؤتمر التسامح والتنمية المستدامة المنعقد اليوم في جامعة الدول العربية - "إن علينا أن ننظر في تاريخنا بكل صفحاته المشرقة منها والمظلمة أيضاً لنستخلص منه العبر.. كما علينا أن ننظر في التجارب الناجحة سواء في الوطن العربي أو خارجه لاستخلاص العوامل التي كان لها الفضل في بناء مجتمعات حديثة وتوفير بيئة ملائمة للازدهار والإبداع".
وأكد أن بناء مجتمعات "العيش المشترك" مسئولية مشتركة بين الجميع، من الأسرة إلى المدرسة إلى المؤسسة الدينية والمؤسسة التشريعية والإعلام وغيره، فبذور الكراهية تغرس في عقول الأطفال في مراحل مبكرة، ويصبح نزعها أصعب كثيراً مع الوقت، ويقع على عاتق كل طرف من هذه الأطراف تحصين تلك العقول الغضة، وغرس قيم السلام والتسامح فيه.
وأشاد أبو الغيط بعقد هذا المؤتمر في الجامعة العربية باعتبارها مكانا ذا رمزية كبيرة إذ إن مسمى "الجامعة العربية" يعكس وبصدق غايتها السامية وجوهر رسالتها، فهي "جامعة" لكل العرب وموحدة وشاملة لأطيافهم بغض النظر عن دينهم أو نسبهم أو لون بشرتهم، وتَعتَبِرُ المواطن "العربي" كل شخص يعيش في ربوع الوطن العربي على اتساع أقطاره وتباعدها من الخليج إلى جزر القمر، إلى المحيط الأطلسي، وتسعى جاهدة لتحقيق حلم المؤسسين في إقامة فضاء تزدهر فيه تلك الرابطة الثقافية والحضارية والإنسانية بين الشعوب لتشكل كتلة متراصة ينتمي أبناؤها إلى الحضارة العربية بكل روافدها.
وأكد أن جامعة الدول العربية سعت منذ إنشائها إلى فتح قنوات مستدامة للتواصل والتعاون مع باقي شعوب العالم، فهي تحتضن عدداً هاماً من المنتديات الفاعلة مع دول كالصين واليابان والهند، وتقيم علاقات تعاون مؤسسي بنّاء مع التجمعات الإقليمية والدولية كالاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي ودول أمريكا اللاتينية والأمم المتحدة، وغيرها.
وقال إن هذه المنتديات وغيرها من الجهود التي تبذلها الجامعة العربية في كافة المجالات تسعى إلى تحقيق غاية سامية وحيدة هي خدمة التنمية وتعزيز التعايش والتلاقح الفكري في أجواء يسودها الاحترام المتبادل، فبناء السلام وفض الخلافات بالحوار وحسن الجوار مهام تدخل في صلب ولاية هذه المنظمة.
وأضاف: "لقد ظل الوطن العربي ولقرون طويلة نموذجاً حياً على تجاور مكونات عرقية ودينية وثقافية متنوعة، وهي مكونات أساسية في مجتمعاتنا العربية، فالمسيحيون بكل أطيافهم والأكراد والأمازيغ وغيرهم يشكلون جزءاً لا يتجزأ من حضارتنا، وهي حضارة عالمية إنسانية، ويشهد ماضينا الضارب في عمق التاريخ على أن ثقافتنا، بانفتاحها على ثقافات أخرى مختلفة، أعطت وتلقت ومنحت وأخذت، ثم استوعبت وأضافت وأبدعت، لتنتج ذلك النموذج الحضاري الفذ والمنفتح الذي نعتز به جميعاً".
وتابع: أن هذا النموذج تعرض في فترات من تاريخنا إلى هزات استطاع تجاوزها، وها هو يشهد اليوم للأسف مظاهر مختلفة من التوتر في العلاقة بين مكوناته، وهو توتر زادت الأزمات المتراكمة من حدته، وعلى نحو من شأنه أن يهدد مسيرة العيش المشترك في بلادنا
وحذر من خطورة الأزمات التي عصفت بالمنطقة خاصة في العقد الأخير وما نتج عنها من انهيار لمؤسسات الدولة الوطنية في عدد من بلداننا العربية، مما أفسح المجال للفوضى وسيادة منطق القوة والتطرف، إذ استغلت جماعات وقوى لها مصالحها الخاصة تلك الأوضاع لتفكيك الدول وتقسيم المجتمعات على أساس طائفي أو عرقي.
ونبه إلى أن التطرف يتغذى في الأساس على نشر الكراهية، ونزع التسامح كقيمة إنسانية عليا من قاموس الشعوب، وقد انتشر خطاب الكراهية بشكل مقلق مستغلاً ما تتيحه المنصات الرقمية من سهولة في بث الأخبار، وأصبح الكثير من أبناء هذه الأمة، بسبب تغييب الحوار وتغليب البعض للتعصب، يتقاتلون فيما بينهم ويهدمون كل المكتسبات التنموية والثقافية التي تحققت على مدار العقود الماضية، ولم ينتبهوا إلى أن المتربصين بهذه الأمة - وهم كُثر - استغلوا الفرصة لتحقيق مكاسب لهم.