الجمعة 19 ابريل 2024

القوات المسلحة وعبورٌ جديد لعصر ما بعد الإرهاب (3)

مقالات17-10-2022 | 13:55

فى هذا الجزء من الدراسة يتناول د. مجدى عبد الجواد الداغر أستاذ الإعلام وتكنولوجيا الاتصال المساعد بكلية الآداب جامعة المنصورة ظهور التنظيمات الإرهابية فى سيناء وتطورها، وتقسيم تيارات وجماعات الإرهاب فى سيناء، وطبيعة العملية الشاملة "سيناء 2018" وآليات المواجهة مع جماعات الإرهاب على أرض سيناء.

 

التنظيمات الارهابية فى سيناء قبل أحداث يناير وبعدها:

يتركز فى سيناء عديدٌ من الجماعات والتنظيمات الارهابية والتى يمتد نشاطها حتى جنوب الشيخ زويد ومدينة العريش ورفح، والتى تنامت وتزايدت عقب أحداث يناير2011 فى ظل غياب أمنى صاحب قيام الثورة، فضلاً عن تداعيات ثورة فبراير فى ليبيا على الوضع الأمنى فى مصر، واستيلاء ثوار ليبيا على مخازن الأسلحة التابعة للجيش الليبي، وهو ما ساعد على وجود كميات كبيرة من الأسلحة الليبية قد تم تهريبها إلى سيناء عبر الحدود الغربية لمصر، والطرق المتاخمة لسواحل المدن الشمالية إلى قطاع غزة عبر الأنفاق، فضلاً عن تخزين كميات كبيرة منها بالقرب فى رفح المصرية، يتم استخدامها ضد قوات الجيش والشرطة والعمليات الإرهابية المختلفة.

 

تاريخ التنظيمات الارهابية فى سيناء:

كان أول ظهور معلن للتنظيمات الجهادية فى سيناء مطلع تسعينيات القرن الماضى وذلك عبر مواجهات عنيفة بين الدولة المصرية والتنظيمات الجهادية، وهى عناصر شاركوا فى حرب أفغانستان (1979- 1989)، من دول عربية وإسلامية عديدة استوطنوا سيناء وقاموا بتنفيذ العديد من العمليات ضد الجيش المصرى فى محافظات القاهرة والجيزة والفيوم وتنفيذ حوادث اغتيال لعدد من الوزراء والمسئولين ورموز دينية وسياسية وغيرها، وكانت القاهرة ومحافظات الصعيد مسرحاً لهذه المواجهات بداية من حادثة الأقصر1997م ومقتل نحو 95 من السياح الأجانب، ثم تفجير المتحف المصرى بميدان التحرير، ثم تفجير نفق الأزهر، وشرم الشيخ ودهب ونويبع وغيرها.

ومع مطلع 2011، عاودت التيارات الجهادية الظهور فى سيناء مرة أخرى، مثل جماعة "التوحيد والجهاد" وتنظيم "أنصار الجهاد" وتنظيم "أنصار بيت المقدس"، بالإضافة إلى خلايا جهادية صغيرة فى مناطق عديدة من سيناء، وقد قامت هذه التنظيمات بالعديد من العمليات الإرهابية فى سيناء ضد قوات الجيش والشرطة واستهداف كمائنهم الثابتة والمتحركة فى العريش ورفح وغيرها.

وفى عام 2012، حققت جماعة الإخوان تواجداً كبيراً فى المشهد السياسي، عقب تنحى الرئيس مبارك مساء يوم 11 فبراير 2011، وخلال فترة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة العسكرى 2011-2012 صدرت كثيرٌ من قرارات العفو عن عددٍ كبير من المحكوم عليهم فى قضايا إرهاب، والإفراج عنهم بضغوط على المجلس الحاكم آنذاك زاعمة قدرتها على الحشد ضده، وسيطرة الجماعة على غالبية مقاعد البرلمان 2011.

وفى يوليو 2012، ومع فوز مرشح الإخوان محمد مرسى بمنصب رئيس الجمهورية قام بإصدار قرارات عفو عن أعدادٍ كبيرة من المحكوم عليهم فى قضايا إرهاب، وهو ما يفسر حقيقة ما قاله القيادى بجماعة الإخوان "محمد البلتاجي" من منصة رابعة العدوية عن توقف العمليات الإرهابية فى سيناء شريطة عودة مرسى للحكم، مستنداً على دعم الجماعات الجهادية لهم فى سيناء.

 

أطراف المواجهة فى العملية الشاملة سيناء 2018:

يذكر الخبراء الاستراتيجيون أن أطراف المواجهة فى العملية الشاملة "سيناء 2018" كانت على النحو التالي:

  1. ولاية سيناء": حيث يظل هذا التنظيم هو المتهم الرئيس فى العمليات الارهابية بسيناء 2015-2020 مع التحسب لعدة تطورات أولها تفتت التنظيم وانتهاء تأثيره الكبير فى سيناء، إلا أن بعض عناصره عادت لتجميع نفسها ومحاولة إعادة بناء التنظيم مجدداً، وبدأت أكبر حملة إعلامية للترويج لذلك على مستوى التنظيمات الفرعية الأخرى، حيث يلاحظ تجدُد العمليات الارهابية فى العراق وسوريا. ثانياً، أن للتنظيم بيئة حاضنة داخل سيناء من خلال ارتباط بعض عناصره بالعشائر والقبائل، ومن المؤكد أن هؤلاء يحظون بدعم سواء على مستوى توفير المعلومات أو الرصد أو المساندة اللوجستية، ومن ثم تُعد منطقة بئر العبد والقرى المجاورة لها هدفاً لعمليات عناصر التنظيم، بعد أن نفذ الجيش إجراءات أمنية حازمة فى العريش تمثلت فى إنشاء جدار العريش الجنوبي، وتنفيذ حرم المطار الآمن، وتدشين مرتكزات قوية بشكل عرضى جنوبى المدينة.
  2. جماعة الإخوان: والتى لا تزال تعمل على اثارة القلاقل، فى ظل نجاح الحكومة المصرية فى تحقيق نجاحات حقيقية فى سيناء، وتزايد حالة الرضا الشعبى عن مؤسسات الدولة، وأدائها وتقبلها لمواقفها فى إدارة الأوضاع فى مصر، وشهادة المؤسسات المالية الدولية بالاستقرار المالى والأمنى فى البلاد، وهو ما دفع الإخوان للتحرك ومحاولة إثبات الوجود إعلامياً فى المشهد عبر قنواتها بتركيا وقطر، فالتنظيم الدولى يريد إعادة تدوير العمليات الإرهابية، ورسم صورة أمام العالم بأن الإرهاب ما زال موجوداً فى سيناء، وهذا غير صحيح، حيث تم القضاء على الإرهاب بنسبة تجاوزت الـ 90 %، بل إن قيادات كتائب "عز الدين القسام" والذين كان لهم امتداد فى سيناء لم يعُد لهم وجود فى أى من مناطقها.
  3. تنظيمات قطاع غزة: حيث تواجه حركة "حماس" مأزقاً مرتبطاً بحالة الانقسام الراهن بين كتائب "عز الدين القسام" والمكتب السياسى من جانب، وبين مؤسسات الحركة فى الخارج، ومن المحتمل أن يكون هناك تنسيق مع عناصر تنظيم داعش، خاصة مع وجود اتصالات مع أبو مناع مسؤول الجهاز الأمنى فى التنظيم.
  4.  القبائل والعشائر الموالية: وهى المشكلة الحقيقية فى وجود ظهير حقيقى لبعض الإرهابيين من داخل الخريطة الاجتماعية فى سيناء، حيث يمثل القطاع البدوى فى مصر ظهيراً آمناً للوطن برغم بعض الاتهامات المرسلة، ولهذا ظل هناك نوعا من الترصد بين عناصر التنظيم واتحاد قبائل سيناء الذى أسسه أفراد من قبيلة الترابين، لمواجهة تنظيم داعش، ونفذت بعض العناصر عدة هجمات استهدفت عناصر بارزة فى الاتحاد جميعها من الترابين، وكانت ذروة المواجهة عام 2017، وارتكاز قوات الصاعقة 103 فى مربع البرث بمعقل سيطرة القبيلة.
  5. أطراف إقليمية معادية: قد يكون من مصلحة إسرائيل عدم استقرار الوضع فى سيناء أو الاستمرار فى إعمارها ومشروعات رفح الجديدة، وأن تظل بهذه الصورة أمنياً لاعتبارات تتعلق بإنهاك الجيش وأجهزة الأمن التى أعادت انتشار قواتها بالكامل فى كل ربوع سيناء، فيما تبقى كل من قطر وتركيا أطرافا ممولة لبعض الأنشطة الإرهابية فى سيناء بهدف تشتيت الجهد المصرى خصوصاً وأن التحركات التركية تجاه ليبيا لا تزال مستمرة، وتحرك آلاف العناصر الإرهابية مارس 2020م من سوريا والعراق إلى ليبيا وإلى مناطق ممتدة فى جنوب الصحراء، وهو الدور نفسه الذى تلعبه دولة قطر التى تعيد ترتيب أولياتها فى ليبيا مع دفع عناصر جديدة من "بوكو حرام" وتنظيمات أفريقية أخرى للتخريب ضد مصر.

 

جهود الدولة المصرية فى محاربة الإرهاب فى سيناء:

تعتبر القوات المسلحة المصرية من أقوى جيوش المنطقة العربية حيث تتوافر لديها الخبرة القتالية العالية والمستمدة من الحروب العديدة التى خاضتها مصر وشاركت فيها على مدار تاريخها الحديث والمعاصر، وتتكون القوات المسلحة المصرية من أربع فروع رئيسية هى “قيادة الدفاع الجوي، القوات الجوية، القوات البحرية، والقوات البرية”، وتحتل الترتيب العاشر ضمن أكبر قوة عسكرية فى العالم، وتصنف على أنها الأقوى عربياً، ويأتى أسطولها البحرى هو الأكبر على مستوى أفريقيا والشرق الأوسط.

وتمتلك مصر نظاماً حديثا للدفاع الجوى جعلها تحتل الترتيب الرابع عالمياً، كما تمتلك أكبر عدد من صواريخ أرض – أرض بعد الصين وروسيا والولايات المتحدة، مما جعلها تمثل أحد القوى العربية المهمة فى منطقة الشرق الأوسط، وقد تجلى ذلك فى العديد من المواقف بداية من المشاركة حركات التحرر الوطنى فى كل من اليمن والجزائر وعدد من البلدان الإفريقية، إلى جانب القيام بدور المدافع عن القضايا العربية وحرب تحرير الكويت 1991.

وتقوم المؤسسة العسكرية المصرية بدور مهم فى المعادلة السياسية العربية، كما تقوم بدروها فى الحفاظ على الدولة المصرية منذ ثورة 25 يناير 2011 وما بعدها، حيث تخوض القوات المسلحة المصرية والمؤسسات الأمنية بوزارة الداخلية حرباً ضد الجماعات والتنظيمات الإرهابية على الحدود مع ليبيا والسودان وقطاع غزة.

تاريخياً قامت القوات المسلحة المصرية فترة حكم المجلس العسكرى 2011 بعديدٍ من العمليات العسكرية ضد التنظيمات الارهابية فى سيناء منها العملية "نسر1"، تبعها فى مايو 2013م"عملية سيناء" والتى جاءت فى أعقاب اختطاف عدد من الضباط المصريين فى مدينة العريش، فيما تصاعدت أعمال العنف فى سيناء بعد الإطاحة بحكم جماعة الاخوان وعزل محمد مرسى والقبض عليه ومحاكمته، وإعلان جماعة “أنصار بيت المقدس” مبايعة تنظيم الدولة "داعش" والتى قامت بتغيير اسمها إلى "ولاية سيناء"، وتحول حسابها على موقع "تويتر" إلى اسم "ولاية سيناء" مصحوباً بشعار تنظيم داعش، وهو التنظيم الذى أعلن مسئوليته عن عدد من التفجيرات منها” أحد السعف” فى 9 إبريل2017 فى كنيستى طنطا والإسكندرية، والهجوم على مسجد الروضة فى بئر العبد فى 27 نوفمبر2017م، والذى أودى بحياة 311 مواطنا، وهو الهجوم الأكبر فى عدد الضحايا متجاوزا حادثة تفجير الطائرة الروسية فوق سيناء فى 31 أكتوبر2015، والذى أودى بحياة 224 راكبا كانوا على متنها من جنسيات مختلفة.

ويأخذ الإرهاب فى سيناء محاور ثلاثة رئيسه هى: تنظيم الدولة "داعش" وهو الذراع الأقوى فى سيناء، والمحور الثانى يتمثل فى الجماعات الأقرب إلى تنظيم القاعدة مثل ولاية سيناء، والمحور الثالث يكمن فى مجموعات عنف انتجها شباب جماعة الإخوان مثل (حسم، ولواء الثورة، العقاب الثورى....).

وتنهج التنظيمات الارهابية فى سيناء نمطين من العنف الأول: استهداف المدن من خلال السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية والاغتيالات بأنواعها، والنمط الثانى يستهدف المنشآت الأمنية والعسكرية ودور العبادة، وغالباً ما تكون هذه الوحدات مسلحة تسليحا خفيفا، وتتجنب المواجهة المباشرة مع قوات الجيش والشرطة.

ومع وقوع أحداث يناير 2011، أخذت التنظيمات الإرهابية فى سيناء مساراً مختلفاً حيث تم استهداف بنية الدولة متمثلة فى شبكات الكهرباء والاتصالات والسكة الحديد والمواصلات العامة، حيث تعرض نحو 214 برج كهربائى للتفجير فى الفترة من 30 يونيو 2013 حتى يوليو2015 بخسائر قدرت بنحو 180 مليون جنيه.

كما تعرضت مصر (2014- 2016) إلى نحو(1165)عملية إرهابية، منها 372 عملية ارهابية عام 2014، و594 عملية إرهابية عام 2015، فيما تراجعت العمليات الإرهابية مع نهاية ديسمبر2015، ثم عاودت فى الربع الأخير من عام 2016، وبلغت وقتها نحو 1994 عملية إرهابية.

أما مطلع عام 2017؛ فقد نجحت القوات المسلحة المصرية فى رصد تحركات حركة “حسم” وتمكن من الكشف عن هوية أهم عناصرها، وذلك عقب حادثة استهداف حافلة الأقباط فى المنيا، حيث قامت القوات الجوية المصرية بتوجيه عدة ضربات داخل العمق الليبى استهدفت 6 مراكز تابعة للتنظيمات الإرهابية فى مدينة "درنة"، أسفرت عن تدمير مقر "مجلس شورى مجاهدى درنة"، ومقتل العشرات من عناصر التنظيم الإرهابى.

ونستكمل استعراض هذه الدراسة المهمة الأسبوع المقبل بإذن الله.