حوار: سمير أحمد - عدسة : صبري عبد اللطيف
الفنان الراحل الكبير توفيق الدقن كان مثالا للروح المتسامحة والوجدان الشفاف؛ عكس الشخصيات الشريرة التي قدمها بكل إبداع وصدق؛ منحته الدولة لقب فنان قدير لكونه واحدا من الذين قدموا رحلة عطاء فنية كبيرة، أهدانا خلالها الكثير من الأعمال الناجحة سواء في السينما أو المسرح ترك بها بصمات كبيرة؛ حيث قدم دور الشرير ببراعة في أعماله التي جسدها باقتدار وحرفية عالية خلال مشواره الفني الكبير، اشتهر بـ"قفشاته" التي لا تنسى و"إفيهاته" التي علقت بذاكرة الجماهير، ودائما ما يرددونها حتي الآن مثل " أحلي من الشرف مافيش " و " ألو يا أمم " وغيرها من القفشات الجميلة، أجرينا هذا الحوار مع ابنه المستشار ماضي الدقن الذي وضح لنا الأمورالتي تخص جمعية "أبناء فناني مصر" التي يرأسها، وأيضا المحطات المهمة في حياة والده والكثير من الأمور التي نبسطها عبر سطور هذا الحوار ......
حدثنا عن نشاط جمعية " أبناء فناني مصر" التي ترأسها والهدف الذي أنشأت من أجله ؟
هذه الجمعية أنشئت للدفاع عن حق الأداء العلني لفناني الأداء " التمثيل" وتفعيل التعديلات الواردة علي مدة الحماية في القانون الحالي ومهمتها تحصيل حق الأداء العلني من الجهات الملتزمة به وفقا للقانون82 لسنة 2002 وصميم عملها يتماهى مع جمعية المؤلفين والملحنين المعروفة، وعضويتها ستكون لأبناء فناني مصر علاوة علي الفنانين أبناء الفنانين وأسرهم ونعني هنا بالفنانين فئة فناني الأداء - مثل الممثلين- المطربين - المذيعين وغيرهم، وهي غير مسبوقة في مصر لأنه كان غير معترف بحق الأداء العلني للممثل قبل هذا القانون المشار إليه، والوجه الآخر للجمعية يتمثل في نشر ثقافة حقوق الملكية الفكرية لأبناء فناني مصر والدفاع عن الحقوق المالية والأدبية الخاصة بالمبدعين الخاصة بآباهم الذين أفنوا حياتهم لخدمة هذا الفن العريق.
لكن هناك جمعيات أخري منافسة يندرج في عضويتها أبناء فنانين أيضا فما الفرق بينكما؟!
هذه الجمعيات التي تتحدث عنها لا تتبع وزارة التضامن الاجتماعي؛ لكي تدافع عن حق الأداء العلني مثل هذه الجمعية، والتي شرفت بمجلس إدارتها بثقة من إخوتي أبناء النجوم الكبار، وأرجو من الله التوفيق والسداد لنحقق ما اتفقنا عليه وقت إنشائها وأحب أن أوضح شيئا هنا من خلال "الكواكب" مفاده أن من يدعون بأنهم منظمة أو رابطة أو أي شيء من هذا القبيل، يجب علينا ألا نصدقهم لأن وضعهم القانوني لا يؤهلهم للتواجد ككيانات تلعب دورا علي الساحة بينما دورهم يظل مقتصرا فقط علي الحفلات وبعض أنواع التكريمات غير المعترف بها، ومجموعة صور هنا وهناك، ثم ينفض السامر ويدورون حول أنفسهم فراغاً في فراغ، أما جمعية أبناء فناني مصر فهي الوحيدة التي تحظي بدعم من مؤسسات الدولة كاتحاد النقابات الفنية التي يرأسها المخرج الكبير عمر عبد العزيز وكذلك نقابة المهن التمثيلية، تحت رئاسة الأستاذ أشرف زكي، وأيضا نقابة المهن السينمائية والتي يرأسها مسعد فودة، وغالبية النجوم والفنانين يضعون ثقتهم فيها وآمالهم في أن يتحقق من خلالها تفعيل التعديلات الواردة الموضحة في الباب الثالث من قانون حقوق الملكية الفكرية ..
وكيف كانت علاقاتك بالوالد الفنان توفيق الدقن وعلاقته بالأسرة؟
علاقتي بوالدي كانت علاقة صداقة فيها كل ما هو مسموح به من مناقشة واستيعاب وكان بطبيعته لا يبخل علينا بالكثير من خبراته في الحياة وفي الفن ويسمح لنا بالحرية المسئولة ولا يندم علي ذلك؛ لأنه كان بمثابة المرجعية لنا في العلم والثقافة والفهم وارتبطت به ارتباطا شديدا في آخر عشر سنوات من عمره وكنت صديقا حميما له، ولست مجرد ابن وكان أستاذي في الحياة وما زلت أعيش علي نصائحه التي كان يقولها لي وكنت أنا وإخوتي أحب الناس إلى قلبه.
وماذا تقول عن شائعة إنه عاش حياته بشهادة ميلاد أخيه وما سر ترديده الدائم لمقولة أنا عايش"بدل فاقد"؟!
هذه حقيقة وليست شائعة ... لأن والدي كان له أخ اسمه توفيق توفاه الله قبل ولادته بثلاثة أعوام، ومن شدة حب جدي لتوفيق فضّل أن يطلق اسم توفيق علي والدي أيضا، ورفض أن يسجله في دفتر المواليد واكتفي بالبيانات الأولي وهكذا سارت الأمور وورث والدي ثلاثة أعوام إضافية فوق عمره الحقيقي وكان يطلق علي نفسه "بدل فاقد" ويردد دائما هذه المقولة لهذا السبب.
كيف دخل الوسط الفني وما سر بدايته مع النجومية؟
البداية كانت عندما انتقلت أسرته إلي محافظة المنيا وتلقي تعليمه الثانوي بها، وقد ارتبط اسمه بفريق المنيا الأول وأقيم حفل بنادي الشباب المسلمين هناك حضره فتوح نشاطي وروحية خالد وشاءت الأقدار أن يتغيب أحد الفنانين فاختارته روحية خالد بعد عدة اختبارات بديلا عنه، ولعب الدور بنجاح ساحق، وأسعده تصفيق الجماهير له؛ لأنه كان ذا معني آخر عنده، علي حد قوله متعلق بالروح والوجدان غير ما كان يسمعه عندما يحرز هدفا في مرمي الفريق المنافس.
مهنة التمثيل وقتها كانت غير معترف بها .. فكيف أقنع والده بهذا الأمر؟
والده كان رافضا لهذا الموضوع بشدة، لأنه كان من علماء الأزهر الشريف؛ لكن الظروف وقفت بجانبه عندما انتقل الي القاهرة بعنابر السكة الحديد حيث تبادل مع موظف حل مكانه، وذهب ليلتقى بسعد أردش، ولعب أيضا بفريق السكة الحديد لكرة القدم وعمل بالتمثيل بجانب وظيفته ويعتبر خريج أول دفعة لمعهد الفنون المسرحية.
ما أهم الأعمال التي قدمها وتركت بصمة لدي الجمهور سواء في السينما أو المسرح؟
أعمال كثيرة ... وقد أهديت مكتبة الاسكندرية ما يقرب من 450 عقدا لفيلم سينمائي بداية من فيلم " ظهور الإسلام " إلي فيلم"الشيطان يعظ"وله أعمال مسرحية وتليفزيونية تقترب من الـ 300 عمل ومنها علي سبيل المثال "كلهم أولادي - الفتوة- ومراتي مديرعام" والكثير غيرها.
وماهو الدور الذي كان قريبا لشخصيته الحقيقية من مجمل أعماله التي قدمها؟
كان يحب جميع أدواره الصغيرة قبل الكبيرة؛ لكن كان دوره في مسرحية «عيلة الدوغري» يعتبر من أحب الأدوار إلي قلبه؛ لأنه كان يعبر عن جزء كبير من معاناته في الحياة وتحمله المسئولية تجاه أسرته.
من وجهة نظرك ما أشهر "قفشاته" التي لا يزال البعض يرددها حتي الآن؟ وهل كانت من بنات أفكاره؟
أشهر قفاشته «ألو يا أمم» «وأحلي من الشرف مافيش» «ويا عيني ع الصبر» وكلها من بنات أفكاره ولم تكن مكتوبة في السيناريو أو النص، والكثير من القفشات التي يرددها الناس في مناسبات كثيرة ما زالت صالحة وستظل كذلك طالما بقي هذا المجتمع على طبيعته الحالية، وتطوره الوئيد.
وهل كانت طبيعته الحقيقية مختلفة مع أسرته وجيرانه والمحيطين به؟
كان طيبا وخجولا ومتسامحا إلي أبعد الحدود؛ ويخجل أن يبادر أحدا بالسلام؛ وفي اعتقاده أن الآخر ربما يكون على غير معرفة به فيحرجه، لكن إذا ما مس أحد كرامته فإنه يكون ذا رد سريع وحاسم ويتصرف حسب الموقف وتداعياته.
وما حكايته مع الغناء وترتيل القرآن الكريم ؟
لقد كان ذا صوت جميل وقد لاحظ والده رحمه الله ذلك؛ فألحقه بالكتاب حيث تعلم أحكام التجويد وحفظ القرآن الكريم، ولقب بالشيخ "العجوز" إعجابا بأدائه وحلاوة صوته وكان صوته الدافع لنجاحه وارتباط الجمهور به.
ومن كان مقربا إليه من الوسط الفني وهل كانوا يتبادلون الزيارات الأسرية؟
انتماؤه للوسط الفني كان شيئا يعتز ويتشرف به، وكلهم كانوا أصدقاءه وكانوا يبادلوه الحب والاحترام، أما الزيارات الأسرية فلم تكن كثيرة نظرا لمواعيد التصوير والانشغال الدائم.
وكيف كانت علاقته بالفنان رشدي أباظة وفريد شوقي والمليجي ؟
فريد شوقي قال له سأفعل معك ما فعله معي الفنان أنور وجدي، وقد عمل معه في ثلاثة أفلام سينمائية هي "بورسعيد - وسلطان- والفتوة" وكانت هذه الأفلام بمثابة نقلة كبيرة في مسيرته السينمائية، أما الفنان محمود المليجي فكان دائما ما يتكلم عنه ويقول هناك شخص جديد اسمه توفيق الدقن ووقف معه في بداية حياته وكان يرشحه دائما لدي القائمين علي العمل، وقد ظلوا أصدقاء إلي أن توفاه الله حيث بكي عليه بكاء شديدا؛ أما الفنان رشدي أباظة فكان صديقا لوالدي جدا وذات يوم علمت صدفة أن هناك مشروعا لعمل مسلسل عن "رشدي أباظة" لم يكن أبي ضمن أحداثه؛ فقلت لهم هذا خطأ تاريخي !! والناس بكل بساطة لن تصدقكم.
وما السر في قربه من المليجي؟
المليجي رحمه الله كان أول من تلقاه واحتضنه في فيلم " أموال اليتامي " وكان والدي يهاب منه لما سمعه عنه من قوة تأثير على من يمثل أمامه؛ فلاحظ المليجي ذلك وأخذه وتناولا الغداء معا؛ ليبعد عنه هذه الرهبة ومن وقتها صارت صداقة حميمة بينهما وعملا معا أفلاما سينمائية كثيرة.
ومن في الأجيال الحالية ترى فيه امتدادا للفنان توفيق الدقن؟
بصراحة .. لا أحد؛ لأن كل فنان له مذاق وموهبة أعطاها الله له وهناك فنانون حاولوا تقليد والدي في أحد أدواره وبكل أسف لم ينجحوا لأن الدقن ماركة مسجلة وفنان من العسير جدا تقليده.
كانت هناك منافسات شرسة علي أدوار الشر فما كان موقفه منها؟
المنافسات كانت موجودة فعلا؛ ولكنهم كانوا يفرحون لنجاح بعضهم البعض، وكانت هناك عملاقة في هذه الادوار مثل الفنان زكي رستم ومحمود إسماعيل وفريد شوقي والمليجي وعادل أدهم، هؤلاء كانت عندهم ثقة كبيرة في أنفسهم وهم ناجحون في أدوارهم ولا يقلقهم نجاح الآخر؛ بل يعتبرونه إضافه لهم.
ومن كان يعجبه من الفنانين؟!
كان معجبا جدا بأداء صلاح قابيل وأشرف عبد الغفور ويوسف شعبان وكانوا وقتها من شباب الفن.
أنت تجيد فن الموسيقى .. فهل هي هواية أم تخصص وهل قدمت أعمالا تحدثنا عنها؟
الموسيقي هوايتي المفضلة، وعندما تملكتني قمت بدراستها وكانت لي بعض الأعمال في الإذاعة والمسرح وعدد قليل من الأفلام السينمائية، غير أني لا أجيد مسألة العلاقات داخل الوسط الفني وأعتبره خطأ غير مقصود مني؛ لكني كنت أعتبر أن مقاييس الكفاءة هي التي تفرض نفسها فآثرت السكينة ومنحت روحي فرصة أعيش فيها مع موسيقى العمالقة من أمثال "باخ وموتسارت وبيتهوفن وسيد درويش وعبد الوهاب والموجي" وتوأم روحي الدكتور فتحي الخميسي.
وهل هناك من أحفاده من يهوى الفن؟
معتز فخر الدين ابن أخي الذي يتملك موهبة فنية متميزة ويجيد التمثيل الذي يصقله بالدراسة وسيقدم نفسه قريبا للوسط.
وماذا قدمت الدولة للفنان توفيق الدقن وما التكريمات التي حصل عليها ؟!
حصل الدقن علي وسام العلوم والفنون من الرئيس جمال عبد الناصر، وشهادة الجدارة في عيد الفن الأول من الرئيس السادات كما حصل علي عدة جوائز أخرى متنوعة وكان دائما حريصا علي حب الجمهور ويعتبره أعظم جائزة.
وهل كان سعيدا بمهنته؟
كان سعيدا بها جدا، ولكن كان له عليها بعض التحفظات ومنها المجاملات أحيانا علي حساب القيمة الفنية وعندما رحل معظم رفاقه وتغيرت قيم الاحترام في الفن اتخذ قراراً بالاعتزال الي أن توفاه الله في 27- 11- 1988.
وكيف كان يقضي وقت فراغه بعيدا عن الفن ؟
والدي كان قارئا ممتازا وكان يقضي وقت فراغه داخل مكتبته، وكان معروفا عنه أنه فنان مثقف وواع، وحدث بعد ثورة يوليو أن ترك المسرح القومي وعمل بفرقة إسماعيل ياسين؛ لكنه عاد مرة أخري الي المسرح القومي بأمر من قيادة الثورة لأنهم كانوا يعرفون قيمته كفنان مثقف كبير.
كان لديكم مشروع لعمل مسلسل عن الوالد فلماذا لم يظهر للنور حتى الآن؟
لقد أجلت هذا المشروع؛ لأن الوقت لا يسمح به، وإذا ما اعتزمت تنفيذه مستقبلا فلابد أن يكون مسلسلا ذا قيمة كبيرة تليق بوالدي العزيز.