كتب: أحمد مجدي
تزخر العديد من البقاع في أرجاء مصر، بالحكايات التي لا تنتهي، والتي تعبر عن إرث ثقافي لأهلها، وأحد أبرز تلك البقاع "بحيرة قارون" الموجودة بمحافظة الفيوم، والتي يتفنن أهلها والقاطنون في القرى المتاخمة لها، بنسج قصص بعضها خيالي وبعضها أقرب للواقعية، حول سر تلك البحيرة، وسبب كثرة البط الطائر بها، إضافة إلى "الكنوز" التي يدعون أنها تبتلعها، والعائدة لآلاف السنين!.
السمك البركاوي
بحيرة قارون تعد واحدة من أكبر البحيرات المصرية على الإطلاق، وتزخر بالثروة السمكية، ويطلق على السمك المستخرج منها اسم "السمك البركاوي" وهو يتميز بمذاقه الشهي، ولحمه الطري للغاية.
وتتناثر المطاعم على ضفاف البحيرة لتقديم "البركاوي" على موائد الراغبين في تناوله.
البط الطائر
واشتهرت البحيرة بصيد الطيور، التي تنجذب إلى مياهها في أوقات معينة من السنة، نظرًا لتباين درجات الحرارة التي تلائم تلك الطيور لموسم الهجرة، ولانخفاض محافظة الفيوم ككل عن باقي أرجاء مصر من حيث المستوى ومنسوب مياه البحيرة.
أبرز الطيور التي تجذب السياح للاصطياد، البط الطائر، والسمان، ولكل منها أنواعه التي يعرفها السكان المتاخمون للبحيرة، وقد زار تلك المناطق واصطاد بها مشاهير كثر، أبرزهم الملك فاروق، وأحفاده، الذين لا تزال لهم أجنحة مخصوصة بأسمائهم في منتجع "الأوبرج" الذي يتاخم البحيرة، بالإضافة إلى الفنان يوسف وهبي، الذي تعود أصوله إلى مدينة الفيوم في الأصل.
كنوز قارون
كل هذه عوامل تميز البحيرة عن غيرها، لكن الأكثر شهرة بين معالم الموروث الثقافي حول ذلك المسطح المائي، هو إيمان كثيرين بأن تحتها "كنوز قارون" الذي خسف الله به وبداره الأرض، كما أشار القرآن الكريم في سورة القصص.
وبين الحين والآخر، نسمع عن شخص حاول القفز في مياه البحيرة والغطس للوصول إلى الكنوز، لكن لم يكتشف أحد إلى الآن أي شيء من هذا القبيل.
يؤمن أهل القرى المتاخمة للبحيرة، أن كل تلك المساحة المائية، كانت قصر قارون الذي يعيش فيه، ويختال على السكان المحليين بكنوزه التي تتضمنه، وقد ذكر القرآن الكريم أن مفاتيح ذلك القصر كان يحملها رجال أشداء من ثقل وزنها.
ولكن على الصعيد العلمي، لا يوجد ما يعضد تلك الرواية، إلا بعض الروايات التي تؤكد أن سيدنا موسى وفد إلى الفيوم في السنين التي أعقبت نزوله من سيناء، في وادي النيل، وأن قصص "قارون" و"الخضر" حدثت في تلك المنطقة، وما يعزز تلك الرواية، هو وجود قرى بالفعل لا زالت تحمل تلك الأسماء، وتحديدًا في مركز "يوسف الصديق" بالفيوم، فهناك قرية تسمى "قارون" تتاخم البحيرة، وقرية تسمى "قرية الخضر" بالقرب من جبل المدورة السياحي.
قصر قارون
وبنهاية شريط البحيرة، يأتي بناء حجري أثري، يقال إنه "قصر قارون" وتبدو فيه النوافذ التي تدخل الشمس، والسلالم التي تؤدي إلى الأدوار العلوية، ولكن لم يتسن لأحد تأكيد أن هذا هو القصر المقصود في القرآن الكريم بما لا يدع مجالًا للشك، كذلك لا يملك المؤمنون بقصة "الكنوز أسفل البحيرة" تفسيرًا واضحًا، حول ما إذا كان القصر هو المساحة التي تبتلعها البحيرة، أم القصر الموجود في آخر شريطها.
المؤكد الوحيد، أن قارون مات وماتت معه أسرار كثيرة، سيصعب علينا التعرف الأكيد على مكنونها، ولكنها ستبقى موروثًا ثقافيًا يتناوله البعض بالإيمان والتصديق، والبعض الآخر بالتسفيه والتكذيب.