كتب : خليل زيدان

ثومة تهرب من الجمهور!!
ونستكمل رحلات أم كلثوم إلى لبنان ، فبعد عامين كانت الرحلة الثامنة لأم كلثوم  وبالتحديد

كانت في شهر نوفمبر 1964  حيث أحيت حفلتين بسينما ريفولي ببيروت ، الحفل الأول يوم

الخميس 12 نوفمبر وغنت فيه أم كلثوم ثلاثة أغنيات ، الأولى (حسيبك للزمن) والثانية (إنت

عمري) والثالثة (للصبر حدود) ، حضر الحفل رئيس الوزراء حسين العويني ولفيف من

الوزراء .. ومن طرائف هذا الحفل أن علمت أم كلثوم إنتظار حشود كبيرة من الجماهير أمام

باب سينما ريفولي الرئيسي لرؤيتها وتحيتها ولكنها خشيت أن يحدث مالا يحمد عقباه عند

رؤيتها أو الهجوم عليها لتحيتها فطلبت من السائق أن يقف أمام الباب الخلفي للسينما ، وبالفعل

في حذر شديد دخلت السينما هاربة من الجماهير التي تنتظرها عند الباب الأمامي حسب وصف

جريدة الحياة اللبنانية ، صعدت إلى المسرح وبدأت وصلتها الأولى في العاشرة والربع ، وما إن

بدأت الفرقة في العزف وبدأت ثومة الغناء حتى تيقن الجمهور المنتظر بالخارج بهروب أم كلثوم

منهم ولم يتمكن الكثير منهم لدخول  بسبب ازدحام المسرح وظلوا في الخارج أمام الباب

الرئيسي حتى الساعة الثالثة صباحاً حيث عوضوا بمشاهدتها وهي تخرج والتفوا حولها لتحيتها

وحيتهم وتبسمت لهم وأحاطت الشرطة بسيارتها لتحميها من هجوم الجمهور عليها.

الحفل الثاني في تلك الرحلة كان في ليلة 14 نوفمبر 1964 في نفس المسرح بسينما ريفولي

وغنت أيضاً ثلاث روائع من أغانيها وهي (حيرت قلبي) و(إنت عمري) و(كل ليلة وكل يوم)

وقدم الحفلين الإذاعي اللبناني حسن عيد ، ومن طرائف هذا الحفل أن علمت المطربة هيام

يونس بقدوم أم كلثوم لإحياء الحفل بسينما ريفولي وكانت هيام ترتبط بحفل لها ببيسين عالية

في نفس الليلة ففضلت أن تحضر حفل أم كلثوم أولاً وحسب قولها للتليفزيون الكويتي انسجمت

هيام مع أغنية حيرت قلبي وظلت تصرخ مع كل مقطع الله الله الله حتى ذهب صوتها واضطرت

أن تلغي حفلها.

 

وقبل أن تغادر أم كلثوم لبنان إلى القاهرة في التالي الأحد ذهبت إلى مشغل مدام صالحة  

للملابس اللبنانية النسائية لانتقاء بعض الفساتين ورغم عطلتهم يوم الأحد فقد تم فتح المشغل

خصيصاً لها وضج المشغل بالعاملات وكل من آتاه الخبر في شارع بشارة الخوري حتى التفوا

حول البناية في حصار شديد لرؤية أم كلثوم عند خروجها من المشغل.

 

حريق يؤخر الحفل ومشاجرة في المسرح!!
ونصل إلى الرحلة التاسعة من رحلات أم كلثوم إلى لبنان ، وما جرى من أحداث في هذه الرحلة

يؤكد أنها كانت أتعس رحلات أم كلثوم ، فقد وصلت إلى مطار بيروت يوم 5 أغسطس 1965

يصحبها مدير أعمالها ابن شقيقها وكان في استقبالها حشد من المعجبين وحسن الجاك متعهد

حفلاتها ، وعند استراحتها في صالة الوصول تبين أن جواز سفرها يخلو من تأشيرة العمل

المفروضة ولو كانت شخصية أخرى غير أم كلثوم لمنعوها من الدخول ، وعلى الفور اتصل

الأمن العام بالمدير وسوى الأمر بسرعة وقدم لها الترحاب .

 

    في هذه الرحلة أحيت أم كلثوم حفلاً واحداً فقط ببيسين عالية يوم السبت 7 أغسطس غنت

فيه ثلاث أغنيات وهي (سيرة الحب) و (انت الحب) و (إنت عمري) .. وعن ذكريات هذا الحفل

فقد كان من المقرر أن يبدأ في التاسعة تماماً وبالفعل حضر الجمهور واكتظ المسرح بالحضور

ولكن أم كلثوم لم تأت ولم يفرج الستار، فبدأ الضجيج والهتاف يعلو ولم يكن الجمهور يعلم أن أم

كلثوم مازالت في الشارع لا تستطيع الوصول للمسرح بسبب حريق شب في إحدى السيارات ..

وقد استقلت أم كلثوم السيارة متجهة من فندق شبرد إلى مربع البيسين في عالية قبل الحفل

فشب حريق في سيارة بين عالية وبحمدون بسبب الزحام وتوافد الجماهير إلى الحفل وكانت

السيارة المحترقة أمام سيارة أم كلثوم وخلفها قافلة من السيارات ، ووجدت نفسها محاصرة

وظلت تتساءل أين المفر؟ وثارت أم كلثوم وخرجت عن شعورها منتقدة أنظمة السير في لبنان

وخصوصاً طرقات الجبل وكيف الخروج من هذا المأزق الذي وضعت فيه .. وتدخلت الشرطة

لسحب السيارة المحترقة وبعد قرابة الساعتين انتظم المرور على الطريق.

 
وصلت أم كلثوم إلى مكان الحفل وما ان صعدت إلى المسرح في الحادية عشرة لتجد مشكلة

أخرى أكبر مما واجهته منذ قليل ، فقد نشبت معركة بين الجمهور بسبب التكدس ومن دخل

بحساب وبغير حساب بسبب تأخر الحفل واضطرت النخبة للإنسحاب ولم يجد صاحب مقعد مقعده

وحدثت أكثر من مشكلة بسبب الكراسي التي تطايرت فوق الرؤوس ،  .. تمالكت أم كلثوم نفسها

ويذكر أنها لم تسيطر على نفسها في حياتها مثلما بدت في ذلك الحفل ،انتظرت حتى هدأ الجميع

وبدأت في الغناء وبعد قليل تعطل الميكروفون فراحت تشدو وتبدع غير مبالية .. ويروى

المراقبون لذلك الحفل أن لو أم كلثوم انسحبت في تلك الليلة بعد كل تلك الأحداث لقامت مذبحة

بين الجمهور لكنها تحاملت على نفسها من أجل جمهورها ومن أتى خصيصاً لكي ينعم بفنها.

 
حفلتان بمقدار ما استوردته مصر في عام!!  
ويأتي عام 1966 ويكون الرحلة العاشرة لأم كلثوم حيث كان لها نصيب أوفر وحظ أجمل

عوضها كثيراً عما حدث في العام الماضي ، فقد حضرت إلى لبنان هذا العام لافتتاح مهرجانات

بعلبك الحادية عشرة وكان الحفل الأول لها يوم 15 يوليو 1966 وغنت فيه ثلاث وصلات ،

الأولى (أمل حياتي) والثانية (بعيد عنك) والثالثة (للصبر حدود) .. والحفل الثاني كان في 17

يوليو وغنت فيه أيضاً ثلاث أغنيات وهي (الأطلال) و(سيرة الحب) و (إنت عمري) .. وشدت أم

كلثوم في الحفلين تحت خيمة كبيرة ابتكرها لها المهندس ببارو خوري بمعبد جوبيتر بقلعة

بعلبك ، وأطلت أم كلثوم على جماهيرها المحتشدة في الليلة الأولى في التاسعة تماماً وجرت

العادة أن تغلق القلعة أبوابها في الثامنة والنصف لولا تدفق الجماهير حتى العاشرة والنصف أي

بعد أن بدأت أم كلثوم الحفل بأمل حياتي فامتلأت القلعة نشوة وطرباً وكان في مقدمة الحضور

رئيس الوزراء د. عبد الله اليافى والوزراء والنواب وأعضاء لجنة المهرجانات وحضر الحفل

أيضاً المطربة فيروز وعاصي الرحباني واستقبلتهما أم كلثوم بين الوصلات مع نجيب حنكش

واستمرت فيروز حتى نهاية الحفل عند الساعات الأولى من الفجر رغم أنها لاتسهر بعد الثانية

عشرة.

 

وكانت أم كلثوم السيدة الوحيدة في الشرق التي فتحت لها أبواب قلعة بعلبك لتدخل بسيارتها

الرولزرايس موديل 66 التي وضعت لخدمتها حتى مدخل خيمة الحفل وعن الاستعدادات للحفل

فقد غنت أم كلثوم في حراسة ألف من رجال الجيش و500 من رجال الدرك (الشرطة) انتشروا

على مداخل القلعة بينما نظم المرور 100 من ضباط المرور راكبي الموتسيكلات حتى استقرت

الجماهير في مقاعدها.

 

ارتدت أم كلثوم في الحفل فستان أحمر وقد اجتاحت القلعة موجة من البرد جعلت الجمهور

يرتعش في فترة الإستراحة ثم يشعرون بالدفء مع صوت أم كلثوم في الوصلة الثالثة التي

أطلت فيها أم كلثوم مرتدية عباية وردية اللون لتقيها من البرد.

 

تناولت الصحف اللبنانية والمصرية آنذاك الرحلة واصفة إياها بأنها أروع زيارات أم كلثوم

وركزت كل المطبوعات على الأجر الخيالي للحفلتين التي أقامتهما أم كلثوم في قلعة بعلبك للمرة

الأولى حيث تقاضت وفرقتها 80 ألف ليرة أي ما يوازي ما استوردته مصر من التفاح من لبنان

في عام كامل إن لم يكن يزيد بعشرين ألف ليرة .

ترقبوا الحلقة الثالثة والأخيرة وأسرار جديدة عن حفلات كوكب الشرق