الخميس 25 ابريل 2024

المملوك العاشق .. عندما تكون الخيانة ثمن الحب

مقالات20-10-2022 | 10:13

لا يخضع العشق لدستور أو يحكمه قانون، لا يحكمه سوى فؤاد المحبين، يتحول العشق لخِنجرٍ مسموم حينما يقترن بالخيانة وتصبح ثمنا للحب، ولا تتوقع ممن يدفع الخيانة ثمنا للحب سوى خيانات متعاقبة، هكذا هي قصة عشق مراد بك لـ نفيسة البيضا. 

كانت جارية شركسية ملامحها شقراء، وعندما حلّت على القاهرة دخلت في حريم علي بك الكبير، الذي عشقها وتزوجها، ووقع في هواها أبضا مملوكه مراد، ولم يكن يستطيع أن يبرأ من ذلك الهوى الذي قاده لخيانة سيده.

 
كانت بداية فصول الخيانة، حينما قرر محمد بك أبو الدهب أن يتخلص من علي بك الكبير، واستطاع أن يقرأ في وجه مراد مملوك علي بك الكبير، علامات الرضا عن قبول الرشى، اشترط المملوك العاشق نظير موافقته على الخيانة أن يسمح له بالزواج من نفيسة البيضا، وعقب ذلك قُتِلَ علي بك الكبير خلال العام 1773 ميلادية وحصل مراد عليها مقابل الخيانة. 


كان المملوك العاشق من كبار الخونة، بينما كانت نفيسة امرأة رائعة في جمالها وتملك قوة الشخصية، وقدرا كبيرا من ثقافة زمانها، فقد كانت تتحدث اللغة الفرنسية والتركية والعربية، وتعشق الشعر والأدب، كانت الجانب المشرق في حياة مراد بك الذي أصبح المملوك الخائن، وبقدر ما ملكت نفيسة حب العامة، بقدر ما كان المصريون كارهين لذلك المملوك البغيض. 


كان المال محركه الأساسي، ولم تكن مصر بالنسبة له وطنًا إنما منطقة نفوذ، وفي معركة الأهرام التي دارت بين المماليك بقيادة المملوك العاشق والحملة الفرنسية التي فر على أثرها إلى الصعيد، لم تكن أكثر من هدنة وكرّ وفرّ استعدادًا لوضع يده في يد المحتل الفرنسي آنذاك.

 
وعقب تولي كليبر قيادة الحملة بدأت المراسلات بينه وبين المملوك الخائن، وانتهت بلقاء بينهما في مدينة الفيوم، اتفقا آنذاك على أن يحكم مراد الصعيد تحت مظلة المحتل الفرنسي، وتعهد كل منهما بحماية الآخر وأن يدفع مراد للمحتل الخراج الذي كان يدفعه قبل ذلك إلى الدولة العثمانية، ويحصل مراد علي دخل الصعيد.

 
ومع اشتعال ثورة القاهرة الثانية، كان المملوك العاشق يخط فصلًا جديدًا من خياناته، فقد شارك في القتال ضد المصريين، ومنع عن القاهرة الإمدادات الغذائية التي كانت تصل إليها من الصعيد.


هكذا كان المملوك العاشق الذي قبل أن تكون الخيانة ثمنا للحب، وبالرغم من غرامه بسيدة قلبه نفيسة البيضا إلا أنه تركها في القاهرة وفرّ إلى صعيد مصر، بينما تمكنت هي من التعامل مع الفرنسيين، ذلك المحتل للمحروسة، حتى أنها استطاعت أن تحمي نساء المماليك من اعتداءات عساكر فرنسا.

 
كان مراد عاشقًا لكنه بطبعه خائن، كل شيء لديه يخضع للمقايضة، لعملية البيع والشراء، الخيانة عندما تكون ثمنًا للحصول على المحبوب، ويقبل بها العاشق يمكنه في الخطوة التالية التخلي عنه بمقابل أكبر، لم تكن نفيسة وفق قوانين ذلك الزمان تستطيع أن تخرج من دائرة المملوك العاشق، لكنها حاولت كثيرا أن تعدل من سلوكه خاصة تجاه العامة الذين كانت تملك قلوبهم، بحكم ما كانت تفعل لأجلهم بينما حصل مراد علي لعناتهم.

 
رحل مراد بك أو المملوك العاشق بمرض الطاعون، في صعيد مصر، وهو يقف في مربع المحتل الفرنسي لأجل الحصول على خيرات المصريين بعيدا عن المرأة التي عشقها وخان سيده لأجلها، وفي اعتقادي أنه لم يحبها بالمفهوم الطبيعي للحب، لكنه أراد أن يمتلك الجارية الحسناء، لم يكن يقوى على مقاومة سحر جمالها، وشخصيتها الجذابة، ولم تكن الخيانة بالثمن الغالي لديه، فهو لا يملك أخلاق الفرسان، وطبائع الرجال.

 
وفي اعتقادي أن المملوك الخائن تمكن من جسد الجارية الحسناء، لكنه لم يمتلك قلبها، فكلاهما عكس طبائع الآخر، عاشت نفيسة البيضا حياة الملوك حتى في ظل زمن الحملة الفرنسية على مصر إلى أن تولي خورشيد باشا أمر المحروسة وجردها من أموالها، وتركت الدنيا فقيرة المال تملك قلوب العامة، وكان سبيل نفيسة البيضا في شارع المعز لدين الله الفاطمي الشاهد الباقي على قصة تلك المرأة التي أثرت في حياة المماليك وصراعاتهم على السلطة، بل إنها كانت مكافأة أبو الدهب للمملوك الخائن.

Dr.Randa
Dr.Radwa