الجمعة 26 ابريل 2024

التحول الرقمي.. الطريق إلى مستقبل واسع الأفق (2 – 2)

مقالات25-10-2022 | 19:36

تناولنا خلال المقال السابق، أنه طوال الجزء الأكبر من تاريخ البشرية لم تكن التكنولوجيا تدين للعلم بشيء، بل كان العلم هو المدين لها بالكثير، حتى في الفترات التي كان يُتصور فيها أنه علم نظري خالص منبثق عن العقل وحده. وأنهينا المقال بالتساؤل التالي: هل أحدثت هذه العلاقة تغيرًا وتطورًا ساهم في رفع المجتمع وضمه إلى قاطرة التقدم؟ الإجابة عن هذا السؤال ستطلب منا إلقاء نظرة فاحصة عما يدور حولنا في الواقع. مفتاح هذه الإجابة يكمن في نقطة واحدة هي "التحول الرقمي".

عزيزي القارئ سنتعرف خلال هذا المقال عن هذه الأداة القادرة على تحقيق أكبر نهضة علمية وثقافية للمجتمع، بل وجعله يسير بخطى متزنة لملاحقة باقي المجتمعات المُتقدمة، هذه الأداة هي "التحول الرقمي"، المسؤول عن هذه النقلة التطويرية داخل المجتمع.

التحول.. التطور.. هاتان الكلمتان هما مفاتح المستقبل الذي نستشعر ومضات منه الآن في بلادنا الحبيبة. لقد شقت الحكومة طريقها نحو الإصلاح على مستويات عدة بالدولة، ووجدت أن الإصلاح لن يلقى الأثر المرجو منه والنتاج الذي نأمله دون الاعتماد على الدور التكنولوجي.

لذلك جعلت الحكومة قبلتها الأولى والأساسية في مشروعها نحو الإصلاح، هو التحول الرقمي والتطوير التكنولوجي هو أداتها، فكانت نقطة البداية هي يوم التاسع عشر من شهر ديسمبر لعام 2018 حيث جاءت كلمة الرئيس السيسي في جلسة الحوار رفيع المستوى تحت عنوان "الانتقال بالتعاون إلى العصر الرقمي"، قائلاً: "إن تطبيقات العصر الرقمي، قادرة على المساهمة في إيجاد بعض الحلول العملية، لقضية تؤرق البشرية بأسرها، وهي مخاطر تغير المناخ، وزيادة الانبعاثات والاحتباس الحراري الذي يتولد عنها. وهنا نقدّر أنه من خلال العمل المشترك على توظيف التقنيات الرقمية، يمكن تقديم حلول مبتكرة للتعامل مع هذه الظاهرة الخطيرة".

المنتبه لكمة سيادة الرئيس يجد أن التحول الرقمي أو بمعنى ادق التطور التكنولوجي الذي يحدث دخل الدولة سيُلاحقه دون شك حل المشكلات المختلفة على جميع الأصعدة سواء الموجودة أمامنا في الوقت الحاضر أو التي ستظهر لنا في المستقبل. ولعل السؤال الذي يسأله البعض منا، ماذا اعددت الحكومة منذ ذلك التاريخ – اقصد كلمة الرئيس - حتى الآن؟ الإجابة عن هذا السؤال ستجعلنا ننظر حولنا في التطور والتحول الذي نشهده الآن تمثل في الخدمات التي قدمتها مختلف الوزارات للمواطنين، ونستطيع ان نُجملها في عبارة واحدة "بوابة مصر الرقمية"، نجد أن هذه البوابة أو المنصة الرقمية تعج بكثير من الخدمات الضرورية واللازمة لنا جميعًا. ونجد أيضًا أثر هذا التحول الرقمي خلال ما حدث في جائحة كورونا، بل دعونا نقول نتاج "التحول الرقمي" فلم يتأثر اقتصاد بلادنا مثلما حدث في كثير من البلاد الأوروبية ذات الصيت الاقتصادي القومي، حينها نستطيع أن نُدرك أننا في حاجة ماسة لميز من التحول والتطور الرقمي في مختلف أركان الدولة، وذلك لكي يكون هذا التحول هو السد المانع والدرع الحصين ضد أي مؤثرات قد تلحق بنا سواء في الحاضر والتبوء بها في المستقبل. 

ولكن وجدنا انه لكي ننعُم بتحول رقمي علينا أن نبدأ من المدارس والجامعات، ومقصدنا في ذلك ليس فقط تطوير البنية التحتية والإنترنت بالمدارس والجامعات، بل وتقوية الطلاب علمية وعمليًا فيما يخص الكمبيوتر. لا يخفي علينا أن لغة البرجمة أصبحت من اهم اللغات تحدثًا في العالم الآن.

لابد أن تعود مادة الكمبيوتر (الحاسب الآلي) للتدريس في المدارس من جديد، نعلم أن لم تُلغ، ولكنها كالروح في جسد عليل غير قادر على مواصلة الحياة، لا جديد بها ولا روحها فيها. ولكي ينعُم الطلاب بمعرفة إلكترونية ورقمية واضحة وسهلة التناول، لابد وأن تُدرس هذه المادة تحت إشراف اختصاصيين خريجين متميزين علميًا وعمليًا من كليات الحاسبات والمعلومات أو كما اُطلق عليها حديثًا كليات "الذكاء الاصطناعي". حتى نستطيع أولا: تحقيق التكافؤ المقصود، وثانيًا: نستطيع أن نُقدم للمجتمع طالب في مرحلة التعليم ما قبل الجامعي لديه فكرة واضحة عن التقدم الذي يُحيط به في العالم أجمع. 

أما في المرحلة الجامعية، فلابد وأن يختلف مُستوى التدريس للكمبيوتر وأن تُصبح مادة أساسية مثلها في ذلك مثل المواد التخصصية المرتبطة بهذه الكلية أو هذه السنة، بحيث تُحاسب بدرجات فعلية بها نجاح ورسوب. أما عن محتوى الدراسة، فلابد أن يكون ذا مستوى أعلى بحيث يشمل البرجمة وغيرها من فنون قيادة الكمبيوتر. ويحضرنا هنا النصيحة التي وجهاه سيادة الرئيس في احدى الندوات بأحد الجامعات، عند حديثه وبسؤاله لأحد الطلاب الحاضرين عن دراسته، فأجابه الطالب: انا في السنة الثانية من كلية الحقوق، فسرعان ما إجابة الرئيس عليك بألا تُضيع الوقت فقط بالدراسة داخل كليتك، وعليك ان تُدرس بجانب كليتك الكمبيوتر، وشدد الرئيس السيسي خلال كلماته ونصحه للطلاب في الندوة على دراسة الكمبيوتر، لأهميته ليس فقط داخل المجتمع المحلي، ولكن على المستوى العالمي ايضًا.

لذلك أتمنى من وزارتي "التربية والتعليم" و"التعليم العالي"، أن تقوم بعمل إعادة تأسيس وتطوير شاملة لجميع المناهج المستخدمة لشرح وتدريس مادة الحاسب الآلي "الكمبيوتر"، حتى وإن تم تطويرها من قبل، فلابد وأن يطرأ عليها تغير بحيث تستطيع ان تواكب وتُلاحق التقدم الذي نعيشه الآن. هذا عن الطلاب سواء طلاب ما قبل المرحلة الجامعية، وطلاب المرحلة الجامعية. فماذا عن باقي الأفراد أو المواطنين الذي انهوا دراستهم ولم يتمكنوا من دراسة الكمبيوتر ولو جزء بسيط منه؟

عزيزي القارئ لقد شاهدنا مبادرة أو مشروع قومي واضح المعالم، من اجل محو الامية الرقمية للأفراد في المؤسسات المختلفة، سواء للعاملين بالقطاع الحكومي، أو الأفراد والمواطنين الآخرين الغير عاملين بالجهاز الإداري بالدولة، وخير ما نستعين بها هنا خلال مقالنا هو ما كتبه الأستاذ الكاتب الصحفي حسن عبدالعظيم، خلال تحقيق نُشِرَ على بوابة جريدة أخبار اليوم تحت عنوان "محو الأمية الرقمية.. مشروع صناعة المستقبل"، دار الحوار مع ثلاث خبراء في الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وهم، محمود المهندس، أحمد مختار، أيمن محسب.

أوضح الأستاذ محمود المهندس خبير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، خلال كلمته إن الأمية الرقمية ليست عائقاً أمام تقديم وتوسيع الخدمات الحكومية الرقمية وخطة الدولة نحو الرقمنة، مضيفاً أن أغلب المواطنين الآن يستخدمون المحمول وجزء كبير منهم بالأساس لا يقرأ ولا يكتب وجزء منهم من كبار السن، موضحاً أن المحتوى الإلكتروني والتعامل معه أصبح سهلاً ولم يعد من رفاهيات الماضي ولا أزمة منظورة أو يمكن رصدها يمكن أن تعطل أو تبطئ من خطوات التحول الرقمي، مشيراً إلى عدد من الدول العربية ومصر من أوائل الدول في هذا السياق بدأت في تدشين مشروعات لمحو الأمية الرقمية وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من خططها التنموية لأن التحول الرقمي أصبح أساساً ومشروعاً قومياً وجزءاً من سياسات الدول القومية.

وفي ذات السياق، يقول الدكتور أحمد مختار خبير الاتصالات، إنه يوجد فرق بين الأمية الرقمية والخدمات الإلكترونية والتحول الرقمي وبالأساس لا تؤثر الأمية الرقمية في إحداث تراجع ملموس في مصر لأن أغلب المواطنين سواء متعلمون باختلاف الدرجات أو أميون، صغار السن أو شباب أو كبار السن، يتعاملون الآن وباحترافية مع الهواتف المحمولة والإنترنت، وهو ما يسهل ويسرع من خطوات التوجه وسياسة الدولة نحو التحول الرقمي ورقمنة وميكنة الخدمات.   

وأشار "محسب" خلال كلمته، مطالباً منظمات المجتمع المدني بالتدخل والتكاتف مع الحكومة لإنهاء الأمية الرقمية وأمية القراءة والكتابة وعمل إحصائية دقيقة عن معدلات انتشارها والمشاركة عبر خطوات جادة ملموسة على الأرض خاصة في الأماكن البعيدة والتي تعاني في صمت وستستفيد جداً من التحول الرقمي وميكنة الخدمات.

بعد قراءتنا لقول هؤلاء الخبراء والمتخصصين في مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، السؤال الآن لك عزيزي القارئ، كم سنحتاج من الوقت لتحقيق نتاج لا بأس به من هذا المشروع؟ الإجابة عن هذا التساؤل هي ما تجعلنا نُبصر ما نحن عليه الآن. الآن ونحن على مشارف نهاية سنة 2022م، تمكنت الحكومة من تطوير عدد كبير من الوزارات ومن الخدمات المقدمة للمواطنين، وتم هذا التطور في وقت قياسي وتحت إشراف علمي رفيع المستوى، ولكن ماذا عن المستخدمين لهذه الأنظمة؟

علينا أن نُدرك جميعًا أتم الأدراك اننا أمام تحدي جديد من تحديات الحاضر والمستقبل، هو محو الأمية الرقمية للمواطنين من اجل تثقيفهم إلكترونيًا لمواكبة التطوير الحاصل داخل المؤسسات المختلفة للدولة من ناحية، ومن ناحية أخرى، من اجل حمايتهم من اختراق الخصوصية والسرقات الإلكترونية.

وأخيرًا، أتمنى ممن يقرأ كلماتي أن يجعل من نفسه سفيرًا لنشر الوعي الإلكتروني والاهمية الرقمية والتكنولوجية، لتكون أحاديثنا تدور حول هذا التحول المحوري والفعال الذي تشهده بلادنا الحبيبة، وايضًا أن نُعطي فرصة لأبنائنا لكي يدرسوا البرامج والمناهج الداعمة في الكليات التكنولوجية، لكي يكونوا نواة وأساس التقدم والتطور الذي ننشده ونأمله لبلادنا. 

Dr.Randa
Dr.Radwa