الخميس 25 ابريل 2024

«السناتر وعلو الحناجر»

مقالات27-10-2022 | 21:08

هُوجم وزير التعليم بضراوة في الآونة الأخيرة لتلويحه بمبادرة تقنين السناتر؛ حيث عُدّ هذا من قبل المتخصصين وغير المتخصصين خطوة نحو الاعتراف الكامل بالدروس الخصوصية، وتسليم نهائي بفشل منظومة المدارس.

وبالنظر للخطوة نجدها بلا شك تحمل الكثير من المكاشفة ومجاراة الواقع؛ حيث تعترف بخللٍ كبير في  دور وجدوى المدارس، واعتبرها صانعها خطوة داعمة للمسيرة التعليمية ونافعة اقتصاديا للدولة، ولم ينتبه من انتقد القرار إلى مشاكل محاور التعليم في مصر وما يشوب كل محور من مشاكل عجزت الأنظمة المتغايرة عن حلها على مدى عصور .

فمحاور التعليم الأساسية أربعة وهى: المدرس والطالب ثم مكان تلقي العلم - المدرسة والجامعة - ثم المنهج الذي يُدرس، وبالتدقيق نجد أن المُدرس غير مؤهل تعليمياً وتربوياً بالشكل الصحيح، ويعاني من ضآلة العائد المادى الذي لا يكفى لكفالة حياة كريمة له، مما يجعله يستشعر العوز والحرج معًا، فيقلل من قيمة نفسه ويجري لاهثًا نحو الدروس الخصوصية.

أما بالنسبة للطالب، فهو فاقد الثقة في المنظومة التعليمية ويحيا بـ"فوبيا الخوف من المستقبل"؛ مما يقوده لعجزٍ تام عن إخراج ما لديه من مواهب وقدرات خلاقة قد تكون نادرة وغير متوفرة فى غيره، ربما خوفاً من التنمر والسخرية وحتى من العقاب؛ فيتحول مع الوقت لروبوت يتلقى التعليمات ويفرغها بلا أثر عليه .

ثالثاً: بالنسبة للمدرسة، ضعف إمكانياتها المتوفرة نتيجة ضعف الدعم والتمويل المتاح للمدارس؛ يعتبر المعضلة الرئيسية في منظومتها مما انعكس على روح الآلية والكآبة والجدية السوداء التى تضفى آثارها السلبية على مكان تلقي العلم؛ مما يقلل حافزية الطلاب للذهاب إليها، ولا نغفل عن ظاهرة التكدس الطلابي الكبير داخل الفصول، إذا يحتوى الفصل الواحد على خمسين تلميذ فأكثر مما يقلل فرص العلم والاستيعاب.

ونأتي للمحور الرابع ألا وهو المناهج، التي تعتمد كلية على الحفظ والتلقين فقط، حتى فى المواد العلمية كالإحصاء والرياضيات ومسائل الفيزياء، بالإضافة إلى الحشو فى المناهج دون التركيز على نقاط الإبداع والابتكار؛ مما جعل اعتمادها على الجانب النظرى فقط وليس الجانب العملى؛ لعدم ملاءمتها  للتطور العلمى المستمر، نضيف إلى هذا، الفجوة الواضحة بين محتويات المناهج ومتطلبات سوق العمل ،خاصة  في التعليم الجامعي.

لا أحد ينكر الدعم السياسي الذي حظيت به  السياسات التعليمية في مصر منذ بداية ‏الإصلاح التعليمي، ولكنها حزمة إجراءات لم ترق في تعاملها مع هذه القضية إلي مستوي قضايا الأمن ‏القومي، لا من ناحية التمويل والدعم المادي، أو من ناحية توفير الأطر القانونية‏ والمؤسسية التي تعضد التوجه نحو التعليم كقضية أمن قومي؛ فعلى الرغم من التوجه الإيجابي العام للسياسات ‏التعليمية خلال العقد الماضي والجهود التي بذلت في سبيل تنفيذ هذه السياسات على أرض الواقع، والآثار الإيجابية التي تحققت، فإن النتائج قد جاءت دون ‏المستوى المأمول بقدر كبير وإن لم تخالف توقعات الكثيرين، ذلك أنه باستثناء ‏الاقتراب من تحقيق هدف الاستيعاب الكامل للأطفال في مرحلة الإلزام، فإن ‏أهداف السياسة العامة للتعليم والمتعلقة بضمان الاستمرار في العملية التعليمية حتى ‏نهاية مرحلة التعليم الأساسي وإكساب المهارات الأساسية المفترضة في ‏مرحلة الإلزام والمرحلة الثانوية التالية لها جاءت النتائج خافتة وغير مرضية، ويُضاف إلى ذلك الانتشار ‏المرضي لظاهرة الدروس الخصوصية في كافة مراحل التعليم وبين جميع ‏الطبقات الاجتماعية في الحضر والريف والتي أثقلت الدولة اقتصاديًا .

لذا تنحصر سيناريوهات المتوقع في مسألة التعليم ب مصر في سيناريوهين رئيسيين؛ الأول: التفاؤل، ويذهب أصحاب هذا التوجه إلى أن التعليم فى مصر سوف يشهد نهضة شاملة خلال العقدين المقبلين، وأن الإصلاحات التى تقوم بها الحكومات المصرية المتعاقبة ستؤدى فى النهاية إلى تحسين أحوال التعليم .

أما السيناريو الثانى فهو المتشائم؛ ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن التعليم فى مصر سوف يشهد انتكاسة ونكبة كبيرة فى المستقبل، وأن الإصلاحات بلا جدوى أو مردود عاجلاً وآجلاً ،نظرا لغياب معالجة أساس المشكلة.

  وأنا من خلال خبرتي الأكاديمية، أرى سيناريو ثالثًا؛ نصفه متفائل والآخر مُتشائم، ينصب في استمرارية ضعف موارد دعم التعليم في منظومة المدرس والمدارس لضعف الإمكانيات وتوالي الأزمات الاقتصادية داخل وخارج البلاد مما لا يكفل أي تغيير، لكن ربما هناك خطوط داعمة للعملية التعليمية متوازية مع منظومة المدارس وهو ما ظهرت بوادره من خلال تغيير المناهج وإعادة صياغتها وحذف الحشو المتراكم؛ من أجل مواكبة  العصر تماشياً مع القفزة الإلكترونية والرقمية، وهو ما يُعد مؤشراً لرفع كفاءة الطالب المتوسط وقناة اكتشاف وتنمية لمهارات الطالب الذكي الموهوب، كما أن حوكمة نظم الامتحانات والقضاء على ظاهرة الغش الجماعي يعد أحد الخطط الداعمة للتعليم، أما بالنسبة لتقنين السناتر فهو قرار يُعد من الخطوات التي تستفيد منها الدولة مادياً، وتحد إلى حد كبير من عشوائية الدروس الخصوصية لأفراد استغلوا وتوحشوا في بيوت الأسر المصرية، وربما تتحول ظاهرة السناتر لتكون شبيهة بظاهرة مجموعات التقوية السابقة في مدارسنا والتي كانت مصدر دعم للطالب وأكثر رأفة بجيوب رب الأسرة.

إن أصلحت التعليم أصلحت أمة كاملة اقتصاديًا واجتماعياً وسياسياً؛ فلنحاول معالجة ما يمكن علاجه ولو بالترميم؛ فالطالب المصري يستحق الدعم لتقدير علمه وإنتاجه، لذا من واجبنا توفير بديهيات البيئة الصالحة له من أجل تعليم مُجدٍ.

 

Dr.Randa
Dr.Radwa