الجمعة 19 ابريل 2024

ميزان الشعبية في عيون الرئيس

مقالات30-10-2022 | 12:55

إن الكدر حين يصيب النفس تعجز معه عن إدارك ما وراء ما تراه العين فينحسر صوت الحكمة بداخلها فلا تعرف للصدق معنى ولا تفهم للإخلاص مغزى.. لقد توقفت طويلا عند حديث الرئيس السيسي عن مسألة الشعبية في حساباته فهي في حسابه التنكر لمصلحة الوطن في وقت يراها البعض رصيدا يبحث عنه شاغل الاتحادية ليطيل بقاءه فيه.. لم تكن حسابات الرئيس السيسي وقت أن دعا إلى التصدي لرئاسة مصر وإعادة الدولة إلى مسارها بعد الانحراف الكبير الذي شهدته عقب أحداث 2011 وكاد يجهضها ويقوض أركانها.

كانت الشعبية في حساباته وسيلة لا غاية يستهدفها كانت أداته لتمرير مسار صعب وقاس كان يستلزم تطبيقه تحقيق أقرب المسافات بين رئيس الدولة وشعبه وهو ما سماه الرئيس بـ" اللحظة" التي تحدث الرئيس عن خطورة إهدارها أو سوء إدارة ثوران وطنية كانت تفيض بلا حدود عقب إزاحة تنظيم الإخوان وممثله في الحكم.

ولنتخيل معا المسار الإصلاحي الذي حماه وحصنه الرئيس بشعبيته والتي أتاحت تمريره والإيمان بجدواته وحتميته في زمن آخر هل كان يجرؤ أحد على طرح مثل تلك الإجراءات التي عجب من تلقي المصريين لها بالقبول والاصطفاف ورائها العدو قبل الصديق ليجتاز الرئيس بما له من رصيد شعبي سنوات وسنوات من تأجيل تناول الدواء المر الذي تسبب تأخيره في تفاقم أوجاعنا اليوم نتيجة أن معادلة الشعبية لدى من سبقوا الرئيس السيسي يظنون أن تعريفها هو الحرص على رضاء شعبي يطيل عمر الرئاسة حتى وإن كان ذلك على حساب الوطن ومستقبله.

تلك المعادلة التي عجز عن فهمها واستيعاب نبل مقصدها نخب ظلت تثرثر حولنا وتملأ الفضاء تنظيرا وتستغرق في بطولات وهمية لا تسمن ولا تغني من جوع.. من منا كان يدرك تعجل الرئيس في الإنجاز وأنه كان استغلالا للحظة مهمة وفارقة أراد فيها أن يقفز الوطن خطوات وخطوات مدفوعا بحماسة متوهجة تشتهي صنع المعجزات وكسر التحديات.. من كان يدرك ذلك؟

كان الجميع متقزما في تصوره لقدرة المصريين على استيعاب الخطر والاصطفاف المذهل وفي الوقت الذي كان الجميع يتخوف على شعبية الرئيس كان الرئيس نفسه أول المتطوعين بها راضيا مرضيا في سبيل إنجاز مهمته لانتشال الوطن من دائرة العوز التي نصبت خيمة من الإحباط ظللت سماء الوطن لعقود طويلة اكتفينا فيها بانتقاد أوضاعنا دون محاولة حقيقية لتغييرها أو إصلاحها فتحت حسابات الشعبية اكتفت قيادات سابقة بانتهاج سياسة المسكنات التي أصابت كبد الوطن وتسببت في إفشاله فكانت الفوضى المدمرة والتحرك في الطريق المعاكس بل صورت للبغض أن استعداء الدولة هو أول طريق الفلاح.

إن الرئيس السيسي لم يشغله يوما مستوى شعبية فلم يكن يوما طامعا في مغنم أو متطلعا لاستثمار بطولته في عيون الناس وإن كان هذا الشخص لكان أحرى به أن يواصل استخدام المسكنات ويحيل بدء الإصلاح إلى إشعار آخر وكان لديه من المبررات الكثير بدءا من ضرورة مواجهة إرهاب استشرى أو الكتفاء بتفنيد صعوبة أوضاع بلد منهك اقتصاديا تسلم دفة قيادته في لحظة شديدة التعقيد ..لم يفعل ذلك الرئيس السيسي حيث لم تفارقه روح المقاتل لحظة حتى وإن خلع بدلته العسكرية لتولي منصب الرئاسة.

إن هذا المسار وهذا التجرد عن الغرض يؤلم كثيرين يريدون أن يبقى الوطن فرصة لتحقيق الثراء أو تحصيل المغانم أو تثبيت لشهرة لا يريدونه قويا قادرا مدركا لزمانه جسورا في مواجهة تحدياته ويريدون للمصريين أن يرتبكوا فيخونوا الأمين ويأتمنوا الخائن.. يريدون تشتيت إفاقة تشكلت وعزم تأكد على تجاوز الصعاب وإحداث تغيير حقيقي.. يريدون انتكاسة يشتاقون إليها ليبقى الوطن أسيرا لتقزم إرادتهم وهوان عزيمتهم.

إن هؤلاء المنتكسين يعجزون عن فهم روح المقاتل داخل الرئيس وأنه وفي لعهده مع الله ثم عهده مع شعبه وأنه سيبقى مدافعا عن حقهم في العيش في وطن يليق بصبرهم واصطفافهم ونسوا أنه أقسم أن يرعى مصالحه مهما كانت الكلفة ومهما بهظ الثمن فعن عن أي شعبية تظنون أنه يبحث عنها أو يلتفت إليها؟ّ! إن من حمل روحه ومستقبل أسرته على كفه ليلقي بيان 3 يوليو ليمتلئ صوته بنبرات الملايين الرافضة للاستسلام وقبول فرض الأمر الواقع الذي حيك في جنح الظلام لإسقاط مصر سيبقى كذلك يحكم الواجب تحركه ويهيمن ما يجب اتخاذه على تصرفه غير عابئ بشعبية أو هتاف فقلبه معلق بالله ومطمئن به.