قالت ممثلة منظمة الصحة العالمية في مصر، الدكتورة نعيمة القصير، إن مصر لم تميز في تقديم الخدمات الطبية بين مواطنيها والوافدين، وكانت من أوائل الدول التي تعاونت مع المجتمع الدولي والإقليمي؛ تعزيزًا للمجهودات الاستثنائية للاستعداد والاستجابة الفعالة لمواجهة جائحة كورونا وإيجاد التوازن الاستراتيجي المبني على الأدلة والبراهين؛ لضمان استمرارية تقديم جميع الخدمات، بما فيها التقدم والتوسع للتأمين الصحي الشامل وضمان إرساء مبدأ (عدم ترك أحد).
وأضافت الدكتورة نعيمة القصير - خلال الجلسة الثانية لمؤتمر الأهرام الثالث للدواء (الدواء والرعاية الصحية في الجمهورية الجديدة)، والتي جاءت تحت عنوان (نحو رعاية صحية مستدامة في ظل التقدم العلمي والأدوية المبتكرة)، وترأسها الدكتور محمد سويلم - أن "شعار المؤتمر هذا العام يعد ترجمة لرؤية الحكومة المصرية التي تدعم تطور القطاع الصحي بشكل شمولي لينضم أيضاً قطاع الدواء"، منوهة بتثمين المنظمة لإعطاء الأولوية لقطاع الصحة، والذي أتضح جليا من خلال التعاون الدائم مع الحكومة المصرية ممثلة في وزارة الصحة والسكان وجميع الشركاء بالقطاع الصحي.
وتابعت: "جائحة كورونا لم تكن محنة فقط في العاميين الماضيين، ولكنها أبرزت فرصا كثيرة أثبتت أهمية التضامن والتكاتف بين أجهزة الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص والعلماء، كما أثبتت أن علينا مسئولية ومحاسبية مشتركة لمجابهة أي طارئ صحي كأفراد وأسر ومؤسسات رسمية أو أهلية.. فالصحة للجميع وبالجميع".
وشددت على دور مصر المهم في البحث العلمي وتوليد الأدلة وتقديم الحلول العلمية المبتكرة بالتعاون مع الشركاء علي المستوي المحلي والإقليمي والعالمي، لافتة إلى ضرورة أن تكون الصحة مكونا واضحا ومركزيا في عملية صنع القرار باستخدام إطار الصحة في جميع السياسات، وهو نهج متكامل لدمج الصحة في عملية صنع القرار عبر القطاعات المختلفة.
كما شددت على ضرورة إيجاد آلية رصد وترصد وقياس آثار الاستخدام الرشيد والأمن للدواء، بالإضافة إلى البحوث السلوكية التي تدرس المردود الصحي والاقتصادي والاجتماعي وتهدف إلى تعزيز دور المجتمعات فى المحافظة على أنماط السلوكيات الصحية للفرد والأسرة، مثل التغذية السليمة وعدم الهدر والنظافة والنشاط البدني ووقف التدخين كنواة اساسية للتنمية والرفاة، موضحة أن هنا يأتي دور الأسر والإعلام فى تنوير المجتمع ومكافحة الشائعات للرفع من مستوى الوعي المجتمعي ووعي العاملين بالقطاع الصحي.
كما نوهت بأن المبادرات الرئاسية تعد نموذجا فريدا داعماً لجهود المضي قدما في تحقيق التغطية الصحية الشاملة، ومنها مبادرة "100 مليون صحة" ببرامجها المختلفة، وكذا قصة نجاح مصر نحو القضاء على "فيروس سي" ومبادرة "حياة كريمة"، التي تعمل من أجل توفير الرفاة للجميع واحترام الإنسان والارتقاء بمستوى الخدمات للفئات الأولى بالرعاية، بالإضافة إلى التوجه الاستراتيجي للدولة المصرية للتحول الرقمي لبناء "مصر الرقمية" مما سيرفع جودة الأداء في الخدمات الصحية وتوفير الدعم لعملية صناعة القرار وتعزيز الحوكمة وترجمة الرؤية السديدة للدولة على أرض الواقع.
وبالنسبة إلى مسألة النمو السكاني، قالت الدكتورة نعيمة القصير "إن الحكومة المصرية شرعت في تنفيذ المشروع الوطني لتنمية الأسرة، حيث تتعاون الوزارات ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية، ليس فقط للحد من النمو السكاني، ولكن على نفس القدر من الأهمية لتحسين خصائص رأس المال البشري".
وبينت أن معدلات النمو السكاني تباطأت، حيث انخفضت من 2.62% في عام 2017 إلى 1.79% في 2019، مع انخفاض معدلات الخصوبة من 3.4 في عام 2017 إلى 2.9 في 2020.. وأضافت أنه إلى جانب المبادرات والاستراتيجيات تسعى الحكومة المصرية إلى التطوير المؤسسي لنظام الرعاية الصحية وزيادة إمكانية الوصول إليه لتحقيق نظام رعاية صحية شامل للجميع، منوهة بأنه في 2019 حصل 56.9 مليون مصري على تغطية تأمينية طبية، ارتفاعا من 51.1 مليون في عام 2015.
وأشارت إلى أن تعزيز الصحة عبر خدمات وبرامج الصحة العامة وتيسير الحصول على خدمات تعزيز الصحة والكشف المبكر والخدمات التشخيصية والعلاجية والتأهيلية ذات الكفاءة والجودة من دون ضائقة مالية حسب مفهوم التغطية الصحية الشاملة، بالإضافة إلى مناهضة التمييز والمساواة في الحصول على الأدوية والمستلزمات واللقاحات، يعتبر من ركائز الأمن القومي.
وأوضحت أن المفهوم يتعدى ذلك إلى ضمان المساواة في الحقوق الاجتماعية والاقتصادية لما لهم من اثر على الصحة، وأيضا ضمان المشاركة والتضامن بين القطاع العام والخاص ومنظمات المجتمع المدني وشركاء التنمية من مانحين ومنظمات دولية، ودورهم في تعزيز الصحة تماشيا مع الهدف الرئيسى لمنظمة الصحة العالمية والمنصوص عليه في دستور المنظمة ألا وهو "أن تبلغ جميع الشعوب أرفع مستوى صحي ممكن".
وأكدت أن منظمة الصحة العالمية تعمل يداً بيد مع الحكومة المصرية وجميع القطاعات التي تقوم على تحسين الصحة العامة للمصريين لجعل التغطية الصحية الشاملة ذات جودة عالية حقيقة واقعة من خلال دعم النظم الصحية، ومنها دعم نظم المعلومات الصحية والملف الطبي الإلكتروني وسلامة المرضى وجودة الخدمات الطبية ومكافحة العدوى والحوكمة السريرية.
كما أوضحت أن المنظمة دعمت العمل من خلال الحوكمة السريرية لضمان العمل المشترك برؤية واحدة وترابط الهيئات المختلفة من خلال صنع القرار المبني على البراهين من خلال الرصد والترصد المستمر والتغذية الراجعة لصنع الحلول الميدانية المدروسة، لافتة إلى أن تلك الحلول أثبتت فعالية الاستثمار في تعزيز الخدمات الصحية والنظم الصحية المرنة كدرع أساسي للطوارئ الصحية لتوفير الخدمات الصحية الجيدة والعادلة بدون التعرض إلي ضائقة مالية، كما تتميز مجموعة الخدمات الطبية المقدمة في مصر بأسعار تنافسية تجعلها في متناول الدخل المتوسط وتوافر الأدوية بشكل عادل.
وبينت كذلك التكلفة الكبيرة لمقاومة مضادات الميكروبات على الاقتصادات الوطنية ونظمها الصحية، وذلك نظرا لتأثيرها على إنتاجية المرضى أو القائمين على رعايتهم من خلال الإقامة الطويلة في المستشفيات والحاجة إلى رعاية أكثر تكلفة ومكثفة، حيث تشير الدراسات إلى أن (Global Annual GDP) الناتج المحلي الإجمالي العالمي السنوي يمكن أن ينخفض بنحو 1%، وستكون هناك خسارة بنسبة 5 - 7% في البلدان النامية بحلول عام 2050.
وذكرت أن هذه النسبة في نهاية المطاف تترجم إلى 100 - 210 تريليونات دولار، مشيرة إلى أنه بسبب مقاومة مضادات الميكروبات ستصبح الفجوة بين البلدان النامية والبلدان المتقدمة النمو أكثر وضوحا؛ ونتيجة لذلك، سيزداد عدم الإنصاف زيادة كبيرة، لذا فإن منظمة الصحة العالمية تدعم تنفيذ استراتيجية مقاومة مضادات الميكروبات باعتبارها تحديا صحيا ناشئا.
ونوهت كذلك بأن المنظمة قامت بدعم اعتماد هيئة الدواء المصرية كهيئة رقابية حاصلة على مستوي النضج الثالث في مجال اللقاحات "دولة مصنعة"، مما يجعل مصر الأولي على مستوي الإقليم والتاسعة على مستوي العالم في الحصول على هذا الاعتماد، موضحة أنه حاليا تقوم المنظمة بتقديم الدعم اللازم لضمان جاهزية هيئة الدواء للحصول على هذا المستوي، وذلك في ضوء اهتمام الدولة بتوطين صناعة الدواء كأولوية قصوى من خلال خبرة مصر الكبيرة في صناعة الأدوية، حيث أنها تنتج نحو 80% من احتياجات السوق المحلي من الأدوية.
ونوهت كذلك إلى أنه خلال جائحة كورونا كان الابتكار الصحي بوابة للاستجابة للعديد من التحديات الصحية في جميع أنحاء العالم، فهذه هي أول جائحة في التاريخ تستخدم فيها التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع للحفاظ على سلامة الناس، وقد نفذت وزارة الصحة والسكان المصرية العديد من الابتكارات الصحية الرقمية لتوفير فرصا حقيقية لتوفير الخدمات الصحية.
وفي سياق الطوارئ الصحية، قالت ممثلة منظمة الصحة العالمية "إن تغير المناخ يعد أكبر تهديد صحي يواجه البشرية، ويستجيب المتخصصون الصحيون في جميع أنحاء العالم للأضرار الصحية التي تسببها هذه الأزمة من تقويض للعديد من المحددات الاجتماعية للصحة الجيدة، مثل سبل العيش والمساواة والوصول إلى الرعاية الصحية، ومنها الدواء".
وأضافت أن اختيار مصر لتكون المستضيف لقمة المناخ (COP27)، والتي ستقام في خلال الأيام المقبلة في مدينة شرم الشيخ، يعكس المكانة التي تحظى بها مصر في المنطقة بل العالم في مجال مجابهة القضايا التي تؤرق المجتمع الدولي في جميع مجالات الحياة، ومن ضمنها الصحة.
ومن جهته، قال مساعد وزير الصحة والسكان للمبادرات الرئاسية الدكتور محمد حساني "إن رؤية مصر 2030 تقوم على بناء الإنسان وفقاً لرؤية القيادة السياسية لرفع الرضا لدي المواطنين نحو المنظومة الصحية وتقديم حلول صحية سريعة يشعر بها المواطن، وبناء عليه تم تدشين المبادرات الرئاسية، ومنها القضاء علي فيروس سي والأمراض غير السارية، حيث كانت الانطلاقة في 2018 وشهدت تفاعلا كبيرا من كافة القطاعات، وتم فحص 60 مليون مصري في أقل من ستة أشهر، وأصبح لدي مصر خريطة صحية وقاعدة بيانات لعدد المصابين من الأمرض غير السارية".
وأضاف أنه عقب ذلك تم إطلاق عدد من المبادرات الصحية تمهيداً لتدشين التأمين الصحي الشامل، والذي بدأ في مراحله الأولي بمحافظات (بورسعيد، الاسماعيلية، الأقصر)، وتم تحديد المتطلبات الصحية لكل مرحلة من مراحله، منوها بأن مصر الدولة الأولى إفريقيا في دراسات البحث ومن ضمن ست دول لتوطين صناعات لقاحات وأدوية كورونا.
وأكد أن مشروع التأمين الصحي الشامل مشروع كبير للغاية ويعد من المشروعات الأهم في مجال الصحة، حيث يتوافق مع رؤية مصر 2030 نحو تغطية صحية كاملة تلبي احتياجات المواطن.
ولفت إلى ضرورة الفحص المبكر لسرطان الثدي لما يحققه من نسبة شفاء كبيرة، مشددا على أن الاكتشاف المبكر يقلل تكلفة العلاج.. وأوضح أنه قبل المبادرة الرئاسية لصحة المرأة المصرية كان عدد السيدات اللاتي تقدمن لفحص الثدي لا يتخطي 6% فقط عام 2018.
ولفت إلى أن هناك 58% من السيدات اللاتي تم فحصن في المبادرة تم اكتشاف إصابتهن بالمرض، كما أنه نتيجة للمبادرة قلت نسبة الإصابة إلى النصف تقريباً أو يزيد، فضلا عن تراجع حجم السرطان نتيجة الكشف المبكر من 5 إلى 2.4 سم.
وقال الدكتور محمد سويلم رئيس إحدى شركات الأدوية، والذي ترأس الجلسة الثانية لمؤتمر الأهرام الثالث للدواء، "إن كافة المصریین يتمتعون بحیاة صحیة سلیمة آمنة من خلال تطبیق نظام صحي متكامل یتمیز بالإتاحة والجودة وعدم التمییز،
وقادر على تحسین المؤشرات الصحیة عن طریق تحقیق التغطیة الصحیة والوقائیة الشاملة والتدخل المبكر لكافة المواطنین، بما یكفل الحمایة المالیة لغیر القادرین، ویحقق رضاء المواطنین والعاملین في قطاع الصحة لتحقیق الرخاء والرفاھیة والسعادة والتنمیة الاجتماعیة والاقتصادیة، لتكون مصر رائدة في مجال الخدمات والبحوث الصحیة والوقائیة عربیاً وإفریقیا".
وأضاف أنه انطلاقا من رؤیة 2030، فقد حققت مصر تقدما كبيرا في توسیع نطاق الوصول إلى الرعایة الصحیة والأدویة المبتكرة، ويظهر ذلك في العدید من الإجراءات التي اتخذتھا الجھات الحكومیة، ومن بینھا المبادرات الرئاسیة وكیف أتاحت ھذه المبادرات للمرضى الوصول إلى خدمات رعایة صحیة عالیة الجودة حتى یتم تغطیتھم كاملة تحت مظلة التأمین الصحي الشامل.
وأكد ضرورة التوافق على تحلیل الوضع الحالي للمنظومة الصحیة والتوجه لاعتماد الابتكار بطریقة مستدامة، وتحدید الفرص لتمكین نظام الرعایة الصحیة المصري من الاستمرار في رفع جودة الرعایة.
ومن جهته، قال المدير التنفيذي لهيئة التأمين الصحي الشامل الدكتور حسام صادق "إن ترشيد الاإنفاق في المنظومة الصحية من أبرز المحاور الأساسية نحو رعاية صحية جيدة.. والمقصود بالترشيد وضع الموارد والمخصصات المالية في مكانها الصحيح".
وأوضح أن قانون التأمين الصحي الجديد له مميزات مهمة، أبرزها: تقنين صرف الدواء، والقضاء علي العشوائية، وتوفير البيانات أمام صانع القرار سواء فيما يخص الخريطة الصحية أو الأدوية الجديدة التي تطرأ علي سوق الدواء وأثبتت فاعليتها، منوها بأن البيانات التي وفرتها المبادرات الرئاسية بمثابة منجم للذهب، ومع تطبيق قانون التأمين الصحي الشامل سيكون لدى مصر معلومات بكافة الأمراض، وما يتعلق بالمنظومة الصحية علي مستوي الجمهورية.
وشدد على ضرورة توفير مجموعة من الآليات لضمان الاستدامة الصحية، وأبرزها التوسع في البحث العلمي والميكنة وتقنين كافة الأجراءات الخاصة بالمريض من دخول المستشفى حتى الحصول علي الخدمة كاملة.
وبدورها، قالت معاون وزير المالية ومستشار مجلس إدارة هيئة التأمين الصحي الشامل مي فريد "إن وجود رؤية واضحة وإطار تشريعي ورؤية مصر 2030 ومنظومة التأمين الصحي الشامل أعطى دعما وإطارا تشريعيا للانفاق الجيد على قطاع الصحة"، موضحة أن قانون المالية العامة يضع الموازنات ليس حسب الاحتياجات فقط، ولكن حسب الاستراتيجيات.
وقال مدير إحدى الشركات الرائدة في مجال التكنولوجيا الحيوية بالعالم الدكتور أحمد قشطة "إن قطاع الصحة في مصر شهد قفزات غير مسبوقة في اتجاه الرعاية الصحية للمريض المصري، إيمانا بحقه في تلقي خدمة صحية متميزة"، مشيرا إلى أن الرعاية الصحية تعد استثمارا بالغ التأثير على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي للدول.
وأضاف: أنه "تماشيا مع توجهات الدولة المصرية ورؤية مصر 2030، فإن ملف الصحة على رأس أولويات الدولة باعتبارها ركيزة أساسية للتقدم، وازدهار الدول"، مؤكدا ضرورة المراجعة الدقيقة والمحسوبة للأولية المولاة للأمراض، وذلك بناء على الأعباء المتصلة بشكل مباشر وغير مباشر بها على المواطن والدولة.
ولفت إلى أنه من ضمن الأمراض ذات التأثير البالغ أمراض القلب والشرايين، والتي أدت إلى 46% من معدل الوفيات عام 2017، مبينا أن أكثر من ثلثي المرضي في مصر لا يمكنهم الوصول لنسبة الكوليسترول المطلوبة، لذلك فإن الكشف المبكر والتدخل العلاجي الحاسم طبقا للبروتوكولات العالمية وسرعة إتاحة العلاجات الحديثة سوف يعود بالنفع على الدولة.