الجمعة 22 نوفمبر 2024

الأعمال التاريخية.. سلاح الحفاظ على الهوية

فيلم رد قلبي

5-11-2022 | 15:27

عمرو والى

تعد الدراما التاريخية واحدة من أهم أدوات ومرتكزات قوة مصر الناعمة، كونها تسهم فى تشكيل الصورة الذهنية وصياغة الوعى الجمعى لدى الجمهور، فيما تحظى هذه الأعمال سواء فى السينما أو التليفزيون بنسب مشاهدة عالية بسبب طبيعة إنتاجها الضخم، وموضوعاتها الجاذبة، وقدم صناع الفن على مدار سنوات مجموعة كبيرة من الأعمال التى تنوعت ما بين التاريخى الدينى، والتاريخى السياسى، بالإضافة إلى الأعمال التى تناولت السير الذاتية لشخصيات مؤثرة فى حياتنا،فقدمت النموذج والقدوة، ولكن مع بداية الألفية الجديدة انحسرت هذه الأعمال لدرجة الاختفاء، وما بين مشروعات جديدة تم الإعلان عنها لتقديمها خلال الفترة المقبلة، ومشروعات أخرى توقفت بشكل مفاجىء ... «الكواكب» طرحت مجموعة من التساؤلات حول أهمية هذه النوعية من الأعمال؟ ولماذا نحتاج إلى تقديمها فى الوقت الراهن؟  وناقشتها مع المتخصصين من خلال السطور القادمة..

 

برزت الأعمال التاريخية فى السينما المصرية منذ نشأتها  وكان من ضمن المخرجين الأوائل والذين قدموا الفيلم التاريخى هو المخرج الألمانى فريتز كرامب الذى أخرج فيلم «وداد» عام 1936 لكوكب الشرق أم كلثوم الذى تناول فترة من عصر المماليك عن قصة حب بين التاجر الشاب «باهر» وجاريته «وداد»، كما أخرج فيلم «لاشين» عام 1938 الذى تناول قصة لاشين قائد لجيش أحد الحكام. وقدم المخرج حسام الدين مصطفى الفيلم الشهير «الشيماء» الذى تناول تاريخيا فترة ظهور الرسول محمد من خلال قصة الشيماء أخت الرسول عليه الصلاة والسلام فى الرضاعة التى كانت تعيش فى بنى سعد بين أمها حليمة السعدية وأبيها الحارث بن عبد العزيز وشقيقها عبد الله.

وقدم المخرج أحمد بدرخان فيلم «دنانير» عام 1940 لأم كلثوم أيضًا عن البدوية جميلة الصوت «دنانير» مستعرضا حكاية البرامكة مع هارون الرشيد فى العصر العباسى، وقدم المخرج توجو مزراحى فيلم «سلامة» عام 1945 عن قصة حب بين رجل زاهد وجارية من مكة فى العصر الأموى، وجاء المخرج إبراهيم لاما ليقدم مجموعة من الأفلام التاريخية مثل «صلاح الدين الأيوبى» عام 1941 و«كليوباترا» عام 1943 و«قيس وليلى» عام 1939، وفى عام 1952 قدم فيلم من نوع السيرة الذاتية عن الزعيم الراحل مصطفى كامل يحمل اسمه.

 ثم جاءت الأفلام التاريخية الدينية مثل «ظهور الإسلام» 1951، من إخراج إبراهيم عز الدين، وفى عام 1953، تم تقديم فيلم  «انتصار الإسلام» إخراج أحمد الطوخى، لتتوالى سلسلة من الأفلام الدينية مثل: «بلال مؤذن الرسول» عام 1953 و«خالد بن الوليد» عام 1958 إخراج حسين صدقى، وفيلم «فارس بنى حمدان» عام 1966 للمخرج نيازى مصطفى عن شخصية تاريخية هى الشاعر والفارس العربى أبو فراس الحمدانى من الدولة الحمدانية.

وكان فيلم «رد قلبى» عام 1957 من إخراج عز الدين ذو الفقار تسجيلا لفترة ما قبل ثورة يوليو وما بعدها فى قالب روائى حتى يعده البعض تاريخيا، ومن أفلام التراث القديم فيلم «عنترة بن شداد» عام 1961 من إخراج نيازى مصطفى، والذى تناول سيرة الفارس والشاعر الجاهلى الشهير.

شهدت فترة الستينيات أفلامًا أخرى أشهرها: «رابعة العدوية» عام1963، وفى نفس العام فيلم «الناصر صلاح الدين» للمخرج يوسف شاهين، و«ألمظ وعبده الحامولى» عام 1962، كما تم إنتاج فيلم «واسلاماه» عام 1961 من إخراج إنريكو بومبا، وأندرو مارتون، وساعد فى الإخراج شادى عبد السلام،  و فيلم «سيد درويش» عام 1966 لتأتى السبعينيات بفيلم «الفلاح الفصيح» عام 1970 عن إحدى قصص البرديات، وفيلم «فجر الإسلام» عام 1971 لصلاح أبو سيف، ومع نصر أكتوبر ظهر العديد من الأعمال الفنية التى تخلّد بطولات الجيش المصرى أو تتناول بعض وقائعه ومن أهمها: فيلم «الطريق إلى إيلات» عام 1993، أو أفلام السير الذاتية لشخصيات فنية أو سياسية قريبة العهد مثل: أفلام «ناصر 56» فى 1996 و«كوكب الشرق» 1999 و«أيام السادات» 2001 و«حليم» عام 2005.

وخلال السنوات الخمس الماضية قدمت السينما مجموعة من الأعمال يمكن تصنيفها فى إطار الأعمال التاريخية ، بدءاً من «الكنز1» و«الكنز2»، و«الممر»، و«حرب كرموز»، وأخيراً «كيرة والجن»، والذى أعاد الزخم إلى هذه النوعية من الأعمال، ويشجع على تكرارها بتجارب مبتكرة.

«علامات بارزة»

ازدهرت الدراما التاريخية مع منتصف الثمانينات، وكانت ذروة العطاء الدرامى فى هذا فى تسعينيات القرن الماضى وحتى الألفية الجديدة، بل واستمر العطاء حتى عام 2012 تقريبا، فبرز الكثير من المسلسلات الشهيرة مثل: مسلسل «محمد رسول الله»، والذى صدر فى خمسة أجزاء بداية من 1980 وحتى 1985. ثم تلاه مسلسل «موسى بن نصير»، و«ابن تيمية»، وتوالت بعد ذلك المسلسلات التاريخية المتنوعة مثل: «أئمة الهدى»، «أبو حنيفة النعمان»، «الأبطال»، «الأنصار»، «الإمام ابن حزم»، «الإمام الترمذى»، «الإمام النسائى»، «الإمام محمد عبده»، «مسلسل عمرو بن العاص»، «عمر بن عبد العزيز»، «صدق وعده»، و«موسى بن نصير» «العارف بالله الإمام عبدالحليم محمود»  و«ابن ماجه القزوينى» وأيضاً مسلسل «إمام الدعاة» عن حياة الشيخ محمد متولى الشعراوى وهناك أيضاً مسلسل «الطارق» للمؤلف الراحل الكبير يسرى الجندى والمخرج أحمد صقر.كما قدمت الدراما مجموعة من الأعمال التاريخية تناولت سيرا ذاتية لشخصيات ومشاهير من التاريخ أبرزها: «أبو ضحكة جنان»، «أسمهان»، «أم كلثوم»، «أنا قلبى دليلى»، «ريا وسكينة»، «صديق العمر»، «على مبارك»، «فارس الرومانسية»، «قاسم أمين»، «رجل من هذا الزمان»، «الظاهر بيبرس»، «الأيام»، «جمال الدين الأفغانى».

كما تناولت مسلسلات أخرى فترات من التاريخ أبرزها: «سرايا عابدين»، «الجماعة1»، و«الجماعة 2»، و«نابليون والمحروسة» .

«مواصفات خاصة»

قال المؤلف والروائى عبد الرحيم كمال، إن العمل التاريخى مرتبط دائما بما هو ثقافى وفكرى، مشيرا إلى أنه كلما كان موضوع المسلسل موغلًا فى القدم يكون باللغة الفصحى،  وهنا  فالعمل التاريخى فى الدراما لابد أن يلتزم فيه المؤلف من خلاله بالثوابت فقط،  ولا يجوز التغيير فى التاريخ، أو واقعة معينة، كأن  يقول الكاتب  على سبيل المثال إنها قد حدثت على الرغم من عدم حدوثها فى ذلك الوقت، مضيفًا  أنه يحق للكاتب أن يضع وجهة نظره ولمسته الفنية فى الأمور المتعلقة بالحياة اليومية للشخصية التى يقدمها فى العمل الدرامى أو ماشابه.

وأضاف كمال قائلا:  المؤلف فى أى عمل تاريخى من المفترض أن ينتقى منطقة جاذبة فى التاريخ غنية بالإثارة والأحداث الساخنة وكاشفة عن مناطق غامضة لا يعرفها الجمهور، وهنا يجب أن تكون لديه رؤية فى التاريخ وليس مترجمًا دراميًا له، ولابد أن يقدم رؤية معاصرة تتميز بعناصر الجذب، فى هذا الإطار التاريخى، لأن الجمهور أكثر انجذابا لكواليس التاريخ المنسية وليس التاريخ الصرف بمعناه المباشر.

وأوضح كمال قائلا:  فى كل أعمالى الدرامية التى تدور فى إطار التاريخ حاولت استلهام الأمر بشكل مختلف، وبتوليفة جديدة تتقاطع مع مشاعر إنسانية، وهموم حياتية تصلح فى أى زمن، وبالتالى فلست ممن يكتبون التاريخ مثلما ورد فى الكتب أو المراجع فقط، ويمكن لأى قارىء أو مشاهد أن يبحث ويعرف تفاصيله، ولكن أحاول دائما البحث فى فترات تاريخية غامضة ومنسية إلى حد كبير، وبالتالى يصبح أمام المؤلف كنز يصلح للحكاية ويتطلع الناس لمعرفة تفاصيله وأصله، وهى أشبه بمغامرة ورهان، ورغم أن كل الأعمال التاريخية تتفق فى عنصر التكلفة الباهظة، إلا أن العائد المادى الخاص بها غير مضمون.

«وجدان الجمهور»

وأشار المخرج مصطفى الشال: إلى أن الأعمال التاريخية والدينية لها دور كبير فى تأصيل الثقافة والعادات والتقاليد ومعرفة الأجيال بتاريخ شخصيات عظيمة من تاريخنا بشكل عام بالإضافة إلى تشكيل وجدان الجمهور من خلال قصص وحكايات تظهر المعانى الإيجابية وتمثل القدوة.

وأضاف الشال: اللون التاريخى والدينى له جمهوره، وهناك أعمال قديمة تعرض حتى الآن ومازالت تحظى بنسب مشاهدة عالية رغم إعادة عرضها مرات عديدة،  وهناك مشروعات تاريخية موجودة وقائمة.

ويواصل الشال حديثه قائلا: بعد انتشار الفضائيات أصبح العمل الفنى محكوما بمنطق الربح والخسارة، و فى فترة من الفترات وتحديدا مع الثمانينيات والتسعينيات كان المسلسل التاريخى ثابتًا فى الدراما المصرية، ولكن مع بداية الألفية اكتفت الدول العربية بشراء المسلسلات التاريخية السورية، والتى تفوفت فى هذا المجال.

واستطرد المخرج الكبير حديثه قائلا: دائما ما نواجه مشكلة أخرى فى هذا النوع من الدراما وهو فكرة الترشيحات للممثلين لأن المشاركين فى مثل هذه المسلسلات التاريخية يجب أن يتمتعوا بمواصفات خاصة، وهنا فالمخرج يواجه صعوبات جمة فى إقناع النجوم لاسيما مع رفضهم المشاركة بأعمال بالفصحى، للخوف من الإقدام على هذه الخطوة، ومع الاستعانة بنجوم لهم خبرة فى المسرح إلا أنهم أصبحوا فى الظل بعد خفوت نجم هذه الأعمال الفنية.

«قواعد ثابتة»

وأكد الناقد الفنى سمير الجمل أن الأعمال التاريخية سواء فى السينما أو الدراما تلعب دورا هاما فى توعية وتثقيف المشاهدين، لاسيما الأجيال الناشئة، والتى لم تعد منجذبة بشكل كبير للقراءة أو الإطلاع، وسيطر عليها الاهتمام بالتكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعى، بالإضافة إلى أن الجمهور العربى لديه شغف كبير بالأعمال التى تتحدث عن حقب زمنية قديمة، سواء كانت فى التاريخ القريب أو القديم.

وأضاف الجمل أن جميع القائمين على صناعة الفن طالبوا كثيرا بضرورة عودة تقديم الأعمال الفنية التاريخية والتى كانت وجبة أساسية فى المواسم الدرامية الرمضانية فى حقبتى الثمانينيات والتسعينيات.

وأوضح الجمل قائلا: الكاتب والمخرج بالإضافة إلى الممثلين فى مثل هذه الأعمال يجب أن يتفرغوا تماما له من حيث البحث المتقن الدقيق بشكل لا خلاف عليه، بالإضافة إلى التمثيل والإخراج، واختيار العناصر الفنية من مكياج، وملابس، وديكورات، وتسخير كل الإمكانيات الفنية لتقديم عمل فنى تاريخى سينمائيا أو تليفزيونيا، حتى يتحقق عنصر المصداقية، ولايثير سخرية الجمهور.

وختم الجمل قائلا:  ينبغى بطبيعة الحال الاستعانة بالمؤرخين، أثناء تقديم هذه الأعمال الفنية، حتى لاتحدث أية أخطاء تاريخية فى السيناريو، وإعطاء الوقت الكافى للعمل من حيث التحضيرات.

«جدل مستمر»

فسر الناقد الفنى طارق الشناوى حالة الجدل التى  تصاحب كل الأعمال التاريخية التى قدمتها الدراما والسينما المصرية بأن الجمهور المتلقى يتعامل معها بتوجهات لاشعورية فترى الشخصية العامة بصورة ومظهر لايمكن معها قبول النقد حتى ولو كان حقيقياً، موضحا أنه لايمكن لأى عمل فنى أن يدعى أنه التاريخ المطلق، فيجب التعامل مع الأمر بموضوعية، لأن العمل التاريخى فى النهاية يجب أن يوفر مساحة مقننة من الخيال وليست مطلقة يلتزم فيها صانع العمل بمحددات ووقائع واضحة لاجدال فيها.

وأضاف الشناوى أن التاريخ فى النهاية هو مصدر السينما والدراما وليس العكس، ويجب أن تظل هناك مساحة بين الواقع والخيال، ولكن بحدود، فلا يكون خيالا مطلقا، ولكن بمنطق، وفى نفس الوقت لايصح اختراع أشخاص أو أحداث رئيسية فى العمل التاريخى حتى نرسخ لصورة ذهنية خاطئة لدى الجمهور، لأنه فى النهاية لا يجوز تزوير التاريخ.

وعزى الشناوى السبب فى غياب المسلسلات التاريخية خلال الآونة الأخيرة للعامل الإنتاجى و التخوف من المغامرة والفشل،  كما أن هذا النوع من المسلسلات يكون مكلفا ماديا بشكل كبير، فهناك الكثير من الأعمال التاريخية التى أخذت الكثير من الوقت و المجهود فى التصوير والتحضير، ولكنها لم تحقق نجاحا، لذلك يخاف المنتجون من إنتاج هذا النوع من المسلسلات.

وختم الشناوى حديثه قائلا : الأعمال التاريخية تتطلب إتقان اللغة العربية بشكل كبير، وهو ما يصعب على بعض الممثلين، كما أن تلك المسلسلات تحتاج إلى وقت كبير من التصوير بسبب ضرورة عنصر الدقة فى كافة عناصر العمل وتوصيل الفكرة للمشاهد.

«أزمة رئيسية»

ويرى الدكتور محمد عفيفى، أستاذ التاريخ الحديث بكلية الآداب جامعة القاهرة، أن الأعمال التاريخية فى النهاية عمل إبداعى، يوجد به هامش كبير للإبداع، لافتاً إلى أن الفيلم التاريخى ليس فى النهاية كتاباً تاريخيا، وليس هو التاريخ بحد ذاته، وبالتالى لايمكن الحكم عليه من قبل المؤرخين، موضحا أن المشكلة الرئيسية تكمن فى عدم وجود ثقافة تاريخية واسعة لدى الجمهور المتلقى وبالتالى يصدق ما جاء فى الفيلم أو الرواية التاريخية وكأنه الواقع.