الخميس 18 ابريل 2024

علماء مصريون عظماء.. وقصص نجاحهم الملهمة (21)

مقالات7-11-2022 | 21:17

د. حسين سعيد.. أستاذ فسيولوجيا النبات (1977 -1911)

أتحدث اليوم عن عالم من علماء جيل مهم من الذين بزغوا من قلب الجامعة المصرية، وتبوأ عمادة كلية العلوم ووزارة التعليم العالي، وكان وسط كوكبة من علماء كلية العلوم المشهورين، إنه الدكتور حسين محمد سعيد أستاذ فسيولوجيا النبات.

كان الدكتور حسين سعيد فارع الطول كثير الاحترام، له هيبة طيبة عرفناه نحن جيل الستينيات، الذي شاهد وعاش في رحاب بيئة جامعية خصبة كان الكل فيها من القامات وكان هو نفسه قامة عظيمة.

هو أستاذ فسيولوجيا النبات ورئيس قسم النبات ووكيل الكلية لشئون الطلاب، وعميد كلية العلوم ووزير التعليم العالي، سجل اسمه بحروف من نور وسط عمالقة الجامعة المصرية.

دكتور حسين سعيد من مواليد مدينة الزقازيق يناير 1911، حصل على بكالوريوس العلوم عام 1933، ثم سافر إلى إنجلترا في 1934 حيث حصل على دبلومة في فسيولوجيا النبات من الكلية الإمبراطورية بلندن، ثم حصل على الدكتوراه في فلسفة العلوم عام 1937 من جامعة كامبريدج، وعين مدرسًا في سبتمبر 1937 وفى 1967 حصل على دكتوراه العلوم D. Sc. من جامعة القاهرة، حيث تم وضع اسمه بقاعة الشرف للعلماء العرب المعاصرين، وفي عام 1966 عين أستاذًا متفرغًا بقسم علم النبات بكلية العلوم جامعة القاهرة.

أما عن مدرسة علم فسيولوجيا النبات في قسم النبات بكلية العلوم بالجامعة المصرية، فقد بدأت تاريخيًا بعودة الدكتور حسين سعيد من بعثته الدراسية في جامعة كمبريدج بالمملكة المتحدة عام 1938، حيث قام بدعم التعاون العلمي بين قسم النبات كلية العلوم وكلية الزراعة ووزارة الزراعة، مستهدفاً الحد من استيراد بعض المواد والاستعاضة عنها ببدائلها المحلية، وكان من أول ثمار هذا التعاون استخلاص صبغة نباتية تكسب (الزبد) لونه الأصفر المعروف.

 وبعد بضع سنوات من التجارب المستمرة، أمكن استنباط نوع جديد من القطن يجمع بين وفرة المحصول (مثل الأشموني) وجودة صفات التيلة (مثل الكرنك)، ونال الدكتور حسين سعيد عن ذلك البحث جائزة من الملك فاروق الأول عام 1950 وكان مبلغها ذلك الوقت 1000 جنيها

قام الدكتور حسين سعيد بإنشاء مدرسته العلمية والتي تخرج منها كل من د. أحمد إبراهيم خليل و د. حسين أمين فوزي، حيث حصلا على البكالوريوس عام 1940 ودرجتي الماجستير ودكتوراه الفلسفة في التحولات الكربوهيدراتية في موضوع جذور الجزر تحت إشرافه. وتلا هذا الجيل جيل آخر من العلماء منهم د. أحمد الباز يونس الذي عين معيدا بالقسم 1952 ثم أستاذا عام 1970، وقد نقل بعد ذلك إلى جامعة المنصورة، وأصبح أستاذا للفسيولوجي ثم عميدًا للكلية، كما تخرج من القسم عام 1950 د. الحسيني يوسف ود. كامل صديق إبراهيم

كان د. حسين سعيد عضوًا في عدد من الجمعيات العلمية والمجالس العلمية، فهو عضو بالجمعية المصرية لعلم النبات، والمجلس الأعلى للعلوم، والأكاديمية المصرية للعلوم، كما كان عضوًا بالاتحاد القومي في ذلك الوقت، وعين رئيسًا لبعثته لأداء فريضة الحج عام 1958.

قام بنشر العديد من الأبحاث العلمية في علم وظائف أعضاء النبات (أكثر من 42 بحثا في مجلات عالمية) كما قام بتأليف كتاب عن فسيولوجيا النبات نحت عنوان : Fundamentals of Plant Physiology بمشاركة مع الأستاذ الدكتور إسماعيل ندا، وكتاب آخر تحت عنوان: Intermediate Botany، بمشاركة الأساتذة د. عبد الرحمن أمين، د. جرجس سدراك ود. أحمد الباز يونس.

ويعتبر كتاب "فسيولوجيا النبات" الذي قام بترجمته أربعة من تلاميذ د. حسين سعيد وهم: الدكاترة محمد جميل عبد الحافظ، محمد أحمد أبو ريا، إسماعيل ندا، محمد إبراهيم نجيب وأحمد إبراهيم خليل، وقدم له وهو وزيرًا للتعليم العالي واحدًا من أهم الكتب التي ظهرت في ذلك الوقت.

حيث قدم له كأستاذ الفسيولوجيا وأيضًا كمسئول حكومي بالقول: بأن أهم مشكلة تواجه العالم اليوم هي نقص المواد الغذائية، وبات من المهم العمل على إيجاد السبل الفعالة للتوسع الرأسي في الرقعة الزراعية؛ لزيادة غلة المحصول وتهيئة أفضل الطرق والمقومات لتنمية النبات، وهنا يظهر الدور القوي لعلم فسيولوجيا النبات، الذي يهدف إلى زيادة الإنتاج الزراعي، وتهيئة أفضل الظروف لإنبات البذور وتكوين الأزهار والثمار.

أقول تعليق ما أشبه الليلة بالبارحة، فنحن اليوم في أشد الحاجة إلى علم فسيولوجيا النبات من أجل زيادة الرقعة الزراعية في مصر، في ظل الأزمة الخانقة التي يعانى منها العالم.!

ومن الطرائف التي حكى لي عنها سعادة العميد د. محمد الشرقاوي نقلًا عن د. محمد القصاص: أنه في صباح احد أيام الشتاء كان كعادته يتريض في شارع التحرير بالدقي بقميص خفيف، وفجأة توقفت سيارة مرسيدس بجانبه، حيث أطل من نافذتها د. حسين سعيد وقتها كان وزيرًا للتعليم العالي، وقال له نفسي أنزل وأتريض معك يا عبد الفتاح بدون البدلة اللي خانقة على نفسي وأستمتع مثلك وضحكا معًا، وبعدها خرج الوزير حسين سعيد من الوزارة!.

في يوليو من عام 1960، قام بتمثيل مصر بشكل رسمي ممثلًا للأكاديمية المصرية للعلوم في احتفال الجمعية الملكية بلندن عام 1960 بمناسبة مرور 300 عام على تأسيسها، وعلى مدى 8 أيام من الاستقبالات والمحاضرات والاحتفالات التي افتتحتها الملكة إليزابيث رسميًا في حفل أقيم في قاعة ألبرت، وفي وجود الملك جوستاف الخامس ملك السويد كزميل، وحضرها كوكبة من علماء العالم في العلوم منهم سي دي دارلينجتون، كريستوفر هينتون، آلان لويد هودجكين، برنارد لوفيل، والكسندر ر. تود

في عام 1966، فاز بجائزة الدولة التقديرية في العلوم، كما كان الحارس العام للجامعة الأمريكية بالقاهرة في نفس ذات الوقت.

تم تخصيص جائزة باسم د. حسين سعيد تمنح لأول وثاني خريجي الكلية من شعبة علم النبات، وتخليدًا لذكراه، فقد تم إطلاق اسمه على مدرج بقسم النبات وأيضًا معمل فسيولوجيا النبات.

توفي د. حسين محمد سعيد نهاية عام 1977 عن عمر يناهز 67 عامًا، بعد أن أدى ما عليه وترك مدرسة علمية يشار لها بالبنان في فسيولوجيا النبات، فقد كان علما نذكره جميعا بالخير والفخر.