الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

مقالات

قصائد مسيحية في حب النبي


  • 9-11-2022 | 10:35

ياسر ثابت

طباعة
  • د. ياسر ثابت

يزخر التراث الإنساني بروائع تجسد مشاعر وجدانية صادقة وحقيقية لدى عدد كبير من أدباء وشعراء مسيحيين في الشرق والغرب عبَّروا عنها في مدائح فريدة للرسول الكريم تفيض بالمودة والحب والتقدير.

من بين المعارضات الشعرية لقصيدة شوقي «نهج البردة» تلك التي جادت بها قريحة الشاعر السوري «ميخائيل خير الله ويردي» بعنوان «أنوار هادي الورى» وعدد أبياتها 124 بيتًا من البحر البسيط، فهو أول شاعر مسيحي ينظم قصيدة في نهج البردة على الإطلاق، وفتح الباب على مصراعيه أمام شعراء مسيحيين آخرين ليحذوا حذوه، ويسلكوا مسلكه، ويسيروا على دربه وخطاه، والتي قال في مطلعها:
أنوار هادي الورى في كعبة الحرم فاضت على ذكر جيران بذي سلم
وأرسلت نغم التوحيد عن ملك كالروح منطلق كالزهر مبتسم
إلى أن قال:
واجعل هواك رسول الله تلق به يوم الحساب شفيعًا فائق الكرم
هذا رسول الهدى فارشف على ظمأ من ورده العذب عطفًا شاق كل ظمي
كأنما قلبه ينبوع مرحمة مستبشر جذلان بالنسم
يا أيها المصطفى الميمون طالعه قد أطلع الله منك النور للظلم
وحفل العصر الحديث بعدد وافر من الأدباء والشعراء المسيحيين العرب ومن بينهم الشاعر اللبناني حليم دوس، الذي يتوجه بالشعر للرسول قائلًا:
أمحمدٌ والمجد بعض صفاته مجدت في تعليمك الأديانا
بعث الجهاد لدن بعثت وجردت أسياف صحبك تفتح البلدانا
أما شبلي شميل، الباحث والطبيب، فقد أبدع قصيدة رائعة أعرب فيها عن عظمة النبي الأمي وما حباه الله به من نعمة الفصاحة والبيان التي تمثلت في القرآن الكريم، من روائع وعظات وأحكام، فيقول:
دع من محمد في سدى قرآنه ما قد نحاه للحمة الغايات
ويقول:
نعم المدير والحكيم وإنه رب الفصاحة مصطفى الكلمات
رجل الحجا رجل السياسة والدها بطل حليف النصر في الغارات

ومن اللافت للانتباه أننا نجد دررًا لشعراء مسيحيين في مدح النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- مثل القصيدة المتماسكة لشاعر مِن عائلة أرمينية مسيحية كاثوليكيَّة، يهجم فيها على موضوعه بشكلٍ مباشر قائلًا:
أَنوارُ هادِي الورَى في دارةِ العِلمِ     ***      رَفَّت على ذِكر جيران بذِي سَلمِ
والقصيدة منشورة في مجلة "الرسالة"، في 6/10/1952م.
وفيها يزاوج الشاعر بين النصح والتشوق للنبي - عليه الصلاة والسلام -:
أقول للمصطفى: أعظمُ بما ابتدعت     ***      آياتُ ربِّك من خيرٍ ومِن نِعمِ
لو يَتبع الخَلقُ ما خلَّدتَ مِن سُنن     ***      لم يَفْتِكِ الجهلُ والإعوازُ بالأُممِ

ومن شعراء المديح النبوي المسيحيين الشاعر القروي رشيد سليم الخوري، وقد صاغ قصيدةً بعنوان "عيد البرية" يستحث فيها المسلمين لاستعادةِ مجدهم القديم منها، ويُقرئ رسولَ الله سلاماته وحبَّه، داعيًا إلى التحابِّ والتآخي بيْن المسلمين والمسيحيين؛ خِدمة لأوطانهم والشرق كله، فيهتف:
يا فاتحَ الأرضِ ميدانًا لدولتِه     ***      صارتْ بلادك ميدانًا لكلِّ قوي
يا قومُ هذا مسيحيٌّ يُذكِّركم     ***      لا يُنهض الشَّرقَ إلاَّ حبُّنا الأُخوي
فإنْ ذكرتم رسولَ الله تكرمةً     ***      فبلِّغوه سلامَ الشاعِر القروي

وبحسب دراسة أعدها د.خالد فهمي، أستاذ النقد والأدب بجامعة المنوفية، ونشرت في مجلة "الأزهر" في عام 2012، فإن مدح الشعراء المسيحيين للنبي محمد، لم يكن فيه أي تملق أو مداهنة، فقد خرجت كلماتهم من نبع مملوء بالحب الخالص والمجرد من أي أهداف سوى نشر المحبة والسلام، وتزكية روح التسامح بين جميع البشر بعيدًا عن انتماءاتهم الدينية أو العرقية.

وأشار خالد جودة، الباحث في تاريخ المدائح النبوية، إلى أن «المسيحيين هم أبناء الحضارة العربية الإسلامية، وقالوا أشعارهم في مدح رسول الإسلام، من هذا المنظور الحضاري»، مؤكدًا أنه أعد بحثًا في عام 2004، عن المدائح والسمات النبوية في مجموعة من القصائد الشعرية القديمة والحديثة التي ألقاها شعراء مسيحيون في هذا الجانب، قائلًا: «وضح لي أن العصر الحديث خرج بالمديح النبوي من كونه ينصب على مدح النبي الكريم، بتعداد صفاته الخلقية والخلقية وإظهار الشوق له ولمبادئه والصلاة عليه تقديرا وتعظيما، إلى البحث عنه كمنقذ لحل مشكلات العالم وطريق علاج لها».
وبالغوص في أعماق الشعراء المسيحيين الذين مدحوا المصطفى صلى الله عليه وسلم، نجدهم يؤكدون أن قصائدهم خرجت من القلب وتهدف لخدمة «العروبة»، الوطن الواحد الذي يستظل بسمائه الجميع، فهذا الشاعر السوري جاك شماس، المولود في عام 1947، يجيب عن سؤال طرحه على نفسه قبل أن يطلع عليه العامة: لماذا أتحدث عن رسول الإسلام محمد؟، وبيقين راسخ يجيب «شماس»، قائلًا: «إنه حديث من شغاف القلب.. لا يأخذ منحنى آخر سوى خدمة وطني وعروبتي».
ونلمس صدق مشاعر «شماس»، حين نقرأ أبياته التي تنم عن ثناء فائق الإبداع ألقى به في ساحة المدح النبوي قائلًا:

يممت طه المرسل الروحاني

ويجل طه الشاعـر النصرانـي

ماذا أسطر في نبـوغ محمـد

أنا يا محمد من سلالـة يعـرب

أهـواك ديـن محـبـة وتـفـان

وأذود عنـك مولـهـًا ومتيـمـًا

حتى ولو أجـزى بقطـع لسانـي

أكبرت شأوك في فصيـح بلاغتـي

وشغاف قلبـي مهجتـي وبيانـي

وأرتل الأشعار في شمـم النـدى

دين تجلي في شـذي الغفـران

وتسامـح يزهـو ببـرد فضيلـة

وشمائـل تشـدو بسيـب أغـان

أغدقت للعـرب النصـارى عـزة

ومكانـة ترقـى لـشـم مـعـان

وزرعت في قلب الرعيـة حكمـة

شماء تنطق في نـدى الوجـدان

أودعت يمنك في حدائـق مقلتـي

ووشمت مجدك في شغاف جنـان

ونذرت روحـي للعروبـة هائمـًا

بالضـاد والإنجـيـل والـقـرآن

ونقشت خلق محمد بمشاعـري

ودرجت أرشف كوثـر الرحمـن

وشتلت في دوح التآخـي أحرفـي

أختال زهـوًا في بنـي قحطـان

آخيت فاطمة العروبة في دمـي

وعفاف مريم في فـؤاد كيانـي

ولئـن تغطـرس أجنبـي حاقـد

كفقاعة الصابـون في الفنجـان

وإذا قرأتـم للـرسـول تحـيـة

فلتقـرءوه تحـيـة النصـرانـي

مهما مدحتـك يا رسـول فإنكـم

فوق المديح وفـوق كـل بيانـي

واللافت للنظر أنه في نفس عام 2010، الذي نظمت فيه مسابقة «البردة النبوية» بدولة الإمارات، فإن الشاعر المسيحي المصري سعد جرجس، فاز بجائزة خاصة من لجنة التحكيم، بعد أن حازت القصيدة التي نظمها كواحدة من أفضل القصائد التي قيلت في مدح الرسول الكريم.
ويسهب الشاعر السوري إلياس قنصل، الذي عاش بين عامي 1914 و1981، في أبياته متحدثًا عن صفات نبي الإسلام، قائلًا:

يقابل بالصبر الجميل ضغائنا

تمادى بها وعد بسب ويثلب

ويعفو عن الأسرى وكان

وعيدهم بما في نواياهم من الثأر يلهب

إذا جاءه الملهوف فهو له

أخ وإن جاءه المحروم فهو له أب

صفات نبي أحسن الله خلقه

نفوس الورى من رفدها تتهذب


وعلى الدرب ذاته، يسير الشاعر السوري جورج سلستي، الذي عاش بين عامي 1909 و1968، لينظم قصيدة اسماها «نجوى الرسول الأعظم»، أفاض فيها بمشاعره الجياشة التي تملكت قلبه تجاه رسول الإسلام:

أقبلت كالفجر وضاح الأسارير

يفيض وجهك بالنعماء والنور

على جبينك فجر الحق منبلج

وفي يديك مقاليد المقادير

أطلعت من هامت الدنيا بطلعته

ونافست فيه حتى موئل الحور

أطلعت أكرم خلق الله كلهم

وخاتم الرسل الصيد المغاوير

بوركت أرضًا تبث الطهر تربتها

كالطيب بثته أفواه القوارير

الدين ما زال يزكو في مرابعها

والنبل ما انفك فيها جد موفور

فذاك افتخارًا على الأكوان قاطبة

بما حبوت الورى يا بيد من نور

يا سيدي يا رسول الله معذرةً

إذا كبا فيك تبياني وتعبيري

ماذا أوفيك من حقٍ وتكرمةٍ

وأنت تعلو مدى ظني وتقديري

واكلا - عليك صلاة الله - أمتنا

حياك ربك حتى نفخة الصور

ولم يخش الشاعر السوري وصفي قرنفلي، الذي عاش بين عامي 1911 و1978، توجيه نقد له، أو أن تثار ضده حرب تطال كل شيء في حياته حين وصف النبي محمد، بـ«منقذ الشرق»، في أبياته التي عبَّرت حروفها عن شهادة حق قالها مواطن عربي في حق رسول الإسلام:

أو ليس الرسول منقذ هذا الشرق

من ظلمة الهوى والهوان

أفكنا لولا الرسول سوى

العبدان بئست معيشة العبدان

وما زلنا في دمشق نتريض في بساتين المحبة الإنسانية، التي أهداها لنا الشاعر جورج صيدح، الذي عاش بين عامي 1893 و1978، مطالبين معه باقي أفراد أمتنا العربية بأن يكون لهم في رسول الله أسوة حسنة:

يا صاحبي بأي آلاء النبي تكذبان؟

يا من سريت على البراق وجزت أشواط العنان

آن الأوان لأن تجدد ليلة المعراج آن

ويدخل الشاعر السكندري السوري الأصل ميشال مغربي، ميدان المديح النبوي، مهديًا رسول الإسلام، أبيات رائعة في ذكرى الاحتفال بمولده:

لا عيد للعرب إلا وهو سيده

ما دارت الأرض حول الشمس دورتها

هي العروبة لا ينهد حائطها

يا صاحب العيد يا من في موالده

إن كان للغرب عرفان وفلسفة

وإذا ما ذهبنا إلى لبنان، فسيشنف آذاننا الشاعر إلياس فرحات، الذي عاش بين عامي 1893 و1976، بأبيات يخاطب فيها رسول الإسلام، وكأنه يشكو له فيها ما ألم بالأمة العربية من تخبط وتخلف عن باقي الأمم، ويطلب منه مددًا يخرجنا مما نحن فيه، قائلًا:

يا رسول الله إنا أمة زجها التضليل في أعمق هوة

ذلك الجهل الذي حاربته لم يزل يظهر للشرق عتوه

وما زالت نسائم عشق الشعراء المسيحيين اللبنانيين للرسول الكريم، تنعشنا؛ حيث نرقى مع الشاعر اللبناني حليم دموس، المتوفى في عام 1957، إلى أعلى درجات المحبة الإنسانية المجردة من أي ميول، حين يمتدح النبي الكريم قائلًا:

أمحمد والمجد بعض صفاته

مجدت في تعليمك الأديانا

إني مسيحي أحب محمدا

وأراه في فلك العلا عنوانا


وتأبى خطانا أن تغادر لبنان، دون أن نذوب في نسائم العطر الشذى الذي تهديه لنا أبيات شاعر القطرين اللبناني خليل مطران، الذي عاش بين عامي 1872 و1949، التي نستشف منها أثر رسول الإسلام، في محاربة الجهل والشرك وإقامة العدل والإحسان إلى أهل الكتاب؛ حيث يقول:

بأي حلم مبيد الجهل عن ثقة

وأي عزم مذل القادة الصيد

أعاد ذاك الفتى الأمي أمنه

شملا جميعا من الغر الأماجيد

وزاد في الأرض تمهيدًا لدعوته

بعهده للمسيحيين واليهود

أما الشاعر اللبناني محبوب الخوري الشرتوني، الذي عاش بين عامي 1885 و1931، فيرقى بنا في قصيدته «عرب الحجاز.. تحية وسلام»، داحرًا الفتن التي يحاول البعض دسها بين المسلمين والمسيحيين، معلنًا للجميع أن العرب جميعًا أهل وأشقاء دون النظر إلى الديانة، ومطفئًا جذوة الصراع الطائفي الذي يسعى البعض لإبقائه مشتعلًا:

قالوا تحب العرب.. قلت أحبهم

يقضي الجوار عليَّ والأرحام

قالوا لقد بخلوا عليك.. أجبتهم

أهلي وإن بخلوا عليَّ كرام

قالوا الديانة.. قلت جيل زائل

ويزول معه حزازة وخصام

ومحمد بطل البرية كلها

هو للعرب أجمعين إمام

ويصف الشاعر اللبناني رشيد خوري، المعروف بـ«الشاعر القروي» الذي عاش بين عامي 1887 و1984، مولد رسول الإسلام، بـ«عيد البرية»، ناظمًا في هذا الجانب قصيدة حملت نفس العنوان، قال فيها:

عيد البرية عيد المولد النبوي

في المشرقين له والمغربين دوي

عيد النبي ابن عبدالله من طلعت

شمس الهداية من قرآنه العلوي

يا قوم هذا مسيحي يذكركم

لا ينهض الشرق إلا حبنا الأخوي

فإن ذكرتم رسول الله تكرمة

فبلغوه سلام الشاعر القروي

 

دعونا لا نغفل تلك الأبيات التي نظمها واحد من أبرز شعراء النصف الأول من القرن العشرين، وهو الشاعر الكبير شبلي الملاط، المعروف بـ«شاعر الأرز»، الذي عاش بين عامي 1878 و1961، ويقول فيها:

من للزمان بمثل فضل محمد

رفع الرسول عماد أُمة يعرب

وأعزها بالأهل والأصحاب

وهذا الشاعر يوسف البقاعين، الذي تعود جذور عائلته إلى منطقة البقاع، يؤكد أن مسيحيته لا تمنعه من القيام بواجبه في معرض إحياء ذكرى مولد النبي الكريم، ناظمًا في هذا الجانب قصيدة أسماها «أمة التوحيد» نذكر منها:

عاش ابن عبدالله في كل الورى

أحيا بمولده الشعوب فردهم

يا هاديا نهج السبيل وهاجرا

يا مشعلا فوق المآذن عاليا

ولقد نبذت الشرك في طرق الردى

هذا كتاب الله فيما بيننا


وعلى نفس الرُّوح ونفس الحب للنبيِّ الأمين صدَحتْ أشعار مارون عبود، وعبدالله يوركي، ورياض معلوف، ونيقولا فياض.