نعم عصي الحرف أصبح والكلمة باتت عذابًا جحيمًا.. حينما تتجرأ وتهم لتسكن جملة مفيدة.. ربما للبعض ومؤلمة للآخر.
نعم كلما هممت بسكب خوالجي العنيدة على تلك الورقة البيضاء المستسلمة.. تتصارع الأفكار برأسي ويهدر قلبي.. وأجد السطور تتهرب فارة.. من قبلة قلمي القاسية.. تطير، تسابق الريح.. حيث يتخلى بياضها عن سواد عاشقها بلا رحمة.
ذاك الذي لم يكف أبدًا عن ملاحقاتها حتى وإن سالت دموعها على شفاف قلبي؛ لتتشكل لوحة بوهيمية.. لا تأويل لها.. تزيدني حيرة فوق حيرتي المتأججة بصدري وعقلي اللذان يتصارعان فيما بينهما على التنبأ بما سيكتبه القلم؟، والتساؤل الحائر عما إذا ستستطيع صدر الورقة استقبال رصاصة؟.
نعم كثيرًا ما ارتعشت يدي، كي تقوى على الإمساك بهذه الأفكار المتضاربة دون جدوى، وهذا القلم السلاح الصلب ذو القلب اللين.. المختلف المتأجج بالأشكال والألوان، وكأنه هو الآخر تعمد أن يرتدي لباسًا مختلفة تعبر عن ما سيسكبه من جمر ممزوج بالحروف المتقدة على تلك الأوراق الطيبة.
الحمد لله.. مضت أيام، زادتها شهور طويلة والتجمد الذي يعتريني ويحفزني علي القوقعة في بؤرة الظل المائل بدأ بالانكسار والاعتراف بظلمه القاسي الذي سيطر به على حالي وحروفي المسكينة، ليذيقني مرارة تجرع الإحباط وهروب الأمل إلى اللاأمل.
لكن بين هذا وذاك.. انتصرت الروح على طغيان علة الجسد المسكون بالجمود، فيمسك بقلمي الساخر؛ ليرسم أحلام زاهية على فستاني الزهري من جديد.
فلا جمود مع الإبداع والكتابة أشبه بالبحارة الأبطال، الذين يخرجون علينا بوجوههم المتشربة بالحرة والتعب من شاشات السينما العملاقة.. وهم يموتون فداء مبادئهم وإصرارهم على الإمساك بموجة آمنة تصلهم ومن بصحبتهم إلى أخضر الله.
فهنيئًا لمن يتشبث بالأمل حتى الثمالة دون أن يكل أو يمل، ويكتب حتى النهاية.. حتى الامتزاج تمامًا بالفكرة والحرف والورقة.