الخميس 25 ابريل 2024

صناعة الأمل حرفة معنوية وعملية

مقالات13-11-2022 | 10:01

أعظم العبادات في كل الأديان هي إشاعة الأمل وكل المشاعر الإيجابية التي من شأنها تعمير الأرض، ونبذ الإحباط والكآبة وكل المشاعر السلبية التي من شأنها إفساد الحياة على كل بني آدم والكُفر بنعم الله المتعددة علينا في كل ربوع الأرض، لا تفرقة فيها بين جنس ولا دين ولا عرق ولا لون ولا عمر.

وهو الأمر الذي أعتبره بمثابة سباق التتابع الذي وجب على كل جيل تسليم زمام أموره للجيل الذي يليه، حاملين في ذلك عبء مسؤولية التوفيق بين عوامل المتاح من القدرات مقابل الوقت وحجم المنافسة، فالأمر يجب أن يكون خاضعاً للدراسة والتحليل والعمل، لا مجرد إطلاق العنان لطاقات التفاؤل دون تدبر أو عمل يبرر هذا الأمل أو يفتح له المجال ليصبح أمراً واقعاً وملموساً يمكن الاستمرار عليه واستكمال طريق هذا العمل مع مزيد من الأمل.

كنت أروح وأجيء متجولة بين عدة دول منذ صغري، وأتابع وأتأمل وأستسفر من والدايّ، وأضع التفاصيل في ذاكرتي، لم أعلم أنني اختزنتها لحين فهمٍ كامل، فلم أكن أبداً ضمن هؤلاء المنبهرين على إطلاقهم بالنماذج الغربية على حساب النموذج الوطني، فكنت أحسب الحسابات دائماً بعقلي وأتدبر الفوارق في كل شيئ كما تعلمنا في فقه المقارنات العلمية، فلا يمكن إجراء مقارنة بين تابع ومتبوع إلا بوجود قاسم مشترك على أقل تقدير أو عدة قواسم مع وجود اختلاف واحد أو أكثر يمكننا معه حساب الاختلاف.

وعلى العكس، كنت مراراً أجد كل التقدير من معظم من تعاملت معهم من الغرب بسبب اعتزازي بأصولي بلا تقليل أو تحقير منها، أو مبالغة أو تهويل في حق الطرف الآخر، ميزان الحكمة كان يقتضي وضع كل الأمور في نصابها الصحيح بشكل متوزان، فآلة التعلم دائماً تعمل في عقلي وتستحثني على امتصاص الخبرات واستلهام مفاتيح منظومة العمل أو الحياة في كل مكان وفقاً لطبيعته وطبيعة مواطنيه.

وعليه، علمت وآمنت بلغة الفوارق القدرية، والفوارق التي نصنعها نحن، فنحن لم نختر أي من تفاصيلنا التي خلقنا عليها كاللون والشكل والعرق والجنسية والدين، لكننا باختيارنا المطلق قررنا ماذا نأكل ونتعلم ومع من نتفاعل ومِن مَن نأخذ القدوة والحكمة، وكيف نستغل أعمارنا وصحتنا وكل نعم الله علينا، تماماً كما كانت أمي تعلمني في الصغر، تأملي الأفضل شأناً واجتهدي، وتأملي الأقل شأناً واحمدي الله على ما منحك واختصك به.

 ومن هنا تأتت الحاجة لممارسة مزيد من التأمل فيما يخص الطفرات الحاصلة من حولنا على مستوى صناعة التاريخ والتعمير في جغرافيا المكان، فلا شيء يبقى على حاله إلا بجدية العمل، وصرامة التنفيذ، واستدامته بمزيد من القدرات، وفتح آفاق جديدة ومتغيرة ومختلفة للتعاون مع أطراف متعددة.

فمن داخل الأرض المباركة سيناء، كان هنا توقيع لاتفاقيات شراكة بين مصر والإمارات لتوليد 10 جيجاوات من أكبر مزرعة لطاقة الرياح بمصر، وهنا توالي لتعاقدات إنتاج الهيدروجين الأخضر بمصر (وهي الأرخص عالمياً) بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس بالشراكة مع النرويج، حيث من المتوقع أيضاً أن ترتفع نسبة مصر من الاستحواذ على سوق الطاقة للهيدروجين الأخضر من 8%  إلى 15%، هذا إلى جانب الدور القوي والمحوري الذي لعبته ومازالت تلعبه مصر من خلال قمة المناخ COP 27 التي مازالت منعقدة حالياً بشرم الشيخ، بتبني موقفاً قوياً بالنيابة عن القارة الأفريقية التي تعتبر الأكثر تتضرراً من التقلبات المناخية الناتجة عن الاستخدامات السيئة للدول الصناعية الكبرى وتأثيراتها السلبية على البيئة العالمية.

حيث تم الدفع بالدول الصناعية الكبرى بدفع تعويضات مادية فعلية في هيئة مشروعات اقتصادية وتنموية وبيئية للدول الفقيرة الأكثر تضرراً، وتم رفع التمويل السنوي العالمي المتفق عليه سابقاً في قمة باريس عام 2015، من 100 مليار دولار إلى 300 مليار دولار، رغماً عن أنه كان متفقاً على إعادة النظر في ذلك عام 2025 وفق اتفاق باريس، إلا أن الدولة المصرية استطاعت ذلك عن طريق إدارة جلسات القمة باقتدار، من خلال عروض الشرح الشاملة للإحصائيات والأرقام التي تَعرِض حجم التدهور الذي ألَمَ بالبُنَىَ التحتية للعديد من الدول وفقدان العديد من الأرواح البشرية، والإضرار بحياة الكثيرين من الأحياء.

الأمر الذي يجعل من قمة شرم الشيخ الأولى من نوعها التي تعطي استحقاقاً مالياً للدول الفقيرة والنامية لمجابهة تداعيات تدهور المناخ، وعلى قمتها القارة السمراء، في حين حصدت مصر ما بين 150 إلى 300 مليار دولار، قابلة للزيادة إلى نصف تريليون دولار حتى عام 2030 للاستثمار في مشاريع تدخل في نطاق مجابهة تغير المناخ.

هذا بالإضافة إلى دخول الطاقة النظيفة حيز النفاذ والتمويل لأول مرة في قمة مناخية، وفقاً لما رفعته القمة من شعار منذ أول يوم وهو "حان وقت التنفيذ"، ولأول مرة أيضاً تعترف كل من الصين والولايات المتحدة بمسؤليتهما الكبيرة في تدهور المناخ وإقرارهم بدفع حصتهم من التعويضات، هذا إلى جانب توقيع كم هائل من الاتفاقيات والمبادرات ودخولها إلى حيز التنفيذ.

ومازال صندوق العجائب المصري يحوي الكثير مع انتهاء القمة خلال الأسبوع القادم من خلال توصيات وقرارات القمة التي ستؤول مسؤولية تنفيذها إلى الدول الكبرى، والتي سيعود بها كل الوفود والمندوبين والمسؤولين المعنيين إلى بلادهم، واضعين في اعتبارهم أنه لا مجال لمزيد من تزييفات العقول أو للمواراة في النوايا أو لاستخدام الألفاظ في غير محلها، بإلقاء التهم نظير عدم الالتفات إلى تجاوازاتهم السابقة والجارية.

دقت ساعة العمل بالتمسك بالحقوق، والتحدث بها، والشروع في استرجاع ما كان مفتقداً لعقود، فميزان القوة لا يُصنَع في ليالٍ وضحاها، بل هو نتاج أعوامٍ من صناعة الأمل الذي يحبوه العمل المدفوع بالقوة والمحمي بقانون المصالح المشتركة.

هنا يُصنَع المستقبل للشعوب المُهمشة، هنا كوب 27 .. هنا مصر 2022.

Dr.Randa
Dr.Radwa