أكد الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر السابق، أن الأزهر يُعَلِّم أبناءَهُ مبادئ السلام العالمي والأخوة الإنسانية، وأخلاقيات الحوار وقبول الآخر، ويُرسِّخُ في عقول منسوبيه هذه الأخلاقيَّات، من خلال أحاديث علمائِه، ومؤتمراتِه التي تعْقَدُها قطاعاته المختلفة، وكتبهِ التي يُدرِّسُها لأبناء المسلمين من أكثرَ من مئةِ دولة، ومن خلال إصداراتِ هيئاتِه العلميَّة والبحثيَّة، فضلًا عن علمائه الذين ينتشرون في دول العالم، يَصْدَعُون بهذهِ المبادئِ التي يؤمنون بها، ويوضَّحونها للناسِ مؤصِّلين ومفصِّلين، موضحًا أن الأزهرَ إذ يدعمُ السلامَ في كل بقاع الدنيا، وينادي بالتعايشِ السلمي، ويعتمد لغة الحوار كبِنْيَةٍ أساسيَّة لطرح رؤاه وبيان معتقدِه؛ فإنَّه يؤكد في الوقت ذاته على أنَّ هذا لا يعني التماهي في الآخر، أو الذوبان في كِيانات أخري أيًّا كان جوهرُها أو معتقدُها، أو التنازلَ عن الهُوِيَّة الإسلاميَّة والقومية، لافتًا إلى الأزهَر الشريف يرفض كلَّ أشكال الغطرسة، واستغلال حاجة الشعوب، وزعزعة استقرارِها، وسلب ثرواتِها، والتدخل في شئونِها الداخليَّة، ويقفُ بكل حزم تجاه دعوات التخريب والتفريق التي تنال من وحدة الشعوب، أو التي تعبثُ بثوابت الأمَّة ومقدساتِها، وبخاصة محاولات الطعن في كتاب الله وسنة نبيه.
واستعرض الدكتور عباس شومان، خلال مشاركته في منتدى السلامِ الثامنِ في مدينة سولو بإندونيسيا، والذي عقده مركزِ الحوارِ والتعاونِ بين الحضاراتِ، والجامعةِ المحمديِّة بإندونيسيا، وصندوقِ تشنج لتعليمِ الثقافات المتعددةِ الماليزي، تحت عنوان : «المسارَ الأوسطَ والأخوةَ الإنسانيَّة: نحو السلام والعدالة والازدهار»؛ جهود الأزهر الشريف في إحلال السلام العالمي ونشر قيم الأخوة الإنسانية، والتقارب والتسامح والاندماج الإيجابي بين جميع البشر، مؤكدًا أن الأزهرَ يدعمُ كل الجهود الهادفة لتحقيق السلام، ويمُدُّ يدَه بالعون والمساعدة لتحقيق أمن الإنسانيَّة وسلامتِها واستقامة بُنيانِها؛ إيمانًا منه بالأخوةِ النَّسبِيَّة التي تجمعُ بني آدم كلَّهم، مبينًا أنَّ اهتمامَ الأزهرِ بالسلامِ ليس وليدَ اليومِ؛ بل إنَّه اهتمام ضاربٌ بجذورِه في عمقِ التاريخ، مشيرًا إلى الوثيقةَ التي أطلقها الأزهرُ في يوليو 1936م تحت عنوان (الزمالةُ الإنسانيَّةُ) وهي الوثيقةُ التي تقدَّم بها الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخُ الأزهرِ آنذاك لمؤتمرِ السلامِ في لندن، مؤكدًا أن تلك الوثيقة لاقت ترحيبا كبيرا من الوفود المشاركة في هذا المؤتمر؛ لِما تحْمِلُهُ من معانٍ سامية، وتعاليم إسلاميَّة يَفتَقرُ العالم اليوم لتطبيقها.
وأوضح وكيل الأزهر السابق، أن الأزهر قام بعدة مبادرات محليَّة ودوليَّة وعالميَّة لتحقيق السلام؛ فعلى المستوى المحلي أطلقَ الأزهر وَحدة الوفاق الأسري بمجمع البحوث الإسلاميَّة، وهي المعنية بالحفاظ على الأسرة، إيمانًا من الأزهر بأنَّ الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمعات والأمم والشعوب، وبسلامِها النفسي والفكري والبدني تَسْلمُ الأمم والشعوب، وفيما يتعلق بالسلام المجتمعي أسس الأزهر اللجنةَ العليا للمصالحات الثأريَّة، وهي اللجنة التي لها عظيم الأثر في رأب الصدع الاجتماعي، وتوحيد الصف وحقن الدماء، فضلًا عن تأسيس بيتَ العائلةِ المصريَّة، ويعمل هذا البيت الفريد من نوعه الذي يجمعُ بين علماءِ الأزهر الشريف ورجال الكنائس المصريَّة الثلاث، ويتناوبُ على رئاستِهِ شيخُ الأزهر وبابا الكنيسةِ الأرثوذكسية المصرية؛ على منع ووأد الفتن الطائفيَّة، ونشر ثقافة التعايش، في ظلّ المواطنة الكاملة التي لا تفرق في الحقوق والواجبات بين أبناء الوطن الواحد.
وأشار فضيلته إلى أن الأزهر على المستوى العالمي أسسَ "مجلسَ حكماءِ المسلمين" الذي يترأسه فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، والذي وُلدت فكرتُه في رحاب الأزهر بمصر المحروسة، ومقرُّه الدائم في دولة الإمارات العربيةِ المتحدة، بهدف نشرُ وتعزيز السِّلم بين الناس، والعمل على نزع فتيل الأزمات، وتجنب استخدام القوة لحسم الصراعات، وإخمادِ نيران الحروب، موضحًا أن جهود الأزهر العالميَّة لتحقيقِ السلام وترسيخ مفاهيمه؛ تُوجت بتوقيع "وثيقة الأخوة الإنسانيَّة" التاريخية بين فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف، والبابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، في عاصمة دولةِ الإمارات العربية أبو ظبي في الرابع من فبراير 2019م، مؤكدًا أن فضيلةُ الإمام الأكبر ما زال حاملًا عصى التَّرحال، يطوفُ العالم شرقًا وغربًا باحثًا عن السلام العالمي، وداعيًا إليه بين كافة البشر، والذي كانت أخر محطاته هو "ملتقى مملكة البحرين لحوار" الذي تُوِّج بأكثر من فعاليَّة شاركَ فيها الإمامُ الطيبُ، جلالةَ الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملكَ البحرين، وقداسةَ البابا فرانسيس بابا الفاتيكان، بكلماتٍ تدعو للسلامِ وإنهاء الحروب لاسيما بين روسيا وأكرانيا، والتي يحبسُ العالم أنفاسَه كلَّما هددَ طرفٌ باستخدام أسلحة الدمار الشامل، موضحًا أن مبدأِ التعايش السلمي، والتعاون والتكامل لابد وأن يكون أساسا للعلاقات بين الدول، بعيدًا عن سياسات الغطرسة والسعي للهيمنة والسيطرة، واستخدام القوة لنهب ثروات الشعوب.