خاض التجربة: شريف البرامونى
فى مطلع هذا الصيف شديد السخونة دعانى أحد الزملاء لأكون شاهدًا على عقد زواجه من رفيقة دربه الأمريكية، وبالطبع رحبت ووافقت وذهبت معهما فى الموعد المحدد إلى مصلحة الشهر العقارى بوزارة العدل لتوثيق الزيجة ووقفت أمام الموثق وسلمته بطاقتى لكى أكون شاهدًا، وبالفعل بدأ الموثق تسجيل البيانات وقمت بالتوقيع على العقد، ثم طلب منى الموثق الانتظار خارج القاعة، حتى ينتهى من إجراءات التوثيق
كل هذا كان طبيعياً، لكن الغريب هو ما حدث فى صالة الانتظار حين اقترب منى شاب فى مطلع العقد الثالث دون سابق معرفة وطلب منى أن أكون شاهدًا على عقد زواجه وعرفت من لهجته أنه غير مصرى وسألته عن جنسيته، فقال إنه سورى الجنسية، حاولت الاعتذار بحجة أننى منذ دقائق بسيطة كنت شاهدًا على عقد زواج صديقى، لكنه زاد في الإلحاح .. وكانت المفاجأه أنه يعلم أنه سبق لى الشهادة على زيجة أخري وقال ليست هناك مشكلة، ممكن تشهد على أكثر من عقد زواج، كلام السورى زاد عندى حب الاستطلاع دخلت معه مرة أخرى إلى قاعة التوثيق وأمام نفس الموثق دون أن يسألنى عن علاقتى بالزوجين، برغم أننى كنت أمامه قبل دقائق معدودة كشاهد فى زيجة أخرى.. لكن الموثق الذى يعرفنى جيداً كأنه لا يعرفنى ولا رآنى قبل ذلك.. انتهت إجراءات الزيجة الثانية، وبنفس الجملة نطق الموثق.. لو سمحت تنتظر فى الصالة لغاية ما نخلص الإجراءات.. التزمت وخرجت إلى الصالة للانتظار، وللمرة الثالثه يأتى إلى أحد الشباب المصريين يطلب منى أن أكون شاهدًا على عقد زواجه من فتاة أوكرانية، فبدأ الشك فى نفسى فقررت خوض التجربة للمرة الثالثة فى أقل من نصف ساعة، وأمام نفس الموثق دون سؤال أو اعتراض على وجودى، وبعد انتهاء الإجراءات دفعنى الفضول لسؤال الموثق عن كيف يمكن له أن يقبل بشاهد فى ثلاث زيجات مختلفة ولجنسيات مختلفة، دون حتى أن يسأل عن العلاقة التى تربط الشاهد براغبى الزواج؟ فكانت الإجابة أن هذا الأمر لا يعنيه، المهم وجود شاهد مصرى يحمل هوية مصرية، فحاولت أن أفهم أكثر كيف ذلك؟ فكانت الإجابة صريحة.. هذا عادى جداً فى ناس شغالة كده.. سألته يعنى أيه كده، لكن سؤالى لم يكن مقبولاً.. فالموثق ظن أنى منهم.. قالها بوضوح.. هو حضرتك مش منهم.. سألته باستغراب أشد.. يعنى ايه.. أنا مش فاهم.. فقال متعجباً فى ناس شغاله «شاهد تحت الطلب» بمقابل مادى واحنا عارفينهم ، أكل عيش يعني، فكانت تلك الصدفة هى البداية الحقيقية لخوض هذا التحقيق حول زواج المصريين من الأجانب، وفى اليوم التالى بدأت عملى الجديد كشاهد على وثائق الزيجات داخل مصلحة الشهر العقارى، وأثناء انتظارى شاهدت أحد الشباب فى مطلع العقد الثالث يعمل «شاهد تحت الطلب»!.
سألت هذا الشاب كيف لى أن أعمل كشاهد مثلك، فكانت إجابته أن الأمر ليس بالسهل، فلابد أن تمر بعدد من الموافقات من قبل عمال الأمن وعمال البوفيه وشبكة من المحامين المتخصصين فى زواج المصريين من الأجانب، الذين ينظمون عمل الشهود داخل مصلحة الشهر العقارى، الشاب أكد لى أن المتعارف عليه أنه يحصل على ثلثى المبلغ المتفق عليه والعمال الثلث، مؤكدًا أن كلفة الشهادة تبلغ ١٥٠ جنيهًا.
الطلب على المصريين عال!
من خلال محاولتى لخلق علاقة طيبة مع جميع العاملين بالشهر العقارى قال الموثق «ج.ك» إن هناك العشرات يأتون كل يوم من أجل توثيق عقود الزواج، مؤكدًا أن تلك العقود تتم وفق الشريعة الإسلامية، فلابد من وجود شاهدين، سواء فى عقود الزواج أو الطلاق، موضحا أن أعدادًا كبيرة من الراغبين فى الزواج من الأجانب، سواء كانوا رجالاً أو نساء يأتون دون شهود ولا يمكن فى هذا الوقت أن تتم الزيجة، فيلجئون إلى رواد الشهر العقارى، حتى يكونوا شهودًا على العقد ولا يهم وجود علاقة بين الشاهد وراغبى الزواج أو الطلاق وفق القانون.
الموثق كشف أن السنوات العشر الأخيرة شهدت تطورًا ملحوظًا فى زواج المصريين من الأجانب، فهناك إقبال كبير من الشباب على الزواج من أجنبيات، خاصة من ألمانيا، إيطاليا، روسيا، بريطانيا، النمسا، الولايات المتحدة الأمريكية، أوكرانيا، مشيرًا أن عدد المصريين المتزوجين من أجانب سنويا لا يقل عن ٨٤٠٠ زيجة احتل الرجل المتزوج من أجنبيات النسبة الأكبر بنحو ٥٣٠٠ زيجة سنويا، بينما بلغ عدد النساء المصريات المتزوجات من رجل أجنبى ٣١٠٠ زيجة سنويا، كما احتل الرجل المركز الأول فى سباق الزواج، أيضاً احتل المركز الأول فى معدلات الطلاق الرسمي، حيث بلغت نسبة الطلاق ٤٦٣٠ حالة سنويا، بينما بلغت نسبة الطلاق الرسمى بين النساء المصريات ٩٠٠ حالة طلاق سنويا.
خريطة محافظات الشباب المتزوج من أجانب حددها الموثق بأنها محافظات الغربية والفيوم والشرقية وبنى سويف، والأقصر، وأسيوط، والبحيرة، والإسكندرية فهذه هى المحافظات الأكثر إقبالا على الزواج من أجنبيات.
الزواج من أجنبيات بعضه حسن النية، وأغلبه له مآرب أخرى، مثل رغبة الأجنبية فى الحصول على إقامة بمصر، وهذا السبب يحتل مكانة كبيرة، حيث تقدم بعض النساء الأجنبيات الراغبات فى الحصول على إقامة داخل مصر غير السياحية لزواج من رجل مصرى، وهى إحدى الطرق البديلة للحصول على الإقامة عبر تأسيس شركات الاستثمار.
مشيرا إلى أن بعض الأجنبيات العاملات فى الملاهى الليلية يقمن بذلك، إلى جانب أن بعض الأثرياء يقومون بتزويج الخادمات العاملات لديهم من دول شرق آسيا، حتى تستطيع الحصول على إقامة داخل مصر.
استوقفتنى فى مكتب التوثيق زيجة بين شاب مصرى يدعى ياسر سليمان «٢٨ عاماً» وسيدة ألمانية تبلغ من العمر ٦٧ عامًا جاء إلى الشهر العقارى ومعه أخته الكبرى لإتمام الزيجة، وكانت الأخت فى سعادة بالغة وكنت أنا شاهدًا على العقد، سألت شقيقة العريس عن سبب تلك السعادة التى تغمر وجهها، برغم من فارق العمر الكبير بين العروس وأخيها، فقالت الأخت إن أخاها تخرج فى كلية الهندسة ولم يحصل على عمل، وبالصدفة أثناء إجازة العائلة بالساحل الشمالى تعرف على السيدة الألمانية، والتى تمتلك شركة مقاولات بألمانيا وتستطيع أن تقدم له المساعدة لكى يبدأ حياته، فوافقت العائلة على الفور أن يتزوجها ياسر من أجل مستقبله وبناء حياته، وهذا هو سر سعادتها بتلك الزيجة.
بعض حالات توثيق الزواج من أجنبيات تكون روتينية أو للضرورة، ومثال ذلك حالة أحد الشباب الذى جاء إلى مكتب التوثيق ومعه زوجته الإيطالية وابناهما دينا عشر سنوات ويوسف سبع سنوات، وعندما سألته عن السبب قال جاء إلى الشهر العقارى لتوثيق الزواج، لأنه لا يستطيع استخراج شهادات ميلاد لأولاده دون توثيق الزيجة.
أما الحالة الثالثة فلسيدة مصرية تدعى سعاد جاءت إلى الشهر العقارى، بحثًا عن حل لمشكلتها، فقد تزوجت من رجل هندى كان يعمل فى أحد مصانع النسيج منذ خمس سنوات وأنجبت منه طفلين وتحمل فى أحشائها طفلها الثالث منذ أربعة أشهر جاءت إلى الشهر العقارى بعد ترحيل زوجها منذ شهرين؛ نتيجة عدم وجود أوراق تثبت عمله فى مصر، فسألتها لماذا لم تتواصلى معه بعد ترحيله من أجل إنهاء إجراءات أوراقه الثبوتية أو أن تذهب هى إلى الهند، فكانت إجابتها صادمة أنها لا تعرف عنه أى شيء سوى اسمه، وأن بلده الأصلى الهند، فهى لا تعرف له عنوانا أو وسيلة اتصال، وعندما ذهبت إلى سفارته قالوا لها إنه لا يوجد لديهم مواطن بهذا الاسم دخل مصر، ولا يستطيعون مساعدتها، فجاءت إلى الشهر العقارى فى محاولة للوصول إلى أى معلومة يمكن لها أن تصل إليه من خلالها.
تحليل الظاهرة
يقول الدكتور على فرغلى، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس إن مسألة الزواج من الأجانب تطورت بشكل كبير فى مصر، فبعدما كانت حكراً على «علية» القوم وجزءًا من الوجاهة الاجتماعية مع مطلع القرن الماضى أصبحت الآن جزءًا من أحلام الشباب من أجل تحسين أوضاعهم الاقتصادية.
فرغلى قال إن النساء فى مصر تعرضن إلى حالة أشبه بسوق النخاسة مع الانفتاح الاقتصادى، خاصة فى المحافظات الأكثر فقرا بعدما أقبل الأهل على تزويج بناتهم من أثرياء أجانب، خاصة دول الخليج مع انتعاش سوق البترول فى تلك الدول وأصبح الوضع فى مصر بالنسبة لغالبية الأثرياء من العرب سوقًا للمتعة المقنن وفق الشريعة الإسلامية، حيث كان يتم اختيار البنات الصغيرات، وفى بعض الأوقات تكون فى عمر الطفولة من أجل الزواج لمدة محددة أو أخذها معه إلى بلاده لتصبح بعد ذلك خادمة لدى زوجاته الأخريات اللاتى تحملن نفس جنسية الثري.
أستاذ علم الاجتماع قال إن هذا الوضع خلق العديد من المشكلات للنساء تبدا بأبسط ما تعرض له النساء والمتمثل فى فشل الزواج وعودتها مرة أخرى إلى بلادها مصر، أما الأصعب والمتمثل فى نتاج تلك الزيجات من الأطفال الذين عانوا كثيرًا من ازدواج الجنسية، والبعض منهم لا يعرف أمه إلى الآن بعدما رفض الزوج أن تحتفظ الأم بحق حضانة أولادها.
واتهم فرغلى الحكومات المتعاقبة فى مصر بعدم تدخلها لوقف تلك الحالات، والتى كان يجب على الدولة سن قوانين تحافظ على حقوق النساء المتزوجات من أجانب وفق قوله، مشيرا إلى أن جهل المرأة بقوانين الزواج المختلفة بالدول الأجنبية ساهمت فى ضياع حقوقهن وسط غياب الدولة فى تعريف كل سيدة مقبلة على الزواج من رجل أجنبي.
أما المحامى بالنقض وأحد العاملين فى مجال زواج المصريين من الأجانب «أشرف مشرفه» قال للمصور إن فكرة الزواج كإطار اجتماعى لا تعرف معنى للحدود بين الدول، فهى بالأساس علاقة إنسانية لها خصوصيتها هدفها تكوين النواة الأولى للمجتمع، هذا بشكل عام لكن عندما نحاول أن نضع الزواج من الأجانب فى إطار منظومة اجتماعية متكاملة يمكن لنا أن نقدم مفهومًا حول الزواج من الأجانب لا يختلف فى جوهره عن الزيجات بين المصريين أنفسهم سوى فى بعض النقاط أهمها هو الهدف من الزواج.
مشرفة، أكد من خلال خبرته فى هذا المجال أن الزواج من الأجانب له ثلاثة أهدف، أولها الانتماء الثقافى عند البعض، فهناك من له انتماء ثقافى للدول الغربية أو الدولة المعروف عنها أنها ذات طابع دينى، خاصة الإسلام مثل ماليزيا وإندونيسيا وأفغانستان، وهى زيجات أكثر استقرارًا.
أما النوع الثانى، وهدفه هو الحصول على فرصة عمل وجنسية وهذا النوع يقبل عليه الشباب المصريين أكثر من الفتيات، موضحا أن الشباب من عمر ١٨ إلى ٣٠ عامًا هو الأكثر إقبالاً، خاصة الشباب فى محافظات الوجه البحرى وعلى رأسها محافظة الغربية.
النوع الثالث من زواج المصريين بالأجانب، ظهر مع التوسع فى المدن الصناعية، خاصة فى منطقة الاستثمار بمحافظات الإسماعيلية والسويس وبورسعيد، حيث انتشر الزواج من النساء العاملات المصريات برجال من العمال الأجانب الموجودين فى تلك المناطق،وكشف مشرفة للمصور عن استثمار الزواج من الأجانب والتى تقوم به بعض المواقع على شبكة التواصل الاجتماعى بعد الإعلان عن فرص الزواج المختلفة.
مشيرا إلى أنه خلال المقابلات الشخصية يتم استغلال أحلام الشباب وطرح أكثر العروض استغلالا، حيث يتم عرض الزواج لمدة محددة مقابل مبالغ مالية كبيرة على النساء، كما يتم عرض فرص على الشباب للزواج من نساء أجانب، مقابل راتب شهرى، خاصة النساء الراغبات للعمل فى مصر أو الاستثمار.
خبيرة القانون الدولى الخاص بقسم بحوث الجريمة بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية ولاء الدين محمد، تؤكد أن القواعد العامة فى القانون الدولى الخاص تخضع شكل الزواج لقانون محل إبرام الزواج وهى تلك القاعدة التى أخذت بها اتفاقية لاهاى للزواج عام ١٩٧٨، حيث أوكلت إلى قانون الدولة التى يتم انعقاد الزواج فيها بتطبيق القواعد الشكلية المنصوص عليها على الزواج، حتى يحكم بصحته وينتج آثارة.
ووفقا لأحكام القانون يتم توثيق زواج المصريين بالأجانب، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين فى مكاتب توثيق الشهر العقارى، كما يجوز للمصريين المقيمين بالخارج إبرام زواجهم من الأجانب أمام السلطات القنصلية بعد الحصول على إذن من وزير الخارجية، ويكون الشكل فى هذه الحالة وفقا للقانون المصرى.