تقرير: سارة حامد
حفل «إحراج الكنيسة» هكذا وصف أحد الأقباط أول حفل طلاق جماعى للأقباط الحاصلين على أحكام طلاق نهائية، والذى نظمه مجموعة من النشطاء المتضررين من تأخر إصدار قانون الأحوال الشخصية، الحفل أثار حالة من الجدل واعتبره البعض محاولة للضغط على الكنيسة للتعجيل بإصدار القانون الموحد للأحوال الشخصية للأقباط إلا أن الانبا مرقس أسقف شبرا الخيمة قال: «لا يوجد تعليق على قانون الأحوال الشخصية للأقباط ونستكمل الإجراءات اللازمة لوضعه فى صورته النهائية»
الكنيسة من جانبها لم تُعلق على حفل الطلاق الجماعى، وقال المستشار منصف سليمان عضو المجلس الملى للأقباط الأرثوذكس، قال إن «دعوات إقامة حفلات طلاق جماعى للأقباط أمر يخص القائمين عليه ولا يعنى الكنيسة الأرثوذكسية فى أى شىء».
«١٣٤ مادة» من قانون الأحوال الشخصية الجديد مازالت هى المشكلة الأكبر التى يُعانى منها المئات من أبناء الكنيسة، حيث ينتظر الأقباط صدور القانون الجديد لتعطيل العمل بمواد عام ٢٠٠٨.. اللائحة الجديدة تخصص بابًا لتسوية المنازعات الأسرية وتنظيم الخطبة وأركان الزواج وشروطه وموانع عقد الزواج وإجراءات العقد وحالات بطلانه وحقوق الزوجين وواجباتهما وأحكام النفقة، فضلا عن الحضانة وثبوت النسب وانحلال الزواج.
مشكلة قانون الأحوال الشخصية للأقباط تعود إلى عام ٢٠٠٨، حين قصر البابا السابق شنودة الثالث أسباب الطلاق على سببين فقط هما، تغيير الملة وعلة الزنا، بعدما كانت لائحة عام ١٩٣٨ تتيح أسبابًا كثيرة للطلاق.. الأمر الذى تسبب فى وجود آلاف الأقباط العالقين فى زيجات فاشلة تنظر قضاياهم فى المحاكم المصرية، بسبب وجود الكنيسة كطرف أصيل فى عقود الزيجات المسيحية، مما يتيح لها التحكم فى قضية الطلاق وإصدار تصاريح للزواج الثانى للأقباط.
أيمن عطية المحامى المتخصص فى الأحوال الشخصية، ومُنظم الحفل الجماعىأكد، أن «الهدف من إقامته هو إحياء قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين، الذى بات حبيس الأدراج دون اتفاق موحد بين الكنائس الثلاث على قانون يرضى المتضررين وأيضا يتوافق مع الكتاب المقدس، والتعلل الكنسى الدائم بأن القانون الموحد تم تسليمه لمجلس النواب لمناقشة بنوده وإقراره.. فمنذ عام مضى لا يعلم متضررو الأحوال الشخصية شيئاً عن مسار القانون، لتصبح دائرة مفرغة ما بين الكنائس ومجلس النواب».
«عطية» اعتاد منذ أعوام على إجراء فاعليات لتحريك المياه الراكدة فى قانون الأحوال الشخصية، ويضيف: فى البداية فكرت فى التظاهر، إلا أنه أمر مُتكرر وغير مُثمر، خاصة أن القانون المصرى يمنع ذلك، إلى أن طرأت فكرة حفلة الطلاق الجماعى للأزواج الذين تمكنت من تطليقهم، لافتًا إلى أن الفكرة جاءت بمحض الصدفة ولاقت قبولًا إعلاميا، لاسيما أن الحفل يتضمن فقرات لم شمل أزواج وأسر مسيحية، وهناك رهبان وقساوسة وأساقفة تضامنوا مع الفكرة، لكنهم رفضوا الإفصاح عن أسمائهم لكى لا تفصلهم الكنيسة.
وقال «عطية» البعض وصف حفل الطلاق الجماعى بأنها تجمعات للزنا، واتهمنى بالكفر، لأننا خرجنا عن نص «لا طلاق إلا لعلة الزنا»، موضحًا أن الأزمة تختزل فى شقين هما، الدولة التى تتعامل بحساسية مفرطة تجاه ملفات الأقباط، والكنيسة التى تصر على أن أنه «لا طلاق إلا لعلة الزنا»، وأنها لم تخطئ طوال ٤٠ عامًا مضت.
بينما قال أشرف أنيس مؤسس رابطة الحق فى الحياة للأحوال الشخصية المسيحية، إن «عدد متضررى الأحوال الشخصية بين المسلمين والأقباط فى تزايد مستمر، لكن الديانة الإسلامية تسمح بالطلاق سواء بالإرادة المنفردة للرجل أو الخلع للمرأه، لكن الأقباط يحكمهم نص «لا طلاق إلا لعلة الزنا» الذى يصعب إثباته فى المحاكم»، لافتًا إلى أنه فى ٢٠١١ بلغ عدد متضررى الأحوال الشخصية للأقباط حوالى ٣٠٠ ألف حالة، إلا أن هذه الأرقام ارتفعت خلال السنوات القليلة الماضية، ويرجع ذلك إلى عدم وجود تشريع قانون موحد للأحوال الشخصية للمسيحيين.. مع العلم أن المجلس الإكليريكى لا يقوم بفتح ملفات للمتضررين من الأحوال الشخصية، إلا إذا حصلوا على أحكام طلاق بحكم قضائي.
«أنيس» قال إن الأقباط الحاصلين على شهادات تغيير الملة والطائفة لم يخرجوا من المسيحية، لكن خرجوا من الطائفة التى تزوجوا عليها، وهم فئة قليلة من الأقباط القادرين ماديًا، حيث بلغت تكلفة تلك الشهادات أربعة آلاف دولار.. أى ما يقرب من ٨٠ ألف جنيه بعد تحرير سعر الصرف، بخلاف أتعاب المحاماة، فضلًا عن أن هناك دوائر تستدل بشهادات تغيير الطائفة وتصدر حكمها بالتطليق ودوائر أخرى ترفض، مضيفًا: أما الأقباط غير القادرين ماديًا يقومون بتغيير الديانة إلى أن يحصل على حكم التطليق لاختلاف الملة، ومن ثم يعود مجددًا إلى الديانة المسيحية وهو ما يشعل فتيل الفتنة الطائفية. مشيرًا إلى أن قانون الأحوال الشخصية للأقباط ينتظر مُددا زمنية طويلة لإقراره، ولن يقره البرلمان الحالى ويرجع ذلك إلى أسباب عديدة.
فى المقابل، نفى القس رفعت فكرى رئيس لجنة الحوار والعلاقات المسكونية بمجمع القاهرة الإنجيلي، تأييده لفكرة حفلات الطلاق الجماعى للأقباط، حتى لا تفهم أنها تجاوز فى حق قادة الكنائس، لكنه طالب بإقرار قانون للأحوال الشخصية يكون من خلال قنوات مشروعة، موضحًا أن مشكلة الأحوال الشخصية للأقباط تكمن فى تصريح الزواج وليس فى الحصول على حكم طلاق، لأنها أحكام قضائية من السهل الحصول عليها إذا انطبقت شروط فسخ العقد على الزوجين، لذلك بات واجبًا إقرار قانون مدنى للطلاق والزواج المسيحي.
مضيفًا: الكنيسة الأرثوذكسية أكثر انفتاحا من الكنيسة الإنجيلية، خلال وضع بنود اللائحة الجديدة للأحوال الشخصية الموحد، لأنها أقرت مواد للهجر بين الزوجين واعتبرته سببًا من أسباب التطليق، وهو ما رفضته الكنيسة الإنجيلية التى تُصر على تطبيق لائحة تعمل بها منذ عام ١٩٠٢ والتى تسمح بالطلاق لسببين هما، الزنا وتغيير الملة أو الطائفة، وترفض الاعتراف بأى أسباب أخرى.
فكرى كشف أنه لا يوجد فى الكنيسة الإنجيلية ما يعرف بـ«المجلس الإكليريكي»، لكن يستبدل بأن يحصل أحد الزوجين على شهادة تطليق من المحاكم، ويقدم خطابًا رسميًا للكنيسة المحلية يشرح خلاله تفاصيل العلاقة الأسرية المضطربة بين الزوجين وما آلت إليه بعد تدخلات العائلة والمقربين ومساعى الصلح، ومن ثم تقديم نسخة من حكم الطلاق إلى المجلس الملى الإنجيلى الذى يقر طلاق الزوجين والسماح لأحدهما بالزواج الثاني.
ويشار إلى أن عبارة «على جميع الطوائف المسيحية أن تعترف بزواج الطوائف المسيحية الأخرى»، ما زالت مثار خلاف فى القانون الجديد لحين الفصل بين الكنيسة الإنجيلية التى تصر على ذكرها فى المادة ١٣ من القانون ذاته لغلق الباب أمام مافيا شهادات تغيير الملة والطائفة التى باتت السبيل الأوحد لتطليق الأقباط، بينما ترفض الكنيسة الأرثوذكسية الاعتراف بزواج أبنائها من الطوائف الأخرى.
فى ذات السياق، يرى المستشار منصف سليمان، عضو المجلس الملى للأقباط الأرثوذكس، أن دعوات إقامة حفلات طلاق جماعى للأقباط أمر يخُص القائمين عليه ولا يعنى الكنيسة الأرثوذكسية فى أى شىء لأننا ديمقراطيون.
وعن أعداد متضررى الأحوال الشخصية للأقباط، قال «سليمان» وفقا للإحصاءات لا تتجاوز أعدادهم ٣ آلاف حالة أو أقل، ويرجع سبب تقلص حالات المُعلقين إلى انتشار المجالس الإكليريكية فى كنائس وإيبارشيات المحافظات، وهو ما أنجز عددًا كبيرًا من مشاكلهم، فضلًا عن دورات تأهيل المخطوبين وكورسات المشورة الأسرية التى ساهمت أيضا فى إنجاح ٩٩٪ من حالات المتزوجين حديثًا.
وأشار «سليمان» إلى أن الكنائس فى حالة ارتباك بعد وقوع حوادث إرهابية استهدفت الأقباط والكنائس فى الفترة الأخيرة، وهو ما ترتب عليه تأجيل الكنائس لاجتماعات مناقشة قانون الأحوال الشخصية للأقباط، لكنها ستبدأ الشهر المقبل استئناف الجلسات لإنهاء القانون فى صورته النهائية مع الاحتفاظ بخصوصية كل طائفة فى حقوق الزواج والطلاق لأعضائها.