الأربعاء 27 نوفمبر 2024

بعد ارتفاع أسعار الخدمات الطبية: الأغـنـيــاء يزاحـمــون الفــقـــراء فـى مسـتـشـفـيـات الحكــومـة!

  • 11-8-2017 | 16:08

طباعة

تقرير : إيمان النجار

الأغنياء أيضا يذهبون إلى المستشفيات الحكومية .. هذه مفاجأة كشفتها الشهور الستة الماضية فى أغلب المستشفيات العامة والجامعية فنسبة الإقبال ارتفعت بشدة وتعدى بعضها الـ٣٠ بالمائة ، والسبب ليس زيادة أعداد المرضى ولكن انضمام فئات جديدة للمترددين على هذه المستشفيات كانوا من قبل زبائن دائمين للمستشفيات الخاصة لكن أجبرهم ارتفاع أسعار الدواء وتكلفة العلاج على تغير وجهتهم ومزاحمة الفقراء والغلابة فى المستشفيات الحكومية.

الأرقام الرسمية فى المستشفيات الحكومية والجامعية تقول إن نسبة الإقبال خلال الشهور الماضية بسبب توجه الأغنياء إليها زادت بمعدل ٣٠ بالمائة فى المتوسط فلم تعد صالات الاستقبال فى تلك المستشفيات للفقراء فقط وإنما أيضا لمن كانوا من قبل يرفضون المستشفيات العامة ويعتبرونها لاتليق بهم لكن الأسعار اجبرتهم على العودة إليها.

الدكتور حاتم أبو القاسم وكيل المعهد القومى للأورام لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة قال « شهدت الستة أشهر الماضية زيادة فى عدد المترددين على المعهد بنسبة تصل إلى ٣٠٪ ، واختلفت نوعية المرضى ،وبدأنا نجد مرضى يرتدون بدلاً ومنهم من يشغل وظائف جيدة ومرموقة ومستويات أعلى من السابق وأصبح متوسطو الدخل حاليا الذين كانوا قبل زيادة الأسعار فى تعداد الأغنياء ويذهبون إلى المستشفيات الخاصة لكنهم الآن يتجهون للعلاج المجانى ، الوضع كما يقول أبو القاسم يرجع إلى زيادة تكلفة العلاج فى القطاع الخاص ، فأسعار المواد الكيماوية والأشعة والتحاليل ارتفعت للضعف ، والأجهزة وصلت لثلاثة أضعاف وكثير من الأدوية ارتفع سعرها ، كل هذا انعكس على تكلفة العلاج فلم يعد الكثيرون قادرين على تحملها ، وأصبح العلاج المجانى ملاذهم».

وأضاف الدكتور حاتم « الزيادة فى عدد المرضى بالتأكيد تشكل ضغطا وعبئا زائدا على المعهد خلال الفترة المقبلة خاصة مع ثبات الميزانية المخصصة للمعهد وعدم زيادتها بما يتماشى مع الوضع الحالى ، وتبقى التبرعات عاملا مهما وأساسيا فى تغطية ما يعادل ثلثى احتياجات المعهد ، وإذا كان المعتاد الاعتماد على التبرعات فسيزيد خلال الفترة المقبلة»

الدكتور فتحى خضير عميد كلية طب قصر العينى كشف أن «أسرة قصر العينى مقسمة منها ٨٠٪ مجانية و ٢٠٪ اقتصادى أى بمقابل مادى وغالباً، ال٨٠٪ المجانى كامل العدد وبالتالى لن يظهر عليها تغيير مع الأوضاع الاقتصادية الأخيرة ، فهناك شريحة معينة من الفقراء ومحدودى الدخل يتلقون العلاج المجانى بقصر العينى ، لكن الملاحظ وبشكل واضح جدا هو تزايد الإقبال على نسبة ال ٢٠٪الاقتصادى ، فلأنها تقدم خدمة طبية مقبولة وبأسعار معقولة رغم ارتفاع أسعار المستلزمات الطبية والأجهزة وغيرها ، ففى الجانب الاقتصادى المريض يدفع سعر التكلفة والهدف منها ليس الربح ، لكن أن تصل فى النهاية لتغطية نفقاتها وما يتبقى يتم توجيهه للعلاج المجانى ، وغالبا تكون نوعية مرضى العلاج الاقتصادى من الطبقة المتوسطة التى تستطيع الدفع مقابل الخدمة الطبية ، لكن فى نفس الوقت لا تستطيع تحمل تكلفة القطاع الخاص ، فمثلا يدفع فى سرير الرعاية المركزة فى الاقتصادى ما بين ٣٠٠إلى ٤٠٠جنيه يوميا وترتفع الأرقام فى القطاع الخاص لتصل لنحو ٣آلاف جنيها ، وبالتالى الاقتصادى فى قصر العينى بالنسبة لهذه الفئة أرخص من القطاع الخاص ، وهذا الوضع يمكن ترجمته إلى أرقام فخلال الربع الأول من العام الجارى بلغ دخل العلاج الاقتصادى نحو ٢٨مليون جنيه ونتوقع أن يحقق ١٠٠مليون جنيها بنهاية العام بزيادة تصل لنحو ٣٠٪عن نفس الفترة العام الماضى وهذا سببه كما هو واضح زيادة إقبال فئات لم تكن تذهب للمستشفيات العامة من قبل يشكف خضير أن وحدة العلاج الاقتصادى مجهزة على أعلى مستوى وطاقتها نحو ٣٢٠سريرا منها نحو ١١٢سرير رعاية مركزة وبها ١٠غرف عمليات «.

مشهد آخر فى مستشفى النساء والتوليد بـ «قصر العينى»، سيدات فى مظهر أنيق وتبدو عليهن ملامح الحمل - يجلسن وسط من تبدو عليهن ملامح الفقر فى الملبس والمظهر ، العدد المتزايد يشكل أكثر من مشكلة ولعل أهمها أزمة الحضانات فحسب قول الدكتورة ياسمين منسى أستاذ مساعد بوحدة الأطفال المبتسرين، مدير إدارى وحدة الحضانات قالت «عدد الولادات فى تزايد وبالتالى زيادة معدل الاحتياج للحضانات للأطفال حديثى الولادة «المبتسرين « ، وهذه مشكلة عامة وليست فى قصر العينى فقط ، فطاقة القسم نحو ٥٠حضانة ، ويوميا الحضانات كامل العدد وبمجرد خروج طفل يدخل آخر ، ويوميا يوجد ما بين ١٥إلى ٢٠طفلا ينتظرون خلو حضانة ، التزايد العددى والنوعى للمرضى يرجع إلى زيادة أسعار الولادات فى القطاع الخاص وارتفاع تكلفة الحضانات أيضا ، حيث سعر الحضانة فى اليوم ٥٠٠جنيه وتصل فى بعض المستشفيات لنحو خمسة آلاف جنيه ، وحتى فى الأماكن ذات السعر المنخفض يركزون على فكرة وضع مبلغ تحت الحساب لضمان جدية الدفع «.

فى المستشفيات التابعة لوزارة الصحة الوضع لا يختلف كثيرا فكما يقول الدكتور خالد مخلوف مدير مستشفى الهرم فخلال النصف الأول من العام الجارى لاحظنا فرقا كبيرا من حيث عدد المترددين فكان عدد المترددين على المستشفى يتراوح ما بين ٤٠٠و٥٠٠مريض يوميا ، تعدى خلال الفترة الأخيرة ال ٧٠٠مريض يوميا بزيادة بلغت ٢٥٪ ،وكذلك فى نوعية المرضى فأصبحنا نجد مستويات اجتماعية واقتصادية مرتفعة تتردد على المستشفى، ويساعد على ذلك أمران الأول هو مستوى الخدمة المقبول لهم بعد التحسن الذى يتم فى خدمات المستشفيات الحكومية وأيضاً فارق الأسعار فمثلا أشعة الرنين المغناطيسى بنحو ٦٠٠جنيه تصل فى القطاع الخاص لنحو ١٥٠٠و٢٠٠٠جنيه ، أيضاً قيمة الكشف للاستشارى ٢٠و٣٠جنيها فى حين كشفه فى العيادة يبلغ ٣٠٠جنيه وبالتالى أصبح العلاج الاقتصادى يحدث توازنا مع الارتفاع الملحوظ فى سعر الخدمة الطبية فى القطاع الخاص»

وأضاف أن « هذا التزايد يشكل ضغطا ، وتم التعامل معه بأكثر من اتجاه ، فأولا زيادة عدد الاستشاريين المتعاقد معهم ، فتح عيادات مسائية فى معظم التخصصات حتى الساعة الخامسة بعد أن كانت العيادات حتى الثالثة ، زيادة عدد الأجهزة من أشعة ومناظير وساعدنا فى ذلك مناقصة برلين التى أجراها جهاز الخدمة الوطنية حيث خفض الأسعار بشكل واضح ، ونعمل خلال الفترة القليلة المقبلة على الانتهاء من مبنى ملحق بالمستشفى طاقته ١٢٠سريرا “.

الدكتور نشأت عبدالحميد المدير الطبى لمعهد القلب القومى قال «المعهد يقدم خدمة مجانية وخدمة اقتصادية، بالنسبة للخدمة المجانية تكون عن طريق قرارات العلاج على نفقة الدولة أو العلاج المجانى الذى يتحمله المعهد من التبرعات، ويوجد أيضا مرضى التأمين الصحى الذين لم يطرأ عليهم تغيير فهم نفس نوعيات المرضى لكن العلاج المجانى والاقتصادى بدأنا نرصد تغييراً ملحوظاً فيه، من حيث تردد مرضى ليسوا الفقراء المعتادين، لكن من نقول عنهم «مستورين» أو متوسطى الدخل ومتعلمين وفى وظائف محترمة وحتى أسلوبهم فى التعامل مختلف والتزايد هنا لسببين الأول هو ارتفاع أسعار الخدمة الطبية فى القطاع الخاص مع غلاء أسعار الأدوية والمستلزمات بجانب غلاء الأمور المعيشية الأخرى، السبب الثانى هو تحسين الخدمة الطبية المقدمة بعد التطوير الأخير فى المعهد، فمن يحضر يجد مكاناً لائقاً وخدمة طبية مجانية وأسرة العلاج المجانى التى رصدنا فيها هذا التحول تمثل ٩٠٪ من طاقة المعهد التحول الواضح جداً أيضاً فى العلاج الاقتصادى الذى يمثل ١٠٪ من طاقة المعهد، ورغم أنها نسبة قليلة إلا أن التغيير وزيادة التردد عليها واضح جداً أيضاً لفارق الأسعار الكبير مقارنة بالقطاع الخاص، فمثلاً الدعامة الدوائية الأمريكانى سعرها ١٦ألفاً و٥٠٠جنيه وتصل فى القطاع الخاص إلى ٣٠ ألفاً و٤٠ ألف جنيه، جراحة القلب المفتوح سعرها ٤٠ألفا فى العلاج الاقتصادى تصل فى القطاع الخاص لنحو ٨٠ألف جنيه، هذه الفوارق الواضحة فى الأسعار سبب آخر لجذب فئة من متوسطى الدخل أو الأغنياء حتى الذين لم يصبحوا قادرين فى ظل الظروف الاقتصادية الحالية- على تحمل نفقات الخدمة الصحية فى القطاع الخاص واستطرد الدكتور نشأت بقوله «كل هذا يشكل ضغطاً على المعهد والعيادات الخارجية عليها ضغط كبير وكذلك الرعايات المركزة والمحرك المهم فيها هو ثقة المرضى فى معهد القلب القومى».

فى مستشفى دار السلام العام «هرمل سابقاً» المشهد يظهر بقوة فى العيادات الخارجية أى العلاج المجانى فالمريض يدفع فقط «تذكرة الدخول» والمثال الأكثر وضوحاً فى عيادة الأطفال فيقول الدكتور وجدى جرجس أخصائى الأطفال وحديثى الولادة بمستشفى دار السلام العام «بدأنا نرى نوعيات للمرضى لم نكن نراها من قبل وأصبحت «ستايلات» الأهالى أكثر دلالة على الحالة الاقتصادية والاجتماعية المرتفعة نسبياً ولكنها لظروف غلاء المعيشة لجأت للعلاج المجانى أولاً سيوفر كشف الطبيب فى العيادة الخارجية، هو فقط سيدفع ثمن «تذكرة الدخول» وثانياً سوف تصرف له أدوية مجانا على الأقل أدوية للبرد والكحة ومراهم وقطرات وأدوية أخرى مضادات حيوية فقط إذا لزم الأمر من الممكن أن يشترى صنفاً واحداً أو اثنين على الأكثر من الصيدلية وهم أنفسهم فى بعض الحالات يقولون لنا «ممكن تكتب حاجة من برة لو مش موجودة» وهذا معناه أنهم مضطرون للجوء للمستشفيات الحكومية المجانية الأكثر من ذلك أننا كأطباء بدأنا نرى مرضى كانوا يترددون على العيادات الخاصة ونعرفهم. واستطرد الدكتور وجدى قائلاً: «التردد على عيادة الأطفال فى تزايد ودخول شريحة المرضى الـ«ستايل» هذا أحد أسباب التزايد، السبب الآخر أننا فى فترة تزيد فيها نسبياً أمراض الأطفال فى فترة الانتقال ما بين الفصول، لكن فى العموم بدأنا نرصد زيادة تبلغ نحو ٢٠٪ عن ذى قبل بسبب انخفاض المخصصات المالية للصحة لدى كثير من الأسر بعد غلاء المعيشة».

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة