الثلاثاء 14 مايو 2024

عبـــــــد المنعم إبراهيم.. شارلى شابلن العرب أضحك الجمهور وعاش حزنه وحيداً

عبد المنعم إبراهيم

24-11-2022 | 11:28

نانيس الجنيدى

هو صاحب مدرسة خاصة فى فن الكوميديا، اعتنق أسلوب السهل الممتنع فكان قريباً من القلب بعيداً عن إمكانية تقليده، كان فنه له سر يشبه سر طاقية الإخفا، يظهر منه ما يحب ويخفى، الراحل عبد المنعم إبراهيم رحل ولم ترحل أعماله، ترك بصمة كالنقش على الحجر لم تستطع السنين محوها، قدم الكثير من الأعمال التى ارتبط بها الصغار قبل الكبار تميز فى نطق اللغة العربية رغم ابتعادها عن مجال فنه، أتقن رمى الأفيهات ولم ينطق يوماً لفظاً مبتذلاً، فكانت له مكانة فى القلوب وذكرى تحترم فى العقول.

وُلد عبد المنعم إبراهيم بمدينة بني سويف وجذوره من بلدة ميت بدر حلاوة محافظة الغربية، وحصل على دبلوم المدارس الثانوية الصناعية ببولاق، ثم التحق بالمعهد العالى للفنون المسرحية وحصل على البكالوريوس منه عام 1949م، وتتلمذ على يد الفنان زكى طليمات الذى ضمه إلى فرقة المسرح الحديث التى أسسها زكى طليمات، شارك المسرحيات التى قدمتها فرقة المسرح الحديث مثل مسمار جحا لأحمد باكثير، وست البنات لأمين يوسف غـراب، ليستقيل بعدها من العمل الحكومى ويتفرغ فى التمثيل فى مسرح الدولة لكنه ترك فرقة المسرح الحديث عام 1955م وانضم إلى فرقة إسماعيل ياسين التى تكونت فى نفس الفترة، وفى عام 1956م مثل فى مسرحية معركة بورسعيد، ثم مسرحية تحت الرماد، الخطاب المفقود، جمهورية فرحات، جمعية قتل الزوجات، ومسرحية الأيدى القذرة لسارتر عام 1959م.


واتجه عبد المنعم إبراهيم أيضا فى بداياته إلى الإذاعة حيث اشتهر من خلالها، ومن الإذاعة إلى التليفزيون حيث تألق فى العديد من المسلسلات التليفزيونية من بينها: «الرقم المجهول ـ الذين يحترقون ـ زينب والعرش ـ أولاد آدم ـ الهروب إلى السجن»، وقد جمع بين اللونين الكوميدي والتراجيدى فى أعماله، فكان يستطيع أن يحصل على ما يريده من المشاهد سواء ضحكة أو دمعة، على حسب الدور والأداء يستخلص ما يريده، فلو قدم الكوميدى ليس أمام المتفرج إلا الضحك، ولو أبدع فى التراجيدى تكون الدموع وحبس الأنفاس هى جنوده لتحقيق غايته من الدور.
شارك فى العديد من المسرحيات من بينها «خمس نجوم ـ مسمار جحا ـ سكة السلامة ـ حلاق بغداد ـ ست البنات ـ معروف الإسكافى».
ومن أشهر أدواره السينمائية «سر طاقية الإخفاء ـ طريق الدموع ـ إشاعة حب ـ الثلاثية ـ الوسادة الخالية ـ القصر الملعون - سوق الحريم». وقد حصل علي مكافأة مالية كبيرة وميدالية ذهبية عن دوره فى فيلم «طريق الدموع».
ربما موهبة بحجم موهبة عبد المنعم إبراهيم يجب أن تكون لها فقط أدوار البطولة ولكنه ولقناعته بأن الدور هو من يصنع النجم وأنه يستطيع أن يكون بطلاً حتى ولو قدم مشهدا واحداً فى العمل فكان كثيراً ما يقبل بأدوار مساعدة، ومنها: فيلم «الزواج على الطريقة الحديثة» بطولة سعاد حسنى وحسن يوسف. بالإضافة إلى دوره المميز فى فيلم «بين القصرين» فى دور «ياسين» الابن البكر للسيد أحمد عبدالجواد.
وكان الفنان عبد المنعم إبراهيم محترفا فى الأدوار المساعدة، ولا سيما أدوار صديق البطل، فقد شكل نظرية ناجحة فى إضفاء أجواء الكوميديا على الأفلام جميعها وشكل فى الجانب الآخر، ثنائيات فنية فى كل فيلم يقوم بأدائه، ومن الأمثلة، فى أفلام الدراما والكوميديا والاستعراضية، فعبدالمنعم إبراهيم، لعب دور صديق البطل فى فيلم الزوجة 13 مع رشدى أباظة وشادية، وأيضا نفس الدور فى فيلم عدو المرأة مع رشدى أباظة ونادية لطفى ونفسه أيضا فى فيلم جمعية قتل الزوجات مع صلاح ذو الفقار وزهرة العلا وفيلم خطيب ماما مع مجموعة كبيرة من الفنانين منهم أحمد مظهر ومديحة يسرى وحسن فايق وأيضا الفنانة نبيلة عبيد. هذه مجرد غيض من فيض، ولا تمثل كل الأفلام، أما أفلام الأغانى، فتدخل بقوة، أمثلة: الوسادة الخالية مع عبد الحليم حافظ وأنت حبيبى مع فريد الأطرش وحكاية العمر كله معه أيضا.
قد تظهر موهبة لفنان فى تجسيده لأدوار لا تشبه شخصيته أو طبيعته وليس هناك أبعد من أن يقدم رجلاً دور الأنثى وهذا ما برع فيه الراحل خلال فيلمين فى مشواره الفنى، وهما فيلم سكر هانم مع كمال الشناوى وعمر الحريرى وعبد الفتاح القصرى وحسن فايق وسامية جمال، والفيلم الآخر أضواء المدينة مع شادية وأحمد مظهر وقد أبرز من خلالهما موهبة فذة تحترم.
وكانت آخر أعماله ولعلها أهم ما فى مشواره الفنى هو مسلسل «أولاد آدم» وكان الدور تراجيديا قويا لا يختلف عليه اثنان، كما أن اختيار الاسم  آدم كان إشارة إلى الأصل . هذا الأصل الذى تفرع فأنجب أبناء، لكل منهم فكره وتياره وأهدافه. أو بالأحرى كان  آدم  هو الأب لنا جميعا، الأب لهذه المتاهة الإنسانية.
وشاركه العمل كل من فاروق الفيشاوى، محمد العربى، ومن تأليف محمد جلال عبد القوى وإخراج جلال غنيم وتم إنتاجه عام 1986
يذكر أن مسلسل «أولاد آدم» يعتبر هو العمل الأول لميشيل المصرى كملحن أغانٍ، حيث كان متخصصًا فى التأليف والتوزيع الموسيقى فقط، قبل أن يُقنعه الكاتب سيد حجاب بتلحين تتر المقدمة، فأداه بنجاح، ثم توالت الألحان الناجحة.
لم يكن هذا الكوميديان العملاق هنيئاً فى حياته فقد كان يرسم الضحكة على شفاه الجمهور فيما يتألم هو ويعيش ضغوطات الحياة وكانت قد كشفت ابنته سمية عبد المنعم إبراهيم عن بعض أسرار حياة والدها خلف الكواليس وأشارت إلى أن حياته كان يغلب عليها الحزن، حيث رحلت والدته وهو يؤدى اختبارات القبول بمعهد الفنون المسرحية، ثم رحلت زوجته فى شبابها بعد رحلة مرض تاركة 4 أطفال فى أكبرهم 8 سنوات وأصغرهم لا يتجاوز عاما واحدا، كما رحل والده تاركأ أشقاءه فى رقبته، ورحل شقيقه فى شبابه قبل أن يتزوج.
كما أكدت على أنه كان يشعر باقتراب أجله خاصةً بعد رحيل صديق عمره الفنان محمد رضا ومنذ هذا اليوم وهو يقول: معادنا قرب.
كما كشفت عن تفاصيل الأيام الأخيرة بحياته وقالت: عندما أصيب بمياه على الرئة ودخل الرعاية المركزة، صمم على الخروج رغم رفض الأطباء، وانفعل لأنه كان مرتبطًا بمواعيد تصوير، وقال للطبيب: «لازم أخرج، المنتج هيتخرب بيته»، وأثناء قيامه بدوره فى مسلسل «أولاد آدم» كنا نأخذ الطبيب ليعطيه الحقن خلال التصوير.
وتابعت: بعد خروج والدى من المستشفى بشهر وفى أثناء عرض مسرحية «5 نجوم» على مسرح السلام، قال لشقيقتى سهير فى أحد الأيام: «أنا سددت فلوس الجزار والبقال وليس علينا أى أموال لحد»، وقال لعمتى التى جاءت لزيارتنا «نفسى آكل الرز بتاعك»، فطبخته وأكل منه، ثم دخل لينام ساعة قبل نزوله للمسرح، ودخلت أختى سهير لتستأذنه بالخروج، فانتفض، وقال لها: «إزاى ماتصحنيش الساعة 7 وعندى مسرح»، وارتدى ملابسه بسرعة، وبمجرد نزوله نادانا عامل الجراج، حيث وقع والدى وطلب كوب ماء، واصطحبناه بسرعة للطبيب الذى أوصانا بنقله فورًا للمستشفى، ولكنه توفى فى 17 نوفمبر ونفذنا وصيته، فخرجت جنازته من المسرح القومى ودفن بقريته فى 19 نوفمبر 1987 إلى جوار والده ووالدته وشقيقه.
كما كشفت عن آخر وصاياه قبل رحيله قائلةً: أوصانا بأن تخرج جنازته فى المسرح القومى لأنه كان يعشق المسرح ويعتبره بيته، وأن ندفنه فى قريته، ميت بدر حلاوة، التى أقام فيها مقبرة حتى نظل مرتبطين بمسقط رأسه طوال حياتنا.
كما تحدث عنه صديقه وزوج ابنته الفنان صبرى عبد المنعم وقال: إنسان لا يعوض ولن يتكرر سواء على المستوى الفنى أو الشخصى، كان يسكن فى العمارة التى يمتلكها زوج أختى، رحمه الله، وكانت علاقتى به طيبة جدا وبرغم أننا كنا تقريباً جيران إلا أن المرة الأولى التى قابلته بها كانت بدبى، عام 1978 وأصبحنا أصدقاء مقربين، ثم جمعنا القدر بعملين  وهما الشهد والدموع وأبواب المدينة، وأصبحنا نلتقى كثيراً.
وتابع.. وبرغم هذه الصداقة إلا أننى لم أدخل منزله مرة واحدة أثناء حياته، فكان  من أشد المحافظين وكتوما جداً فى تفاصيله العائلية ولم نكن نحن نسأله عن شىء.
وعن معرفته بزوجته قال: لم أكن أعلم من الأساس أن لديه ابنة ولا أعرف عدد أبنائه ولكن بعد وفاته أبلغونى أبناء شقيقتى بأن له ابنه جميلة تناسبنى كزوجة خاصة وأن والدها كان صديقى وأننى أعرف طباعه وسيكون بيننا وفاق بالفعل بعد وفاته ب3 سنوات تقدمت لخطبتها ورزقنى الله بزوجة صالحة ابنة صديق محترم تعلمت منه الكثير من القيم والأخلاق الحميدة.